كريتر نت – متابعات
“لقد تغير العالم.. لكن مؤسساتنا لم تفعل ذلك”.. كلمات أكد بها أنطونيو غوتيريش، مطالب المجتمع الدولي بالتغيير في الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن. ورغم أن الجميع يتفق تقريبا على الحاجة إلى التغيير، إلا أن هناك اتفاقا ضئيلا حول ما يجب القيام به، كما توجد عقبات لا يمكن التغلب عليها تقريبا لفعل أي شيء.
وطرحت عدد لا يحصى من المقترحات داخل منظمة الأمم المتحدة لإصلاح مجلس الأمن الذي كان هدفا للعديد من الانتقادات على امتداد أكثر من عقدين، ولكن دون إحراز أي تقدم يُذكر. وذكّر رئيس الجمعية العامة دينيس فرانسيس المندوبين خلال المناقشة السنوية للجمعية العامة، أن المعاناة ستتواصل دون إصلاح الهيكلي لأداء المجلس وشرعيته.
وقال فرانسيس “يستمر انتشار العنف والحرب في جميع أنحاء العالم، بينما تبدو الأمم المتحدة مشلولة بسبب الانقسامات في مجلس الأمن”. وأشار أن المجلس “يقصر بشكل خطير” في ولايته، باعتباره الوصي الرئيسي على الحفاظ على السلم والأمن الدوليين مع تغير العالم بسرعة.
ويروج في الأثناء نموذج جديد مقترح للإصلاحات، أطلقته مجموعة الأربعة (البرازيل وألمانيا والهند واليابان). وليس من المستغرب، أن تكون البلدان الأربعة متنافسة منذ فترة طويلة على المقاعد الدائمة التي ظلّت امتيازا لخمس دول (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا) منذ إنشاء المنظمة الدولية قبل 79 عاما. وتدعو مجموعة الأربعة إلى إلحاق ستة أعضاء دائمين آخرين.
وستقدم الدول الأعضاء المهتمة المستعدة لتولي مهام ومسؤوليات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ترشيحاتها كتابة إلى رئيس الجمعية العامة في حالة إمكانية التوسيع، وعند اتخاذ قرار إطاري شامل بشأن إصلاح مجلس الأمن. وستشرع حينها الجمعية العامة في انتخاب ستة أعضاء دائمين جدد، بتصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة في اقتراع سري. وسيطبق نظام الجمعية العامة الداخلي على انتخاب الأعضاء الدائمين الجدد.
وينبغي أن تنطبق معايير المادة 23 (1) أيضا على الأعضاء الدائمين الجدد. وهي تقول “يراعى بوجه خاص وقبل كل شيء مساهمة أعضاء الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدولي وفي مقاصد الهيئة الأخرى، كما يراعى أيضا التوزيع الجغرافي العادل”. وسيرتفع عدد الأعضاء غير الدائمين الذين تبلغ مدة عضويتهم سنتين، ويبلغ عددهم حاليا 10، إلى ما مجموعه 15/14 مقعدا. وستتبع عملية انتخاب الأعضاء غير الدائمين القواعد الحالية.
◙ مجلس الأمن الدولي غير فعال وغير عادل ويتطلب إصلاحا، بما في ذلك توسيع العضوية وتقييد حق النقض
وتقترح مجموعة الأربعة أن يُنتخب الأعضاء الدائمون الستة الجدد في مجلس الأمن بما يضمن صعود اثنتين من الدول الأفريقية الأعضاء، واثنتين من الدول الأعضاء في آسيا والمحيط الهادئ، وعضو من دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وعضو واحد من دول أوروبا الغربية ودول أعضاء أخرى. وينتخب الأعضاء غير الدائمين الأربعة/الخمسة الجدد في مجلس الأمن بما يضمن صعود واحدة أو إثنين من الدول الأعضاء الأفريقية، وواحدة من الدول الأعضاء في آسيا والمحيط الهادئ، وواحدة من الدول الأعضاء في أوروبا الشرقية، وواحدة من الدول الأعضاء في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
ويتوجب على الدول الأعضاء أن تولي الاعتبار الواجب للتمثيل الكافي والمستمر للأطراف الصغيرة ومتوسطة الحجم، أثناء ترشيح وانتخاب الأعضاء غير الدائمين. ويعني هذا الدول الجزرية الصغيرة النامية. وقال أندرياس بوميل، الرئيس التنفيذي لمؤسسة ديمقراطية بلا حدود، لخدمة إنتر برس إن أي إعادة تشكيل لمجلس الأمن يجب أن تتماشى مع المادة 108 من الميثاق، مما يعني أنها تتطلب دعم ثلثي أعضاء الأمم المتحدة والأعضاء الخمسة الدائمين.
