محمود الغابري
في لحظات التوتر السياسي أو النزاعات المسلحة، قد يبدو أن الإجهاز الكامل على الخصم هو الخيار الأكثر فاعلية لتحقيق الانتصار. ومع ذلك، يُثبت التاريخ أن هذا التصور محض خطأ استراتيجي، حيث إن مواجهة خصم يائس يشعر بأنه محاصر دون مخرج تؤدي غالباً إلى تصاعد العنف بأشكاله، إذ يصبح العدو مدفوعاً للقتال بشكل هستيري ومفتقداً لأي اهتمام بالتكاليف أو العواقب.
فالنهج الحكيم، سواء في السياسة أو الحرب، يعتمد على تحقيق توازن بين الردع والتبصر، بما يتضمن السماح للخصم بمخرج يحفظ كرامته، سواء كان ذلك عبر مسار دبلوماسي أو انسحاب تكتيكي.
مثل هذا التصرف لا يُعتبر ضعفًا، بل يمثل أرقى مستويات الذكاء الاستراتيجي والقدرة على إدارة الصراع العقلاني.
وفي الميدان العسكري، بقاء فرصة للعدو للانسحاب قد يقلل من الخسائر البشرية في صفوف الجيش المنتصر، كما يخفف من معاناة المدنيين التي ترافق النزاعات المسلحة طويلة الأمد. كذلك، على المستوى السياسي أو أثناء المفاوضات، منح الخصم مساحة للتراجع دون المساس بكرامته يفتح الباب للسير نحو حلول بناءة ويقلل احتمالية التصعيد المفرط، بل يعمل على بناء بيئة تحكمها مبادئ التوازن بدلاً من الانتقام.
إن حصار الخصم دون أي منفذ يؤدي إلى دفعه نحو حالة من اليأس المطلق وفقدان الخوف من الموت، مما يجعله أكثر اندفاعاً نحو الانتقام حتى لو كان ذلك ضد مصالحه الذاتية وشعبه. وعلى العكس، حين يتمكن الخصم من رؤية فرصة للخروج، تتغير حساباته وتتزايد احتمالية لجوئه إلى خيار السلام.
وقد كشفت صفحات التاريخ عن صراعات طويلة الأمد كان يمكن تفادي استمرارها لو أن الطرف المنتصر أعطى المهزوم فرصة لحفظ “كرامة الهزيمة”.
وفي المقابل، هناك نزاعات انتهت بأقل التكاليف الإنسانية والمادية عندما استُخدم النهج العقلاني الذي أبقى الأبواب مفتوحة ليس للهرب بل للعودة إلى العقل والتفكير الواعي.
ختاماً، إن السماح للخصم بفرصة للخروج ليس جبناً او ضعفاً، بل هو جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الفعالة التي تضمن سلاماً مستداماً.