كريتر نن – متابعات
حذر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن من أن “مجاعة واسعة النطاق بغزة ستؤدي لصراع طويل الأمد”، بينما اعتبرت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد الثلاثاء أن الإنسانية والمجتمع الدولي فقدا “بوصلتهما الأخلاقية” في قطاع غزة حيث تستمر الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
وقال أوستن اليوم الثلاثاء إن حدوث مجاعة واسعة النطاق تفضي إلى سقوط وفيات في غزة ستؤدي على الأرجح إلى تفاقم أعمال العنف وصراع طويل الأمد وذلك على الرغم من رفضه اتهامات بأن إسرائيل مسؤولة عن إبادة جماعية تتكشف في القطاع الفلسطيني.
ويواجه القطاع المدمر خطر تفشي المجاعة والمرض بعد أن أصبح جميع سكانه تقريبا مشردين الآن، بعد ستة أشهر من الحملة الجوية والبرية الإسرائيلية في أعقاب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل.
وتشكو وكالات إغاثة من أن إسرائيل لا تضمن وصول ما يكفي من الغذاء والدواء والإمدادات الإنسانية اللازمة الأخرى. واتهم جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إسرائيل باستخدام المجاعة سلاحا في الحرب.
وعندما سأل أحد المشرعين أوستن عن الأثر الذي سينجم عن مجاعة جماعية، أجاب أوستن أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ “سيؤدي ذلك إلى تسريع وتيرة أعمال العنف وإلى صراع طويل الأمد”.
وقال “يجب ألا يحدث ذلك… يجب أن نواصل بذل كل ما في وسعنا، وهو ما نفعله، لتشجيع الإسرائيليين على توفير المساعدات الإنسانية”.
وتقول إسرائيل إن المساعدات تتدفق إلى غزة بوتيرة أسرع، لكن الكمية محل خلاف وتقول الأمم المتحدة إن الكمية تظل أقل من الحد الأدنى لتلبية الاحتياجات الإنسانية.
وذكر أوستن أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ما إذا كان من الممكن تعميق هذه الزيادة في المساعدات واستمرارها، مضيفا أن فشل إسرائيل في فصل الشعب الفلسطيني عن حماس “سينشئ مزيدا من الإرهاب فحسب”، لكن أوستن دافع عن إسرائيل في مواجهة اتهامات بأنها ترتكب إبادة جماعية في غزة، مضيفا “لا نملك أدلة على ذلك”.
وخلال اتصال في الأسبوع الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هدد الرئيس الأميركي جو بايدن برهن دعم واشنطن لهجوم إسرائيل في غزة باتخاذ الأخيرة خطوات ملموسة لحماية موظفي الإغاثة والمدنيين.
وكانت تلك أول مرة يسعى فيها بايدن المنتمي إلى الحزب الديمقراطي والمؤيد القوي لإسرائيل، إلى استغلال الدعم الأميركي في التأثير في سلوك الجيش الإسرائيلي، بينما يتعرض لضغوط هائلة من حزبه لبذل المزيد للتصدي للكارثة الإنسانية التي تحل بالمدنيين الفلسطينيين جراء الهجمات الإسرائيلية.
ووقعت النائبة نانسي بيلوسي وهي رئيسة مجلس النواب السابقة وحليفة رئيسية لبايدن، على خطاب من عشرات النواب الديمقراطيين يوم الجمعة يحث فيها على وقف نقل أسلحة إلى إسرائيل.
وقالت أمينة محمد في مؤتمر صحافي “ما يقلقني بشدة أننا فقدنا بوصلتنا الأخلاقية في ما يتعلق بغزة، سواء كإنسانية أو كمجتمع دولي”.
وأضافت نائبة أنطونيو غوتيريش الذي لا ينفك يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار “علينا أن نفعل شيئا وبسرعة. آلاف الأطفال ما زالوا يموتون أو يعيشون مبتوري الأطراف. وهناك مئات ممن ينتظرون العودة إلى منازلهم، الرهائن”.
