مايكل براون
إنه كابوس يراود كل رئيس، الجيش الصيني يحشد قواته في مقاطعة فوجيان، ويجمع أسطولاً قبالة السواحل، على الجانب الآخر من مضيق تايوان. ووفقاً للاستخبارات الأميركية، فإن هذا الحشد ليس مجرد خدعة، فبكين تستعد بالفعل للحرب. أسواق الأسهم العالمية تنهار، فيما يواجه العالم ما يقدره الاقتصاديون بأنه قد يكون صدمة اقتصادية بقيمة 10 تريليونات دولار. ويجد البيت الأبيض نفسه فجأة مضطراً إلى الإجابة عن سؤال كثيراً ما تجنب الإجابة عليه: هل سيستخدم القوة العسكرية للدفاع عن تايوان؟
هذا ليس افتراضاً خيالياً أو مبالغاً فيه، إذ أوضح الرئيس الصيني شي جينبينغ أن استعادة تايوان أمر أساس لما تسميه حكومته “التجديد العظيم للأمة الصينية”، كما أن بكين توسع قدراتها العسكرية بسرعة. وهذا مجرد سيناريو واحد من سيناريوهات عدة قد تؤدي إلى اندلاع حرب تشارك فيها واشنطن، فالصين تهدد حلفاء الولايات المتحدة بموجب المعاهدات، وروسيا تثير المخاوف لدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، وإيران سرعت برنامجها النووي، إن احتمالات اضطرار الولايات المتحدة إلى خوض حرب كبرى مع قوة عظمى هو الآن أعلى من أي وقت مضى خلال هذا القرن.
وربما يكون الجيش الأميركي هو الأقوى في العالم، لكنه غير مستعد لمثل هذا الصراع. أسلحته متطورة، وجنوده هم الأفضل بلا منازع. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تعاني نقصاً في مخزون الذخائر، وسفنها وطائراتها أقدم من نظيراتها الصينية، كما أن قاعدتها الصناعية تفتقر إلى القدرة على تعويض هذه الأصول بسرعة. فعلى سبيل المثال، فإن مخزون أميركا من الصواريخ الدقيقة لن يدوم لأكثر من بضعة أسابيع في صراع شديد الضراوة، وقد تتطلب إعادة إنتاج صواريخ أخرى سنوات. في المناورات الافتراضية الحربية التي تحاكي صراعاً في مضيق تايوان، قد تنفد ذخائر واشنطن الأساسية في غضون أسابيع.
وفي الواقع، يدرك المسؤولون الأميركيون هذا النقص. واستجابة لذلك، أبرم الكونغرس ووزارة الدفاع عقوداً لتوسيع خطوط إنتاج الدفاع الحالية، وفي بعض الحالات، إعادة تشغيل الخطوط القديمة. ومع ذلك، فإن هذه الجهود الأخيرة غير كافية لتعويض أكثر من ثلاثة عقود من التراخي والتراجع. لقد رفعت واشنطن الإنفاق الدفاعي إلى 825 مليار دولار، وهو مستوى قياسي من حيث القيمة الاسمية. لكن هذا يمثل أقل من ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو أدنى مستوى في هذا القرن، ومن بين أدنى المعدلات منذ الحرب العالمية الثانية. ومن أصل 825 مليار دولار، تخصص نسبة 21 في المئة فقط لشراء ذخائر ومعدات جديدة.
ومن أجل معالجة هذا القصور، يجب على واشنطن أن تتحرك فوراً. لذا، يتعين على إدارة ترمب، بالتعاون مع الكونغرس، تنفيذ ست مبادرات عاجلة، وهي تحديث الأصول الموجودة، وتوسيع القدرات الدفاعية، وزيادة المخزون والقدرة التصنيعية للذخائر، وزيادة المنافسة وتقليل الاعتماد على موردين محددين، وتغيير طريقة عمل “البنتاغون”، وزيادة مستويات التمويل وضمان استمراريته. ولكي تكون هذه المبادرات فعالة، يجب تنفيذها معاً بصورة متكاملة، إذ إن النهج المتجزئ لن يكون كافياً. فزيادة الموازنة الدفاعية الأميركية، على سبيل المثال، أمر ضروري، لكنها لن تفي بحاجات الولايات المتحدة ما لم تعمل واشنطن على زيادة عدد الشركات في القاعدة الصناعية الدفاعية، وتطوير قدرات جديدة مثل الأنظمة المسيرة، وأجهزة استشعار فضائية أكثر تقدماً، وبرمجيات قابلة للتحديث المستمر. وحتى في هذه الحالة، قد يواجه المسؤولون الأميركيون صعوبات في الحصول على ما يحتاجون إليه ما لم يكن بوسع القوات المسلحة شراء المعدات والذخائر من حلفاء الولايات المتحدة بسهولة أكبر. وأخيراً، يجب على “البنتاغون” أن يجري إصلاحات جذرية في ممارساته الإدارية وعمليات الشراء لديه، ليركز على السرعة والفعالية.
