عمرو حلمي
يشهد العالم فى السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا فى ظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث يتعرض المسلمون فى العديد من الدول لحملات تشويه وتمييز ممنهج وأعمال عنف مدفوعة بالكراهية، وبات من الواضح للمجتمع الدولى أن مواجهة الكراهية الدينية لا يمكن أن تُختزل فى معاداة السامية فقط، بل يجب أن تشمل جميع أشكال التمييز ضد الأديان، وعلى رأسها الكراهية ضد الإسلام وتجاه المسلمين، إذ أشارت إحصاءات مركز «Pew Research» لعام ٢٠٢٣ إلى أن المسلمين يواجهون قيودًا على ممارسة شعائرهم الدينية فى ٥٦ دولة، ما يعكس اتساع نطاق التحديات المرتبطة بحرية الدين والمعتقد، كما أفادت وكالة الاتحاد الأوروبى للحقوق الأساسية بأن أكثر من ٤٠٪ من المسلمين فى أوروبا يتعرضون لأشكال متعددة من التمييز والتفرقه، سواء فى العمل أو التعليم أو الحصول على الخدمات العامة، هذه المعطيات تؤكد أن الإسلاموفوبيا اصبحت منذ سنوات ظاهرة ممنهجة تتطلب استجابة دولية فاعلة.
واتصالًا بذلك، وخلال إحياء اليوم الدولى لمكافحة الإسلاموفوبيا يوم ١٥ مارس ٢٠٢٤، ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بيانًا حذر فيه من التصاعد المقلق فى الكراهية ضد المسلمين حول العالم، مشيرًا إلى أن هذه الكراهية تتجلى فى التمييز المؤسسى والإقصاء الاجتماعى والاقتصادى، فضلًا عن السياسات التمييزية فى مجالات الهجرة والمواطنة والتعليم والعمل، كما أكد أن خطاب الكراهية عبر الإنترنت يُترجم إلى عنف واقعى، داعيًا إلى تعزيز التماسك الاجتماعى وبناء مجتمعات عادلة وشاملة، وفى الشهر نفسه، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا تاريخيًا بعنوان: «تدابير مكافحة كراهية الإسلام»، وهو القرار الذى قامت فيه الدبلوماسية المصرية العريقة بدور رائد حتى تم إقراره دون معارضة إذ صوتت لصالحه ١١٥ دولة، وامتنعت ٤٤ دولة عن التصويت، دون أى اعتراض رسمى، حيث أدان القرار جميع أشكال الكراهية والتمييز ضد المسلمين، ودعا كافة الدول إلى اتخاذ إجراءات قانونية وتربوية لمحاربة التعصب ضد الإسلام، كما أوصى بتعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا.
وفى مايو ٢٠٢٥، تم تعيين ميجيل موراتينوس، الممثل السامى لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، وزير خارجيه إسبانيا السابق، مبعوثًا خاصًا لسكرتير عام الأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا.
وقد أشار فى أول تصريحاته إلى أن المسلمين يواجهون تمييزًا مؤسسيًا وقيودًا اجتماعية واقتصادية، مؤكدًا أن الصور النمطية السلبية التى تروّج لها بعض وسائل الإعلام والسياسيين تساهم فى تصعيد العداء للإسلام، ودعا إلى التعامل مع هذه الظاهرة بجدية، من خلال إجراءات عملية، ولا يجب فى التقدير أن ينظر إلى تعيين موراتينوس على كونه مجرد خطوة رمزية، بل نقطة انطلاق لتحرك دولى فاعل يشمل وضع تعريف دولى للإسلاموفوبيا يوازى تعريف معاداة السامية، وإعداد تقارير دورية ترصد الظاهرة عالميًا وتعرض بياناتها بموضوعية، وبناء تحالفات مع منظمات إقليمية لإدماج مكافحة الإسلاموفوبيا ضمن استراتيجياتها، وتعزيز التثقيف والتوعية فى المناهج والإعلام، وتمكين منظمات المسلمين من المشاركة دون إقصاء فى الحياة العامة، ومواجهة الخطاب التحريضى، خاصة حين يصدر عن مسؤولين رسميين.
