محمد علي محسن
قال العميد طارق صالح هازئًا ربما: “عندما تعذرت معركة التحرير، رجعنا نزفلت الطُرق”. طيب، وزير الدفاع الفريق الركن محسن محمد الداعري، كرس جهده لمعركة التحرير، وعندما وجد أن مزاج القادة في جبهة الشرعية والتحالف في حالة “اللاسلم واللاحرب”، رأى فرصةً لنيل شهادة الدكتوراة .
أين المشكلة؟ ولماذا تكالبت عليه تلك الأصوات؟ الداعري شخصية عسكرية احترافية، ومن النوعية المشهود لها بالكفاءة والإتقان للعلوم العسكرية.
يكفي أن أشير إلى أنه من الأوائل بين الضباط في مختلف المساقات التعليمية.
فقبل أن ينال شهادة الدكتوراه من الأكاديمية العسكرية العليا في مصر، عن أطروحته “الاستراتيجية المقترحة لمواجهة تداعيات الحرب الصامتة على الأمن القومي العربي”؛ حصل على شهادتَيْ القادة والأركان بصنعاء عام ٢٠٠٠م بتقدير ممتاز، ومن ثم كلية الحرب العليا بصنعاء عام ٢٠٠٨م وبتقدير ممتاز أيضًا، حاصلاً على المرتبة الثانية في الدفعة.
وبعد تعيينه وزيرًا للدفاع بستة أشهر، تقدم للأكاديمية العسكرية المصرية بغرض الحصول على الزمالة الأكاديمية؛ ذلك أن الشهادات الممنوحة للضباط من كلية الحرب في صنعاء يُؤخذ عليها غلبةُ المادة العسكرية ونقصانُ المادة المدنية.
ما استوجب من القادة الخريجين الالتحاق بأكاديميات عسكرية في مصر أو الأردن أو سواها، من أجل الزمالة الأكاديمية، وبما يحقق لهم المساواة في الدرجة العلمية مع نظرائهم القادة العسكريين الحاصلين على الدكتوراه المدنية عند مقارنتها أو اعتمادها في الجامعات.
شخصيًا، أعرف قادة أكاديميين عسكريين التحقوا بجامعات مدنية في عدن أو صنعاء أو الخارج، لذات الغرض الذي لأجله التحق الفريق الداعري بأكاديمية الحرب في مصر.
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، ظل تواصله مع الأكاديمية والمشرفين على رسالته غالبًا عن بُعْدٍ، وأوقاتًا بالحضور.
وهذه طريقة ليست بغريبة أو خافية على الباحثين أو الدارسين في الزمن الحاضر؛ فالعالم أضحى في متناول كل دارس ومريد للمعرفة والتعلم في كافة مناحي العلوم والتكنولوجيا وسواها.
والمهم أنه رسم لذاته مسارًا ومنهجًا تأهيليًا، فينبغي أن يُحترم خياره، وأن تُرفع له القبعات إجلالًا للتعليم وسموه.
لكن هناك من أغاظه أن يكافح الإنسان لبلوغ غايته الكبيرة! .
والبعض الآخر ذهب نقده إلى الإساءة والتشكيك بقدرات الوزير، مع أن زملاءه القادة في الجيش يدركون ويعلمون إمكانياته وقدراته؛ فليس هنالك من يشك أو يطعن بأحقيته واستحقاقه.
ما استفزني هو أن النقد تجاوز حدود اللياقة والكياسة إلى الإساءة والتشهير، دونما امتلاك معلومة واحدة صحيحة تؤكد ما ذهب إليه قِلَّةٌ من الخَلْق. بل على العكس، كشفت عن غِلٍّ وبغضٍ وتعصُّبٍ جاهلٍ أعمى أفقد أصحابه المصداقية والشفافية والنزاهة التي طالما ضَلَّلوا بها الآخرين.
أحد هؤلاء الذين غُرِّرنا بهم زمنًا، استكثروا على الوزير كلمة “تهانينا”! بواعثُ مقززة فاضت في فضاء منصات التواصل، مسمِّمةً إياها بجملة إساءات وافتراءات، وكأنهم هم ولا أحد غيرهم من يحق له الكلام، أو إصدار صكوك الثقة بشهادة فلان أو علان!
ومنهم من طلب من الشيخ سلطان البركاني الالتحاق بأي جامعة مصرية، ناسيًا أنه يتحدث عن رئيس برلمان اليمن! وبدلًا من دعوته للعودة هو ووزراء ونواب ووكلاء وقادة كبار ضاقت بهم القاهرة، راح قادحًا بوزير، كل ذنبه أنه ليس من البلاد، ولا يقيم في فندق خمسة نجوم منذ عشرة أعوام!
كما وجُريرةُ الوزير أنه استطاع مواصلة تعليمه عن بُعْدٍ، وخلال ثلاثة أعوام دراسته غادر وطنه لأيام أو أسابيع فقط، لينال دكتوراه بمرتبة مشرفة، بينما من يعيشون في مصر أو تركيا أو الأردن لم يُعْلِمونا بإنجازاتهم العلمية أو الثقافية، أو يُخبرونا عن تاريخٍ محددٍ لعودتهم إلى وطنهم، وكيف لهم المساهمة في معركة التحرير؟!
الوزير لم يأتِ إلى منصبه بالمحسوبية أو بصلة القرابة أو بقصائد المديح أو بتلاوة المعوذات، وإنما عن استحقاق وكفاءة واجتهاد. وعليه، فكل إنسان وطني حر متحرر من رِبْقَةِ العصبيات والبواعث السلبية، يجب أن يدعم الوزير؛ ليس لأنه من البلاد أو الجنوب، ولكن بكونه قدوة لكل جندي وضابط.
فليس هنالك خشية من العلم والمعرفة. وحين يكون لدينا وزير دفاع بمؤهلات الداعري، فذاك جدير بالفخر والاعتزاز. لا قلق إلا من الجهل والفوضى والخراب والاستبداد.
كما أن شهادته لا تكون له فحسب، وإنما ستكون حافزًا قويًا للجنود والضباط اليمنيين كي يتأهلوا ويطوروا من مستوياتهم ومعارفهم العسكرية والتقنية، بما يعود بالنفع عليهم وعلى وطنهم.