منع الحرب أقل كلفة بكثير من خوضها
وقد يكون من الصعب إقناع واشنطن بزيادة الإنفاق الدفاعي، نظراً إلى أن كلاً من إدارة ترمب والتقدميين في الكونغرس يسعون إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي حول العالم، لكن يجب على صانعي السياسات أن يتذكروا أن منع الحرب أقل كلفة بكثير من خوضها. فمن خلال زيادة الإنفاق العسكري على الكمية والنوعية، يمكن لواشنطن أن تجعل الغزو الصيني المحتمل أكثر كلفة وخطورة، مما يزرع الشك في نفس شي جينبينغ حول فرص نجاحه. وحتى إذا لم تنجح زيادة التسليح الأميركي في ردع هجوم صيني على تايوان، فإن واشنطن ستكون أكثر امتناناً لاحقاً لتوسيع ترسانتها. فالولايات المتحدة، في نهاية المطاف، لن يكون لديها الوقت الكافي لتعزيز إنتاجها العسكري بمجرد اندلاع صراع ما.
جودة الكمية
من عام 1989 إلى 1999، خفضت الولايات المتحدة موازنتها الدفاعية بما يقارب الثلث. فبعد انتهاء الحرب الباردة، لم يعد المسؤولون الأميركيون يرون حاجة إلى جيش ضخم. وواصل الكونغرس الإنفاق على منصات دفاعية رئيسة، مثل طائرات “إف-22″F-22 وحاملات الطائرات من طراز “نيميتز” Nimitz، لكنه قلص بصورة حادة الموازنة المخصصة للذخائر والأسلحة الأصغر. شهدت القاعدة الصناعية الدفاعية عمليات دمج وتقليص، وتراجعت استثماراتها في القدرات الإنتاجية والقوى العاملة. وركز الموردون على الحد الأدنى من معدلات الإنتاج، وإدارة المخزون في التوقيت المناسب [أي وفق مبدأ “عند الحاجة”، وهو مبدأ يستخدم لتقليل التكاليف عن طريق تصنيع المواد أو المنتجات فقط عند الحاجة إليها، وليس تخزينها بكميات كبيرة مسبقاً]، وتقليل التكاليف.
لم يكن ذلك مقلقاً بالنسبة إلى معظم الاستراتيجيين الأميركيين، فبعد حرب الخليج الأولى، التي هزمت فيها الولايات المتحدة سادس أكبر جيش في العالم خلال ستة أيام وبعدد قليل من الضحايا والخسائر، افترض المحللون أن الحروب المستقبلية ستكون قصيرة، ولن تتطلب مخزوناً ضخماً من الذخائر والمعدات الأساسية. كذلك، افترض المخططون العسكريون أن الانتصارات السريعة في المستقبل ستتحقق بفضل التفوق التكنولوجي.
ظل هذا المنطق سائداً إلى حد كبير على مدى ثلاثة عقود، إذ بين عامي 2001 و2002، طردت الولايات المتحدة حركة طالبان من البلاد، وهزمت الجيش العراقي بسرعة في حرب الخليج الثانية التي بدأت عام 2003، لكن التمردات الطويلة الأمد التي أعقبت ذلك في أفغانستان والعراق أثبتت أن الرؤية في شأن “الانتصارات السريعة” كانت مجرد وهم، بل إن القدرات غير المتماثلة والإرادة السياسية المستمرة مكنت المتمردين من الصمود أكثر من الجيش الأميركي، ثم جاء غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 ليقدم دليلاً آخر على أن المعادلة تغيرت، فخلافاً لتوقعات المحللين الدفاعيين، نجح الأوكرانيون في إيقاف تقدم الجيش روسي صاحب الموارد الأكبر والأفضل تجهيزاً، مما أدى إلى حرب استنزاف أودت بحياة آلاف واستنزفت ملايين الذخائر. والآن، تعيد الجيوش تعلم دروس الحربين العالميتين: فالصراعات الكبرى ما زالت قادرة على التحول إلى حروب استنزاف طويلة، والقدرة الصناعية هي العامل الحاسم.