وفى هذا الصدد، كانت إدارة بايدن- هاريس قد أطلقت أول استراتيجية وطنية أمريكية لمكافحة الإسلاموفوبيا والكراهية ضد العرب والمسلمين، شملت أكثر من ١٠٠ إجراء تنفيذى ونداء للتعاون بين جميع قطاعات المجتمع. تهدف هذه الاستراتيجية إلى رفع الوعى بالمخاطر المتزايدة، وضمان سلامة المجتمعات المسلمة، ومعالجة مظاهر التمييز المنهجى، وتعزيز التضامن بين الجماعات الدينية والعرقية المختلفة، وهو الأمر الذى يستدعى التأكيد على أهمية الالتزام بتلك الاستراتيجية وتطويرها من قبل الإدارات الأمريكية اللاحقة، أما فى أوروبا، فإن صعود التيارات اليمينية المتطرفة يشكل تهديدًا جديًا، حيث تتبنى العديد من هذه التيارات خطابًا مناهضًا للإسلام والمسلمين بشكل علنى، الأمر الذى يتطلب تدخلًا جادًا من كافة الأجهزة المعنية، بما فى ذلك منظمات المجتمع المدنى لضمان احترام مبادئ المساواة ومناهضة التمييز فى جميع السياسات العامة.
ولقد كانت معاداة السامية أول ظاهرة دينية تنال اعترافًا دوليًا موسعًا، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حين خُصص يوم ٢٧ يناير لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست، وتم اعتماد تعريف شامل لها من قبل التحالف الدولى لإحياء ذكرى الهولوكوست.
كما تبنّى الاتحاد الأوروبى استراتيجية شاملة للتصدى لها ممتدة من عام ٢٠١٢ إلى ٢٠٣٠، تضمنت خطوات قانونية وتربوية ملموسة.
لكن مع تصاعد الاعتداءات على المساجد، وتكرار وقائع تدنيس المصحف الشريف، وحرقه علنًا، بات واضحًا أن الاقتصار على معالجة معاداة السامية وحدها لا يعد كافيًا، وأن هناك حاجة لتوسيع الجهود لتشمل التصدى للإسلاموفوبيا، وأنه على الاتحاد الاوروبى أن يتحرك من أجل وضع استراتيجية للتصدى للإسلاموفوبيا على غرار ما قام بإقراره بالنسبة لتجريم معاداة السامية.
فى هذا الإطار، تكتسب وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمى والعيش المشترك، التى وقّعها الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس فى أبوظبى عام ٢٠١٩، أهمية خاصة، أخذًا فى الاعتبار أنها تمثل خطوة تاريخية تهدف إلى ترسيخ مبادئ السلام والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة.
وإذا كانت معاداة السامية قد أسست لوعى عالمى بخطورة الكراهية الدينية، فإن الإسلاموفوبيا اليوم تذكّر بأن الخطر لايزال قائمًا، وإن اتخذ أشكالًا جديدة تستهدف جماعات أخرى.
فحرق القرآن الكريم علنًا، أو إقصاء المسلمين من الخطاب العام، أو التشكيك فى ولائهم الوطنى، كلها أفعال تغذى الانقسام والتطرف، وتستدعى إدانة ومكافحة متكافئة كما يحدث فى حالة معاداة اليهود ومعاداة السامية، خاصة أن العدالة فى المعالجة تتطلب أن يُمنح المسلمون نفس الحماية التى حصلت عليها الجماعات الأخرى، وأن يُعترف بالإسلاموفوبيا كجريمة كراهية لا مجرد حرية تعبير، مع الحفاظ على حرمة المعتقدات الدينية ورموزها، فالمعركة ضد الكراهية الدينية لا يمكن أن تكون انتقائية، ولا تتحقق أهداف الأمم المتحدة فى السلم والعدالة إلا من خلال إطار شامل يواجه جميع أشكال التفرقة والتمييز العنصرى، ويؤسس لثقافة السلام التى تقوم على احترام التنوع وحماية حقوق الإنسان… فمن التصدى لمعاداة السامية إلى مكافحة الإسلاموفوبيا، تظل الرحلة مستمرة نحو عالم نأمل أن يخلو من الكراهية ويحترم قيم التعايش السلمى والتنوع الثقافى دون تمييز أو تفرقة.
نقلا عن المصري اليوم