كريتر نت – متابعات
التعاطف الشعبي في سلطنة عمان مع سكان قطاع غزّة في الحرب الإسرائيلية ضدّهم بدأ يختلط بالدعاية لحركة حماس، وللفكر الجهادي على وجه العموم، الأمر الذي جعل جهات رافضة لذلك الفكر تطلق تحذيراتها من التساهل الرسمي إزاء الظاهرة، بما من شأنه أن يحوّل المنابر الدينية في السلطنة إلى بوابة لتسرّب الدعاوى الإخوانية والجهادية إلى عقول الشباب الذين يشكلون غالبية سكان البلاد.
ويحذّر نشطاء سياسيون وقادة رأي عمانيون من انزلاق حالة التعاطف الشعبي مع سكان قطاع غزّة والتأييد لحركة حماس الفلسطينية في حربها ضدّ إسرائيل، باتّجاه التحوّل إلى نزوع نحو تبنّي الفكر الاخواني والجهادي وغرسهما في عقول الشباب الذين يمثّلون الغالبية العظمى من المجتمع. وجاءت التحذيرات بسبب ما يعتبره أصحابها استهانة السلطات بهذا التوجّه غير المعهود في السلطنة وتساهلها مع انخراط جهات رسمية فيه.
وكثيرا ما تتم الإشارة في هذا السياق إلى مفتي السلطنة أحمد الخليلي الذي ذهب به حماسه للتعاطف مع غزّة في الحرب الدموية التي تشنّها إسرائيل على سكانّها حدّ الخروج في مواقفه عن الخطّ الرسمي للدولة الذي يفترض أنّه أحد الساهرين على الالتزام به من موقع وظيفته السامية في الحكومة. ويتبع مكتب الإفتاء في عُمان لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي من مهامّها الإشراف على المساجد وتوجيه عملية الوعظ والإرشاد ومراقبة المصنفات والمطبوعات الدينية.
لكن هذا الدور الرقابي للوزارة تراجع مؤخّرا ما جعل بعض مساجد السلطنة تخرج من مجرّد إظهار الدعم لسكّان القطاع من منطلق ديني إلى فتح باب الدعاية لحركة حماس التي نحا خطابها منحى جهاديا واضحا تبعا للظرف القائم في غزّة وعموم فلسطين.
تساؤلات عن مبرّرات تواصل المساندة للحوثيين بعد تضرر الموانئ العمانية بتصعيدهم في البحر الأحمر
وأظهرت لقطات فيديو متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي مجاميع من المصلين في بعض المساجد العمانية وهم يصغون في خشوع للبيانات العسكرية لـ”أبوعبيدة” الناطق الرسمي لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، كما لو أنّها خطب دينية.
لكنّ ظهور المفتي الخليلي في أحد تلك الأشرطة هو ما مثّل الاستثناء وفجّر موجة واسعة من الجدل بعد أن تجرّأ نشطاء على مواقع التواصل على نقده، من منطلق أن عليه مراقبة تصرّفاته وضبطها بشكل جيد نظرا لخطورة دوره في المجتمع تبعا لمكانته الدينية التي تتيح له التأثير في عقول الناس لاسيما فئة اليافعين منهم.
ويخشى منتقدو ظاهرة الخلط بين التعاطف المشروع مع الفلسطينيين وفتح باب الدعاية لحركة حماس أن تتحوّل المنابر الدينية في عمان إلى منفذ تتسلّل منه جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها الحركة، إلى السلطنة، خصوصا وأنّ للجماعة سوابق كثيرة في محاولات التسلل إلى المجتمعات الخليجية فشلت في أغلبها نتيجة لقوّة الدولة واستقرارها.
ووجّه أحد النشطاء البارزين على منصّة إكس نقده المباشر للمفتي، قائلا عبر منشور له على المنصّة “مع كل الاحترام والتقدير للإخوة الحضور وعلى رأسهم سماحة العلامّة شيخنا المفتي حفظه الله، إلاّ أن التحلّق حول المذياع والاستماع بصمت وخشوع كما يظهر في المشهد مع الإضاءة الخافتة، والخطبة الجهادية الحماسية التي يلقيها أبوعبيدة من نفق مجهول تذكّرني بمشهد تراجيدي آخر لايزال عالقا في الذاكرة لغزوة مشابهه في الزمان الأول كان الأخ المجاهد هو الآخر يلقي خطبته الجهادية من مكان مجهول، يهدد الكفار بالويل والثبور وعظائم الأمور والمجاهدون يتحلقون حول الإذاعات السمعية في الكهوف يدعون له بالنصر والتمكين”.