القدرة الإنتاجية السنوية لبناء السفن في الصين تفوق نظيرتها الأميركية بمقدار 370 مرة
واستكمالاً، كشفت الحرب في أوكرانيا عن مدى استنزاف خزائن واشنطن العسكرية من السلاح، إذ واجه المسؤولون الأميركيون صعوبة في توفير الأسلحة التي تحتاج إليها كييف، وأبدوا قلقاً مبرراً في شأن مخزوناتهم الدفاعية. وبينما يظل العدد الدقيق للصواريخ الأميركية طي الكتمان، فإن التقديرات تشير إلى أنه لا يتعدى بضع عشرات الآلاف. في المقابل، أطلقت روسيا نحو 12 ألف صاروخ في العامين الماضيين.
في الواقع، يعاني الجيش الأميركي نقصاً في الذخائر يشمل معظم أنواع الأسلحة، فهو يفتقر إلى صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. والأهم بالنسبة إلى صراع في المحيط الهادئ، يفتقر إلى عدد كاف من الصواريخ الدقيقة البعيدة المدى، مثل صواريخ البحرية البعيدة المدى المضادة للسفن، وصواريخ المواجهة المشتركة جو-أرض، وصواريخ الجيش للضربات الدقيقة. ووفقاً للمناورات الافتراضية الحربية التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قد تستخدم الولايات المتحدة 5 آلاف صاروخ دقيق بعيد المدى أسبوعياً، وتنفد مخزوناتها بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع، لن تتمكن الولايات المتحدة أيضاً من إعادة إنتاج هذه الصواريخ بالسرعة الكافية. ووفقاً لدراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عام 2021 حول التعبئة العسكرية، فإن الأمر سيستغرق عامين للبدء بتعويض الصواريخ البعيدة المدى المضادة للسفن. هذه هي عواقب ترك المخزونات تنضب والقاعدة الصناعية تضعف: فشركات التصنيع الدفاعية الأميركية تفتقر إلى القطع والخبرة والمساحات الصناعية اللازمة لإنتاج كميات جديدة من الذخائر، وتفتقر إلى السيولة النقدية الناتجة من طلبات “البنتاغون” الجديدة لزيادة الإنتاج أو الاستثمار في الطاقة الإنتاجية.
لفهم السبب، يمكن النظر إلى صاروخ “ستينغر” Stinger على سبيل المثال: وهو صاروخ أرض-جو مزود بتقنية الأشعة تحت الحمراء لتتبع الأهداف بدقة، ولكنه خفيف الوزن ويطلق من فوق الكتف. يعد ستينغر سلاحاً محمولاً وفعالاً للغاية ضد الطائرات والمسيرات المعادية، مما جعله سلاحاً أساسياً في أوكرانيا. ونتيجة لذلك، أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 1000 صاروخ من هذا الطراز إلى كييف. وتحاول واشنطن تعويض هذه الأسلحة، لكن صاروخ ستينغر صمم في الأصل في سبعينيات القرن الـ20، وكانت آخر طلبيات الجيش منه قبل 20 عاماً. واضطرت شركة “رايثيون” Raytheon للمقاولات الدفاعية، إلى توظيف مهندسين متقاعدين لإنتاج صواريخ جديدة. علاوة على ذلك، اضطرت إلى إعادة تصنيع مكونات عفا عليها الزمن. وبسبب معوقات الإنتاج الناجمة عن ذلك، لم تتمكن الشركة من إنتاج أكثر من 60 صاروخ ستينغر شهرياً خلال عام 2024.
واستطراداً، تحتاج واشنطن إلى سفن وطائرات جديدة، إذ يبلغ متوسط عمر سفن البحرية 19 عاماً، والطائرات التابعة لسلاح الجو 32 عاماً، وبعض السفن والطائرات عمرها 50 عاماً. في المقابل، يتطلب تصنيع الأنظمة الدفاعية الكبرى مثل هذه أكثر من ثماني سنوات في المتوسط. في الوقت نفسه، فإن 70 في المئة من سفن البحرية الصينية دخلت في الخدمة منذ عام 2010. وتبلغ القدرة السنوية لبناء السفن في الصين أيضاً 26 مليون طن، أي ما يعادل 370 ضعف قدرة بناء السفن في الولايات المتحدة البالغة 70 ألف طن، ولا تمتلك واشنطن حتى القدرة الصناعية اللازمة لصنع حاملة طائرات واحدة من طراز “فورد” سنوياً (تزن هذه الحاملة 100 ألف طن).
نقلا عن أندبندنت عربية















