ديفيد مادوكس
كان إعلان كير ستارمر أن المملكة المتحدة ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر (ما لم تستوف إسرائيل شروطاً صارمة) عرضاً مسرحياً لا يمكن إنكاره.
لكن في دراما البيان الصادر مساء الثلاثاء الماضي، كان هناك شعور مزعج بأن الأمر كان استعراضاً أكثر منه فعلاً من شأنه تغيير الأوضاع على الأرض في غزة وإسرائيل.
وحده الزمن سيكشف ما إذا كان ستارمر توصل إلى القرار الصائب –وتعتقد غالبية الناس أنه فعل ذلك– لكن القضية الحقيقية هي ما إذا كان فعل ذلك للأسباب الصحيحة، وما إذا كان ذلك دليل قوة أم ضعف.
بدا أن الغضب الذي أبداه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اتهم نظيره البريطاني بـ”مكافأة الإرهاب الوحشي لـ’حماس‘”، يوحي بضعف نفوذ الحكومة البريطانية بصورة عامة وستارمر شخصياً.
وفي حين أشارت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في حزب “العمال” السيدة إميلي ثورنبري إلى أن رد فعل نتنياهو يدل على أن بريطانيا تتمتع بنفوذ، فإن الحقيقة أنه من الواضح تماماً أن هذا لن يغير سياسة إسرائيل قيد أنملة.
ولكن ربما لا يهم ذلك.
وحظي وزير الخارجية ديفيد لامي بتصفيق حار في الأمم المتحدة عندما أعلن عن نية الاعتراف بدولة فلسطينية. وربما لا يكون من قبيل المصادفة أن الدول العربية، بما في ذلك قطر ومصر، أصدرت بياناً قوياً بعد ذلك بوقت قصير، حثت فيه “حماس” على نزع السلاح والتخلي عن السيطرة على غزة.
لكن الحقيقة أن الأيام القليلة الماضية أكدت أن هناك رجلاً واحداً فقط يمكنه التأثير في الأحداث داخل الشرق الأوسط خارج نطاق المشاركين في الحرب الدائرة، وهو دونالد ترمب.
يبدو من المهم للغاية أن ستارمر انتظر عقد اجتماعه مع ترمب في تيرنبيري قبل أن يحذو حذو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مسألة الاعتراف.
إضافة إلى ذلك، لم يبد القرار ممكناً إلا بعدما أعطى ترمب فعلياً الإذن للمملكة المتحدة بالخروج عن سياسة الولايات المتحدة، قائلاً إنه لا يرى مشكلة في احتمال اتخاذ السير كير موقفاً في شأن قيام دولة فلسطينية.
لكن من حيث المال وتوريد الأسلحة والنفوذ السياسي، يتعين على الولايات المتحدة أن تطلب من إسرائيل التوقف عن تجويع الفلسطينيين وفرض وقف إطلاق النار.
وعلى رغم أن ترمب قال إنه يريد وقف التجويع، فإن رغبته في فرض وقف إطلاق النار لا تزال موضع تساؤل.
في غضون ذلك، حاول السير كير موازنة قوة الولايات المتحدة من خلال مجموعة “إي 3” E3 الجديدة التي تضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
جاء هذا التدخل الأخير نتيجة لمحادثات المجموعة التي عقدت يومي الجمعة والسبت الماضيين. ويرى بعض أن تشكيل هذه المجموعة هو اعتراف في حد ذاته بأن الاتحاد الأوروبي فقد بعض نفوذه الدبلوماسي نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأن القوى الثلاث الكبرى في أوروبا في حاجة إلى التعاون مرة أخرى.
أكبر مشكلة يواجهها كير هي أن كل زعيم دولي، سواء كان نتنياهو أو المستشار الألماني فريدريش ميرتس أو ترمب، يدرك أن مسرحية مساء الثلاثاء الماضي كانت في الأساس مسألة سياسية داخلية بالنسبة إلى ستارمر.
فقد دفعته التوترات داخل حكومته وحزب “العمال” عموماً، فضلاً عن الضغوط السياسية المتزايدة من النقابات العمالية والنواب، على اتخاذ موقف من القضية الفلسطينية لتهدئة الوضع الداخلي.
لكن ربما أكثر ما أثار قلق ستارمر وفريقه القيادي هو ظهور حزب جيريمي كوربن الجديد، الذي شكل تهديداً حقيقياً لهم. فقد خسر النائب العمالي السابق جوناثان آشوورث مقعده لمصلحة نواب مستقلين مؤيدين لغزة العام الماضي، وكاد وزير الصحة ويس ستريتينغ ووزيرة العدل شبانة محمود أن يخسرا مقعديهما أيضاً.
ومن خلال اتخاذ موقف قوي ضد أفعال إسرائيل في غزة، يأمل ستارمر في كسب أصوات الناخبين المترددين الذين ربما كانوا يميلون لدعم حزب كوربن الجديد المؤيد لغزة.
لذلك، هناك شعور بأن ستارمر ظهر بدور قيادي وربما توصل إلى القرار الصحيح، لكن الأسباب التي دفعته إلى ذلك تتعلق بضعفه على الصعيد المحلي أكثر من قوته على الساحة الدولية.
نقلا عن اندنبندت