كريتر نت – متابعات
شهدت العاصمة العراقية بغداد، وعدد من المحافظات، تظاهرات شارك فيها المئات من أنصار التيار الصدري الجمعة، للتنديد بالهجمات الإسرائيلية على إيران، في خطوة فُسرت على أنها عودة ميدانية للتيار إلى الساحات العامة، ولكن هذه المرة من بوابة الدعم الشعبي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الخصم الإقليمي لإسرائيل.
ورغم أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كان قد دعا مرارًا إلى تحييد العراق عن النزاعات الإقليمية، وحذر من الانجرار خلف الصراع الإيراني الإسرائيلي، فإن دعوته الأخيرة للتظاهر “نصرةً لإيران” تمثل انعطافة رمزية تُعيد التيار إلى صدارة المشهد السياسي والاجتماعي، وتثير التساؤلات حول التوقيت والدوافع.
وجاءت التظاهرات بدعوة مباشرة من الصدر، حيث احتشد المئات في ساحة التحرير وسط بغداد بعد صلاة الجمعة، حاملين لافتات تندد بما وصفوه بـ”العدوان الصهيوني على الشعب الإيراني”.
وفي كلمة ألقاها أمام المتظاهرين، قال مدير مكتب الصدر في بغداد، إبراهيم الجابري، إن “الكيان الصهيوني تجاوز كل الخطوط الحمراء باستهدافه مؤسسات إنسانية في إيران، بينها منشآت صحية وتعليمية”، واصفًا الولايات المتحدة وإسرائيل بـ”عدوي الشعوب الإسلامية”.
وردد المشاركون شعارات تقليدية لطالما ميزت تحركات التيار الصدري، مثل: “كلا كلا أميركا” و”كلا كلا إسرائيل”، و”نعم نعم للسلام”، و”نعم نعم للعراق”، في إشارة إلى الجمع بين الموقف العقائدي ضد “الاستكبار العالمي”، حسب أدبيات التيار، وبين النزعة الوطنية العراقية.
وامتدت التحركات إلى محافظات أخرى، حيث شهدت مدن مثل كربلاء وبابل تظاهرات مماثلة، شارك فيها العشرات من أبناء التيار وممثلين عن عشائر محلية، في مشهد أظهر تنسيقًا منظمًا بين أذرع التيار الاجتماعية والدينية.
ففي قضاء الحر بمحافظة كربلاء، توافد العشرات إلى ساحة مركزية رفعوا فيها لافتات وشعارات تستنكر ما وصفوه بـ”الفساد العالمي الذي يقوده الكيان الصهيوني”، مطالبين بوقف التدخلات الأمريكية والإسرائيلية في شؤون المنطقة.
أما في بابل، فقد شارك المئات في تظاهرة رُفعت فيها أعلام العراق وصور لمقتدى الصدر، وسط هتافات مؤيدة لإيران، بوصفها “الحصن الأخير بوجه المشروع الصهيوني”، كما عبر أحد المشاركين لمراسل شفق نيوز.
والتناقض بدا واضحًا بين الخطاب السابق لزعيم التيار الصدري، الذي طالب بتحييد العراق عن النزاعات الإقليمية، وبين هذه التظاهرات التي لم تخلُ من التعبير عن اصطفاف واضح إلى جانب إيران، في نزاعها المتصاعد مع إسرائيل.
وقبل يومين فقط من موعد التظاهرات، دعا الصدر، في بيان له، إلى خروج “تظاهرات سلمية منظمة” بعد صلاة الجمعة، للتعبير عن الرفض لما وصفه بـ”الإرهاب الصهيوني والأمريكي وتوسعه الاستعماري”.
ورغم تكراره لعبارات تحذّر من التبعية للخارج، إلا أن التركيز على دعم إيران سياسياً وأخلاقيًا بدا لافتًا.
وفي خطبة مكتوبة نُشرت عبر المكتب الخاص للصدر، شدد على أن “القرار بالهجوم على إيران موكول للرئيس الأميركي، وهو قرار ظالم سيعود على من أصدره بالويل والخسران”، في إشارة مباشرة إلى سياسات واشنطن، مستعيدًا أمثلة من رؤساء سابقين قال إنهم “دفعوا ثمن مظالمهم على المؤمنين”.
ويقول محللون إن ظهور التيار الصدري مجددًا في الشارع قد يحمل أكثر من دلالة.
فبعد انسحابه شبه الكامل من العملية السياسية في السنوات الأخيرة، ومن البرلمان العراقي، بدا أن التيار يتجنب العودة إلى ساحات التظاهر، التي كانت في فترة ما مسرحًا لتجاذبات دموية، لاسيما خلال انتفاضة تشرين وما تلاها.
لكن تحريك الصدر أنصاره هذه المرة، تحت عنوان التضامن مع إيران، يثير تساؤلات حول مدى تأثير التطورات الإقليمية على توجهات التيار الصدري، الذي طالما تبنى خطابًا يقوم على المزاوجة بين الوطنية العراقية والانتماء الإسلامي العابر للحدود.
رغم تأكيد قيادات في التيار أن التظاهرات سلمية ومحصورة في إطار دعم القضايا الإنسانية، إلا أن مشاهد الحشود وهتافاتها تعكس إمكانية استثمار هذا الزخم في المستقبل، سواء لمواجهة خصوم سياسيين داخليين أو للتأثير في مسارات الصراع الإقليمي.
وحتى الآن، لم تصدر مؤشرات واضحة على أن التيار يخطط لعودة منظمة إلى الساحة السياسية، لكن تحركه الأخير قد يكون تمهيدًا لمرحلة جديدة من الفعل السياسي والاجتماعي، خاصة في حال تصاعد التوتر الإقليمي أكثر.