مصطفى الأنصاري
في الخامس من أبريل (نيسان) كل عام يحتفل العالم بـ”الضمير”، في مبادرة أطلقتها الأمم المتحدة عام 2019 لتعزيز السلام والمسؤولية الأخلاقية، مستلهمة المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن “جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين… وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الإخاء”.
وبينما كادت تلك المناسبة تمر هذا العام مسرعة، قررت موظفة مغربية في “مايكروسوفت” أن تحييها على طريقتها، عندما نصبت ابتهال أبو السعد للشركة الفخ في مناسبة ذكراها الـ50 وفجرت جدلاً كان طاغياً من الأساس حول “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، في احتجاج يتجاوز موضوع فلسطين وغزة إلى دلالات رمزية أكثر عمقاً، ظلت موضع بحث ونقاش المهتمين في قمم التقنية والدفاع والفضاء ضمن الغرف المفتوحة والمغلقة، وقبل ذلك الفلاسفة عبر العصور.
لغة “مولاي يوسف” وهارفرد؟
ففي وقت يفترض أن يتذكر العالم ضميره الجمعي، يبدو أن هذا الصراع الداخلي في قلب إحدى أكبر شركات التكنولوجيا يكشف عن تناقض صارخ بين المثل العليا والواقع المادي. ربما كان الظرف “الزمكاني” هو ما جعل احتجاج ابتهال يتردد صداه بقوة حول العالم، كأنها صوت الضمير الذي يصرخ في وجه الآلة الصناعية، حتى وإن جاء بصورة يراها البعض شعبوية لا ترقى لرصانة ابنة هارفرد وخريجة مدرسة مولاي يوسف العريقة، التي عرفت بنجابة خريجيها من الأمراء والنوابغ بوصفها من ملحقات القصر الملكي في الرباط وعلى بضع أمتار من “بوابة السفراء” فيه، مما يوحي بأنها إحدى مصانع الدبلوماسيين والسفراء والنخب للدولة الملكية عميقة الجذور في أقصى المغرب العربي.
لكن التصفيق العالمي الحار للموظفة ولا سيما من جانب العرب لا يبالي بكل ذلك، فهو جاء رد فعل تلقائياً نحو أي موقف يظهر، كما لو أنه ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم على الفلسطينيين في غزة، حتى وإن كان في صورة غير حضارية أو يزيد الطين بلة، على نحو مما كان التصفيق لآخرين مثل الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي هوى بفردة حذائه على الرئيس الأميركي السابق جورج بوش نقمة على غزو بلاده الدامي للعراق، وهو تأييد واكب العرب بمثله وأشد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وقبلها الـ11 من سبتمبر (أيلول) في أميركا، إلا أن العواقب تبين أنها على غير ما كانوا يظنون.
ليس واضحاً حتى الآن ما إذا كان الأمر كذلك –مع الفارق- بالنسبة إلى غضبة الموظفة المغربية وتداعيات ذلك على صورة العرب والمسلمين في مجتمعات التقنية المؤثرة في الغرب، إلا أن توجه الاحتجاج إلى زميلها من أصل عربي هو الآخر ربما يقلل من تلك التداعيات، فالمزايدات على المسلمين واستغلال مواقف الأفراد لتوزيع النقمة على المجاميع لا حدود لها.
بل حياة “الضمير” نفسه كانت بصورة أو أخرى من صنع المجتمع وامتيازاته وفرصه وفق ما يحاول الباحثون تصويره، إلى حد يجعل البعض يشير إلى أن المهندسة خاطبت الشركة باللغة التي اكتسبتها من ثقافتها الداخلية والمحيطة في المجتمع الأميركي الحر، وهذا يلتقي مع نظريات فلاسفة مثل “كانط” على سبيل المثال يرون الحرية هي جناح الواجب الأخلاقي، وأن “الضمير يغني فقط حين يطير بعيداً من قفص الضرورة”، أو الإكراهات بلغة المغاربة.
ماذا رأت المهندسة خلف الكواليس؟
وكانت المهندسة المغربية أبو السعد قاطعت الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي مصطفى سليمان خلال احتفال الشركة بالذكرى الـ50 لتأسيسها، احتجاجاً على تعاون الشركة مع الجيش الإسرائيلي. وهاجمت سليمان قائلة “عار عليك… تزعم أنك تستخدم الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، لكن ’مايكروسوفت‘ تبيع أسلحة ذكاء اصطناعي للجيش الإسرائيلي… 50 ألف إنسان قتلوا و’مايكروسوفت‘ تسهم في الإبادة الجماعية داخل منطقتنا”. وواصلت وهي تخرج من المكان “أنتم تجار حرب، أوقفوا استخدام الذكاء الاصطناعي لارتكاب الإبادة في منطقتنا”.
وقالت في رسالة وزعتها على زملائها قبيل الاحتجاج على الأرجح وقبل أن يتعطل حسابها على الشركة، إن عملها في “مايكروسوفت” أسهم في “تجسس الجيش الإسرائيلي على المدنيين، بما في ذلك الصحافيون والأطباء وعمال الإغاثة”. وقالت أبو السعد “لم أُبلغ بأن ’مايكروسوفت‘ ستبيع عملي للجيش والحكومة الإسرائيليين بهدف التجسس على الصحافيين والأطباء وعمال الإغاثة وعائلات مدنية بأكملها وقتلهم، لو كنت أعلم أن عملي سيساعد في التجسس على المكالمات الهاتفية ونسخها لاستهداف الفلسطينيين بصورة أفضل لما انضممت إلى هذه المنظمة، وأسهمت في الإبادة الجماعية. لم أوقع على كتابة شيفرة تنتهك حقوق الإنسان”.
المصدر : اندبندنت عربية