وتشن إسرائيل حملة عسكرية مكثفة ومدمرة على قطاع غزة أسفرت عن مقتل 33360 شخصا معظمهم من النساء والأطفال وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
رائحة الموت في كل مكان
وحضرت الممرضة الفلسطينية مها سويلم إلى موقع مستشفى الشفاء المدمّر في شمال غزة وهي تأمل، بل تخشى، تلقي أنباء عن زوجها الذي تقول إنه كان طبيبا في المنشأة.
ووصلت فرق تابعة لمنظمة الصحة العالمية الاثنين إلى ما كان في الماضي أكبر مجمع استشفائي في غزة للمساعدة في التعرّف على جثث متناثرة بين الركام.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه خاض معارك عنيفة مع مقاتلين فلسطينيين في الموقع مدى أسبوعين في الشهر الماضي وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن مرضى حوصروا من جراء الاشتباكات.
وقالت سويلم إنها لم ترَ زوجها عبدالعزيز كالي منذ أن اعتقله الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم. ولا تعلم ما إذا هو حي أو ميت.
وروت الممرضة كيف حاصر الجيش الإسرائيلي سريعا المستشفى الشهر الماضي ومن ثم استخدم مكبرات الصوت لإبلاغ “الجميع بوجوب الاستسلام” وبأن “اللعبة انتهت”، وكيف عمد بعد ذلك لإطلاق النار على كل المداخل لمنع إي حركة.
وقالت “قضيت أربعة أيام هناك مع ابنتي الصغيرتين من دون أكل أو شرب. بكتا من الجوع. عندما اعتقلوا زوجي كان قد مر علينا ثلاثة أيام بلا أكل”.
ولطالما اتّهم الجيش الإسرائيلي حماس ومقاتلين فلسطينيين باستخدام المستشفيات وسواها من المنشآت الطبية مخابئ ومراكز قيادة، والمرضى دروعا بشرية.
وقال مدير مركز الطوارئ في غزة معتصم صلاح إن المشاهد الاثنين في المركز الطبي “لا يمكن تحمّلها”، مضيفا “رائحة الموت في كل مكان” مع تواصل أعمال الحفر بين الركام في الموقع وانتشال العمّال جثثا متحلّلة من بين الرمال والأنقاض.
وقال صلاح إن غزة ليس لديها ما تحتاج إليه من خبراء الطب الشرعي للمساعدة في التعرّف على الجثث أو تبيان ما الذي حل بها، مشيرا إلى الاعتماد على “خبرة وفد منظمة الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”. وقال إنهم يحاولون “التعرّف على الجثث المتحلّلة والأشلاء ممزقة بالكامل” من المحفظات والوثائق.
وقال أمجد عليوة رئيس قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء إن في الموقع أهالي “يسعون لكشف مصير أبنائهم ومعرفة ما إذا كانوا شهداء أو مفقودين أو ما إذا نزحوا إلى الجنوب”، مضيفا أن هؤلاء يريدون التعرّف “على أبنائهم لدفنهم بطريقة مناسبة، لكننا نفتقر إلى المعدات والأجهزة اللازمة لهذا العمل والوقت ليس في صالحنا. علينا إنجاز العمل قبل تحلّل الجثث”.
قال صلاح إن الأثر النفسي لهذه العملية على العائلات لا يحتمل، وذلك في تسجيل فيديو لمنظمة الصحة العالمية، مضيفا “رؤية هذه العائلات أبناءها جثثا متحلّلة وأجسادهم ممزّقة بالكامل هو مشهد لا يمكن وصفه. لا توجد أي عبارة يمكن أن تصف هذا المشهد”.
وسار بعض الأهالي في موقع وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه “مقابر ضحلة” قرب قسم الطوارئ المدمّر والمباني الإدارية وتلك المخصصة للعمليات الجراحية.
وجاء في بيان للمنظمة عقب زيارتها الأولى للموقع الجمعة أن “جثثا كثيرة مدفونة جزئيا مع أطراف ما زالت مرئية”، مشددة على أن “صون الكرامة حتى في الموت هو عمل إنساني لا غنى عنه”.