فؤاد مسعد
أعلنت إسرائيل أمس الثلاثاء أنها بدأت التوغل البري في جنوب لبنان، وهو ما نفاه حزب الله ومصدر في الجيش اللبناني وكذلك الناطق باسم قوات الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، وفي هذا إشارة إلى أن الصهاينة يمارسون الحرب النفسية قبل وأثناء المعركة، وقد كشفوا لداعميهم الأمريكان أنهم سينفذون توغلاً برياً وصفوه بالمحدود. مع أن الوحدات العسكرية المشاركة أكثر من ستة ألوية.
وهنا تعود أحداث الاجتياح الإسرائيلي للبنان – منتصف العام 1982، إلى الواجهة مع العدوان السافر على لبنان الذي يشمل القصف والقتل والتدمير، مع استمرار آلة الإجرام الصهيوني نفسها في حصد أرواح الفلسطينيين في غزة كما في الضفة الغربية.
في الاجتياح الإسرائيلي السابق للبنان كان هدف إسرائيل تدمير منظمة التحرير الفلسطينية وتفكيك حركات المقاومة التي كان لديها فصائل مسلحة في لبنان، وكانت تنفذ عمليات ضد الاحتلال في الحدود وفي المناطق المحتلة.
وبعد نحو شهر من اجتياح القوات الإسرائيلية ووصولها إلى أجزاء من بيروت، تحدث المجرم الهالك أرئيل شارون – وزير الحرب وقتها- في مؤتمر صحفي عقده شرق بيروت قائلاً: “الهدف من وجود الجيش الإسرائيلي في بيروت تدمير منظمة التحرير الفلسطينية”.
يكاد الهدف الإسرائيلي يتكرر اليوم ويتلخص في السعي للقضاء على المقاومة الفلسطينية من خلال حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة، منذ نحو عام، والقضاء على المقاومة اللبنانية من خلال الضربات المكثفة والقصف الهمجي المستمر الذي لم يقتصر على جنوب لبنان بل امتد إلى بيروت وبقية المناطق.
وقد حققت القوات الإسرائيلية الكثير من أهدافها في اجتياح العام 1982، وفي مقدمتها تفكيك قوات المقاومة الفلسطينية التي تفرقت بعد ذلك في عدة دول عربية، ولم تعد بتلك القوة التي كانت تظهر بها قبل الاجتياح الإسرائيلي.
وكان الصهاينة يعتقدون أنهم استطاعوا تأمين حدودهم الشمالية لعشرات السنين القادمة بيد أنه سرعان ما تشكلت مقاومة وطنية لبنانية تبنت مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ثم تبلورت قوة عسكرية باسم حزب الله المدعوم إيرانياً، والذي استطاع أن يلتقط زمام المبادرة في الحدود مع إسرائيل ويخوض معها مواجهات عسكرية عامي 2000 و 2006.
وفي الوقت نفسه اشتعلت الأراضي الفلسطينية تحت أقدام الاحتلال بنيران الانتفاضة الأولى 1987 والثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000، بعدما ظن الصهاينة -وكل ظنونهم آثمة – أنهم باتوا في مأمن بعدما تفرقت فصائل المقاومة الفلسطينية عقب خسارتها معركة بيروت 1982.
في الوضع الراهن تحاول تل أبيب الاستفادة مما حققته في جبهة لبنان من انتصارات على حزب الله تمثلت في ضرب جهازه العسكري واتصالاته وصولاً إلى تصفية قياداته ومنهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، بشن حرب نفسية موازية لعملياتها المستمرة، كيما تعيد لنفسها وجيشها جزءاً من الهيبة التي فقدتها خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد عملية (طوفان الأقصى) بداية أكتوبر العام الماضي.
وما بين الاجتياح الذي طال لبنان قبل أكثر من 42 سنة، ومؤشرات المرحلة الراهنة من الصراع العربي- الإسرائيلي جرت الكثير من المياه في مجرى الأحداث، وتغيرت كثير من المعالم، بعضها لصالح القضية الفلسطينية، وبعضها في الاتجاه المعاكس، في ظل حالة التردي العربي (الرسمي) وما يقابلها من حالة توثب وتحفز عوامل وبذور جديدة للصراع الذي بدأ قبل أكثر من 75 سنة.
