كريتر نت : متابعات
انتهاء الحرب في غزة ينذر ببدء المراحل الأخطر من أزمة أعمق وأطول في الشرق الأوسط، إذ يبقي تكديس حزب الله للسلاح في الجبهة اللبنانية ومضي إيران قدما في برنامجها النووي جذوة التوترات الإقليمية متقدة.
وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على بدء الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين بقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وسقوط أكثر من 33 ألف قتيل و76 ألف جريح بين الفلسطينيين بحسب تقديرات وزارة الصحة في حكومة حركة حماس الفلسطينية بقطاع عزة، تبدو سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط على المحك.
ووصلت المفاوضات حول وقف لإطلاق النار في غزة إلى مرحلة حرجة، كما تعرقل هجمات جماعة الحوثيين اليمنية حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن وترهق القوات البحرية الأميركية التي تحاول التصدي لها.
ومازال دعم بايدن لإسرائيل قويا، لكن بعد شهور من تراكم التوتر، تدهورت علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل صريح. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يخوضها بايدن، أضرت الحرب التي كانت لها عواقب إنسانية مأساوية بمكانة الرئيس بين مؤيديه التقدميين في الداخل.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، قال المحلل السياسي هال براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية، إن الأمور في الشرق الأوسط يمكن أن تصبح أشد تعقيدا وقبحا، ومن المحتمل أن يحدث هذا بالفعل، فتصبح الحرب في غزة مجرد مقدمة لأزمتين جديدتين ويمكن أن تكونا أشد تدميرا. وتتعلق الأزمة المحتملة باحتمالات تطور الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، فعندما نشبت الحرب بينهما في 2006 تم تدمير الجنوب اللبناني.
ومنذ ذلك الوقت ينظر المسؤولون الإسرائيليون بقلق إلى تكديس حزب الله للأسلحة الأكثر تطورا بما فيها حوالي 150 ألف صاروخ. ويعتبر حزب الله قوة عسكرية غير نظامية من الطراز الأول، ويرتبط بعلاقة وثيقة مع حركة حماس الفلسطينية التي تقاتل إسرائيل في غزة.
ويقول براندز إن حكومة نتنياهو فكرت في شن ضربة استباقية ضد حزب الله بعد هجوم الفصائل الفلسطينية المسلحة على المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر الماضي، خوفا من قيام الحزب اللبناني بمهاجمة إسرائيل مستغلا انشغالها بالحرب في غزة.
ولكن إسرائيل تراجعت عن هذه الفكرة، بعد أن قرر الرئيس الأميركي بايدن إرسال قوة بحرية أميركية كبيرة إلى البحر المتوسط لإظهار الدعم الأميركي الكامل لإسرائيل واستعداد واشنطن للتدخل إلى جانبها في حال اتساع نطاق الحرب في غزة. لكن المشكلة الأعمق لم يتم حلها.
وقليل من الإسرائيليين يريدون تحمل خطر احتمال قيام حزب الله بمهاجمة شمال إسرائيل على غرار هجوم حماس والفصائل الأخرى على جنوبها يوم السابع من أكتوبر الماضي. وتحولت الكثير من المستوطنات والتجمعات السكنية في شمال إسرائيل إلى مدن أشباح، وانتقل عشرات الآلاف من سكان هذه المنطقة للحياة في أماكن أخرى بإسرائيل، أو ابتعدوا عن الشمال ببساطة.
وتواجه إسرائيل حاليا من الناحية العملية انكماشا لمساحة أراضيها، وهو أمر لا يمكن أن تقبل به حكومة إسرائيل سواء تحت رئاسة نتنياهو أو أي خليفة له. والآن يشهد شمال إسرائيل وجنوب لبنان اشتباكات عنيفة متبادلة بين حزب الله وإسرائيل دون أن تصل إلى مرحلة الحرب الصريحة، لكنها تقترب منها شيئا فشيئا. ويستخدم حزب الله الصواريخ المضادة للدبابات وأسلحة أخرى لاستهداف الجنود والمدنيين العزل الإسرائيليين.
وترد إسرائيل بضربات على جنوب لبنان وسوريا بدعوى استهداف حزب الله والعناصر الإيرانية الداعمة له. وكان الهجوم الأكثر دراماتيكية هو الغارة الجوية الأخيرة التي وقعت في الأول من أبريل الحالي واستهدفت قنصلية إيران في دمشق مما أدى إلى مقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، وهو ما دفع طهران إلى إطلاق سيل من التهديدات بالانتقام من إسرائيل.
ويرى براندز أن نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله سيكون أشد تدميرا مما يجري في غزة. ولأن حزب الله حليف حيوي لإيران فقد تنخرط إيران في الحرب إلى جانبه بشكل أوضح. وإذا كان حزب الله وزعيمه حسن نصرالله لديهما أسباب وجيهة لتجنب مثل هذه الحرب، فإنه قد لا يقبل بسحب قواته إلى نهر الليطاني كما تطالب إسرائيل.
وفرضت الولايات المتحدة الخميس قيودا على حركة دبلوماسييها في إسرائيل بسبب مخاوف أمنية، وفق ما أعلنت سفارتها.
وقالت السفارة في إشعار “بدافع الحذر الشديد، يُمنع موظفو الحكومة الأميركية وأفراد عائلاتهم من السفر الشخصي” خارج مناطق تل أبيب والقدس وبئر السبع “حتى إشعار آخر” مضيفة “البيئة الأمنية لا تزال معقدة ويمكن أن تتغير سريعا، اعتمادا على الوضع السياسي والأحداث الأخيرة”.
ولم تذكر السفارة الأميركية سبب هذا التحذير الجديد الذي يأتي بعد أكثر من ستة أشهر على الحرب في قطاع غزة.
وقالت المصادر الإيرانية إن الولايات المتحدة طلبت من إيران ممارسة ضبط النفس وإفساح مجال للدبلوماسية وحذرت طهران من أنها ستقف إلى جانب إسرائيل في حالة وقوع هجوم مباشر مضيفة أن إيران تعتقد أن نتنياهو يستهدف استدراج طهران إلى حرب، ولذلك قد يكون ردها محسوبا ويتجنب توجيه ضربات مباشرة إلى إسرائيل، وقد يشارك فيه حلفاء طهران.
وقال مصدر مطلع إن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط اتصل بوزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر والعراق ليطلب منهم نقل رسالة إلى إيران تحثها على تقليص التوتر مع إسرائيل مشددا على أن الولايات المتحدة قد توافق على إحياء المحادثات النووية إذا كان يمكن لذلك أن يحول دون اشتعال الموقف مضيفا بشرط عدم الكشف عن هويته “إذا كنا نتحدث عن محادثات وليس (عن) التوصل إلى اتفاق، فيبدو أن الأمر يستحق الثمن إذا كان المردود يقلل من خطر التصعيد الإقليمي الذي قد تنجر إليه الولايات المتحدة”.
وقال علي فائز من مجموعة الأزمات الدولية إن معضلة إيران تكمن في “إيجاد طريقة للانتقام بطريقة تحفظ ماء وجهها دون أن تفقد رأسها”.
وأضاف “التنبؤ بتصرفات إسرائيل أصعب من التنبؤ بتصرفات الولايات المتحدة. ومن ثم، المخاطر أعلى… من الواضح أن الزعيم الأعلى الإيراني يشعر بالقلق من أنه بدلا من تحقيق التأثير الرادع الذي قد يأمل في تحقيقه، قد لا يؤدي هجوم على إسرائيل إلا إلى إذكاء تصعيد مضاد ربما كان يأمل في تجنبه”.