سعد بن طفلة العجمي
وزير الإعلام السابق في الكويت
هكذا ومن دون مناسبة إعلامية، ومن دون وجود خلاف “علني” بين أي من الدول الخليجية، تأتي هذه المقالة- المناشدة. تأتي هذه المقالة بغتة كما الخلافات العربية التي قد تتفجر بين يوم وليلة، والدول الخليجية ليست استثناء، ومثلما تتفجر الخلافات فجأة، قد تتلاشى أو يتم تلافيها من دون التعامل معها بشفافية وجذرية، ومن دون محاسبة أو تبعات على المتسبب بها. تندلع خلافاتنا في ليل أظلم، وتنتهي بحبة خشم في صبح مشرق! بعض هذه الخلافات الخليجية معروف للجميع، وبعضه يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضه يتم الهمس به في المجالس المغلقة، ولكن السر بين الاثنين شاع كما يقولون، والمثل يقول “ما كل ما يعرف يقال!.”
مضى على إنشاء مجلس التعاون الخليجي نحو 45 عاماً، وبقي صامداً على رغم الرياح العاتية التي عصفت بكل التجمعات العربية بمنطقتنا، بل تصدى لأعتى المحن والمصائب التي كانت قمتها فجيعة الاحتلال العراقي الغادر للكويت عام 1990.
وظهرت خلافات عديدة بين أعضائه، لعل أشدها كان الأزمة القطرية عام 2017، وعلى رغم هذا فقد بقي مجلس التعاون الخليجي منارة يجتمع حولها الخليجيون، ويستهدي بضوئها الحالمون من مواطني دول المجلس- ككاتب هذه المقالة.
تحقق عبر مسيرة المجلس كثير من المنجزات، وتراجعت أو راوحت أكثر الطموحات والتطلعات.
كان الأمل يحدو أبناء الخليج بأن تكون هناك خطوات عملية فاعلة نحو وحدة خليجية كونفيدرالية يحلم بها كل خليجي، وهو حلم نصت عليه ديباجة النظام الأساسي بإنشاء مجلس التعاون:
“وإيماناً بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين، واعتقاداً بأن التنسيق والتعاون والتكامل في ما بينها يخدم الأهداف السامية للأمة العربية، واستكمالاً لما بدأت من جهود في المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتها نحو مستقبل أفضل، وصولاً إلى “وحدة” دولها،،،الخ”.
وعلى رغم تحقق الكثير، لكن ما زال أقل من الطموح، فقد تعثرت محاولات العملة الخليجية الموحدة، وتعثرت جهود الجواز الخليجي الواحد، وتلاشت “لجنة تسوية المنازعات” التي يفترض أنها “محكمة عدل خليجية” تبت بالخلافات، وتحل المشكلات بين الدول الأعضاء. بل حتى الحدود البرية لا تزال عقبة كأداء، فلا يزال الخليجي- على رغم التنقل بين دول المجلس بالهويات الوطنية- إلا أنه يقف أحياناً بالساعات على الحدود بين بلدين خليجيين ويمر بعدة نقاط للجوازات والجمارك والتحقق والتأمين وتحقق ما بعد التحقق وهكذا.
إن الكتابة حول الوحدة الخليجية الكونفيدرالية تفرضه الظروف والمصير المشترك، والتذكير بأهمية حل الخلافات قبل تفاقمها ليست مسألة ترف أو تنطع كلامي، وإنما هي مسألة مصيرية تمس مستقبل وأمن دول الخليج مجتمعة من دون استثناء، ومن يعتقد أن المسؤولين قادرون على إخفاء الخلافات واهم في عصر الثورة المعلوماتية، وانفتاح الأفراد على الأخبار من كافة أنحاء العالم.
إن المتابع للحروب والمتغيرات الإقليمية، لا بد أن يخلص إلى أن المنطقة مقبلة على مزيد من الحروب والتغيرات والخرائط والترتيبات، وأن حائط الصد الأهم للحفاظ على أمن الخليج هو برص صفوف دوله وشعوبه مبكراً قبل أن “تقع الفاس بالراس” كما جرى عام 1990.
ولا مناص -إن عاجلاً أو آجلاً- من الوحدة الكونفيدرالية الخليجية التي “توحّد” السياسات الدفاعية والاقتصادية والعلاقات الخارجية.
وأختم بمناشدة شعرية للشاعر الشعبي الكويتي حمود البغيلي:
يا أهل الخليج الوقت هذا ترى غير *** حنّت رعوده وأبرقت في سماكم
إن ما تحالفتم على الشر والخير *** ضعتُمْ وضِعْنا كلنا من وراكم.
نقلا عن أندبندنت