الاجتياح الإسرائيلي لبيروت (1982) في سطور:
– بدأ الغزو في 6 يونيو1982، بعد نحو 8 سنوات من اندلاع الحرب الأهلية في لبنان.
– أدى الغزو إلى مقتل 17 ألف و500 لبناني وفلسطيني.
– خسائر إسرائيل طوال الحرب 500 إصابة، بنسبة 3,5 من خسائر اللبنانيين والفلسطينيين.
– أواخر يونيو صار عدد جيش إسرائيل المنتشر في لبنان 100 ألف جندي، 1200 دبابة، 1100 ناقلات، 12000 شاحنة للجند والمؤن.
– ظلت القوات الإسرائيلية تلقي منشورات تطالب المواطنين بمغادرة بيروت الغربية حفاظاً على حياتهم.
– شكلت إسرائيل قوات لبنانية موالية لها على الحدود الجنوبية أسمتها (الحزام الأمني)، بقيادة الضابط في الجيش اللبناني سعد حداد، كما تحالفت مع قوى مسيحية ضمن اليمين اللبناني الذي قاتل ضد الفصائل الفلسطينية المتحالفة مع الحركة الوطنية (قوى اليسار).
– في 2 يوليو أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي شارون- في حديث للصحفيين ببيروت الشرقية- أن “الهدف من وجود الجيش الإسرائيلي في بيروت تدمير منظمة التحرير الفلسطينية”.
– استمر الحصار الإسرائيلي لبيروت الغربية- حيث توجد فصائل المقاومة الفلسطينية- عشرة أسابيع.
– في 21 أغسطس غادر المقاتلون الفلسطينيون (نحو 400 مقاتل) عبر مرفأ بيروت إلى الجزائر والسودان واليمن، بعد التوقيع على وقف إطلاق النار برعاية المبعوث الأمريكي فيليب حبيب، وقضى الاتفاق بخروج قوات المقاومة الفلسطينية من لبنان، وفيما اختارت بعض فصائل اليسار الانتقال إلى سوريا فضلت حركة فتح وقيادة منظمة التحرير الاستقرار في تونس.
– في 23 أغسطس انتخاب بشير الجميل (حزب الكتائب) رئيسا للبنان.
– في 25 أغسطس نزل مشاة المارينز الأمريكي في بيروت لأول مرة منذ عام 1958.
– في 30 أغسطس غادر ياسر عرفات بيروت محاطا بالمرافقين والمصورين والجنود الفرنسيين والأمريكيين في مشهد وداع مؤثر، وكان في وداعه سفراء فرنسا وإيطاليا واليونان وكوريا الشمالية، وأبحرت به السفينة اليونانية اتلانتس مع المئات من المقاتلين وبحماية سفينتين حربيتين أمريكيتين.
– خلال أسبوعين غادر بيروت عشرة آلاف مقاتل فلسطيني، وكانت هناك ضمانات وتعهدات أوروبية وأمريكية بحماية المدنيين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية بكفالة الدبلوماسي الأمريكي فيليب حبيب.
– في 14 سبتمبر تفجير في مقر الكتائب ببيروت الشرقية يودي بحياة بشير الجميل، وإسرائيل تدخل بيروت الغربية.
– في الأيام الثلاثة 16 و17 و18 سبتمبر وقعت مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، التي نفذتها الفصائل اللبنانية المسلحة بدعم وتسهيل الجيش الإسرائيلي المتحالف معها، والذي كان يحاصر المنطقة، ووفقاً لأغلب التقديرات زاد عدد القتلى عن ثلاثة آلاف قتيل أغلبهم من النساء والأطفال.
وكان الجيش الصهيوني يحاصر مخيمي صبرا وشاتيلا، وقد سهل دخول الفرق المسلحة التي اقتحمت المكان وباشرت القتل بلا هوادة، وبعد دخول القتلة منَعَ جيش الاحتلال خروج أحد من سكان المخيم، ومن حاول الهروب من المجزرة فإن القتل مصيره.