ولمّح ذات الناشط إلى إمكانية تحوّل الاستماع لـ”أبوعبيدة” في المساجد إلى ظاهرة في سلطنة عمان بالقول “يزداد مشهدنا هنا إثارة وجلالا حينما يتزامن مع تجمع آخر أمام جامع السلطان قابوس الأكبر، مع الاستماع لنفس الخطبة وفي نفس التوقيت”، مختتما تدوينته بالتعليق “مشهد ما كان حتى للمخرج العالمي مصطفى العقاد أن يتخيله”.
وفي انعكاس لشعبية الخليلي وقوة تأثيره في مجتمع السلطنة انهالت الردود العنيفة على التدوينة آنفة الذكر مستهدفة بشكل أساسي صاحبها بعيدا عن أن نقاش لمحتواها. ولم تكن هذه هي المرّة الأولى التي يثير فيها أحمد الخليلي الجدل بسبب مواقفه المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزّة وتداعياتها في المنطقة.
وأظهر مفتي عمان في وقت سابق تأييده لجماعة الحوثي في تهديدها لحركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن. ورحّب بقيام الجماعة باحتجاز سفينة شحن عن طريق منشور له على موقعه في منصّة إكس قال فيه “نشكر من أعماق قلوبنا وخالص طوايانا الشعب اليمني العربي الأصيل المسلم الشقيق على خطواته الإيجابية في تصديه للسفن الصهيونية، فقد قال وصدق ووعد فوفّى فلله درّه”. كما دعا في ذات المنشور “الشعب اليمني الشقيق كلّه إلى الالتفاف حول هذا المبدأ الديني العظيم في مناصرة المظلومين والمضطهدين من أشقائنا”.
ولم يسلم موقف الخليلي آنذاك من نقد بسبب تبريره أفعال الحوثيين الذين يُنظر إليهم في اليمن وجواره الإقليمي باعتبارهم مجرّد وكلاء لإيران ومثيرين للتوترات ومهدّدين لاستقرار دول المنطقة ومصالح شعوبها. وعاد ذلك النقد ليظهر مجدّدا عندما أعلنت سلطنة عمان مؤخّرا أن أضرار حالة التوتّر التي تسبّب بها الحوثيون في الممر البحري الحيوي لبلدان المنطقة والعالم، طالتها بشكل مباشر.
ومؤخّرا قال وزير النقل العماني سعيد المعولي إنّ أحداث البحر الأحمر أثّرت بنسبة ثلاثين في المئة في حركة الشحن عبر الموانئ العمانية مشيرا إلى أن كثيرا من السفن اختارت المرور عبر رأس الرجاء الصالح وابتعدت عن ميناء صلالة.
وعلى الفور تساءل أحد الناشطين على منصّة إكس بعد “تأثر الموانئ العمانية بسبب أعمال الحوثي الإرهابية في البحر الأحمر، هل لايزال هناك من العمانيين من يشجع ويصفق للحوثي؟”. ويحمل الكثير من العمانيين على محمل الجدّ إمكانية تأثر الشباب العماني بالدعاية الإخوانية والجهادية أسوة ببعض رجال الدين، ويقولون إن علامات ظهرت بالفعل على ذلك التأثر.
ويذكّر هؤلاء بحادثة جرت قبل أشهر ووثقتها صور ولقطات فيديو تم ترويجها عبر شبكة الأنترنت وأظهرت طلاب مدرسة عمانية وهم بصدد تقليد مقاتلي حزب الله اللبناني بشدّ أربطة خضراء على رؤوسهم وحمل مجسمات من البلاستيك لرشاشات على مرأى أشخاص يعتقد أنّهم مدرسون أو إداريون بالمؤسسة التعليمية التي التقطت فيها تلك المشاهد.
واعتبر مراقبون أنّ ما أقدم عليه هؤلاء الطلاب يعتبر نتيجة مباشرة للحالة العاطفية التي أشاعتها في السلطنة والمنطقة الأحداث الدامية في غزّة وفظاعة ما تعرّض له سكانها على يد الجيش الإسرائيلي، مع ما ترافق مع تلك الأحداث من تغطية إعلامية كثيفة أُطلق خلالها العنان للإعلاميين والمحللين للتعبير عن أكثر الأفكار “ثورية” حتى في الدول المعروفة بصرامتها الشديدة إزاء الإعلام والإعلاميين مثل سلطنة عمان.