وأضاف “نظرا إلى حقيقة كون إصلاح مجلس الأمن محل نقاش منذ عقود، أعتقد أنه من المشروع السعي إلى إجراء مثل هذا التصويت. أما وجاهته على المستوى السياسي فتلك مسألة أخرى”. وقال إن مجموعة الأربعة ليست على استعداد لتقديم تنازلات، و”إذا تمكنت من حشد أغلبية الثلثين والأعضاء الخمسة الدائمين، فسيكون ذلك مقبولا. ولكن إذا لم تنجح هذه المساعي، فستكون نهاية اللعبة بالنسبة لهم. لا أستطيع أن أرى كيفية التوصل إلى اتفاق واسع دون إدخال مفاهيم جديدة تتجاوز المقاعد الدائمة وغير الدائمة التي نعرفها اليوم”.
وأرى في المقاعد القابلة لإعادة الانتخاب بالتناوب بين أعضاء مناطق معينة نهجا جيدا. وستجعل المقاعد الدائمة الجديدة المتمتعة بحق النقض مجلس الأمن غير عملي بدرجة أكبر. ويجب أن يكون هذا الخيار خارج الطاولة، حيث أكّد بوميل أن تأخير القرار لمدة خمسة عشر عاما لا يمثل حلا. وفيما يتعلق بمسألة حق النقض، تؤكد مجموعة الأربعة وجوب دعوة الدول الأعضاء لمواصلة المناقشات حول استخدام حق النقض في ظروف معينة.
وسيتّبع الأعضاء الدائمين الجدد نفس المسؤوليات والالتزامات التي يتحملها الأعضاء الدائمون الحاليون. لكن الأعضاء الدائمين الجدد لن يستطيعوا ممارسة حق النقض، إلا بعد اتخاذ قرار بشأن المسألة خلال مراجعة بعد خمسة عشر عاما من بدء نفاذ الإصلاح. وتعكس التعديلات المدخلة على الميثاق حقيقة أن توسيع نطاق حق النقض للأعضاء الدائمين الجدد سيتقرر في إطار المراجعة.
ضاليف دين: الرغبة في إصلاح مجلس الأمن تعدّ مفهومة ومعقولة على حد سواء
وسيُشجع مجلس الأمن الموسع على إجراء مشاورات منتظمة مع رئيس الجمعية العامة، وتقديم تقييم تحليلي وشامل لعمل المجلس في التقرير السنوي للجمعية العامة، وتقديم تقارير خاصة إلى الجمعية العامة وفقا للمادتين 15 (1) و24 (3) من الميثاق، وتحسين مشاركة رئيس لجنة بناء السلام ورؤساء تشكيلاتها القطرية في المناقشات ذات الصلة وفي المناقشات غير الرسمية بالشكل المناسب.
وصرّحت باربرا آدامز، كبيرة محللي السياسات في منتدى السياسة العالمية، لخدمة إنتر برس “من المؤكد أن الدول الإحدى عشرة التي ستمتع بحق النقض لن تتمكن من تصحيح عجز الدول الخمس أو الدول الإحدى عشرة عن وضع مسؤوليتها القانونية عن السلام والأمن الدوليين فوق مصالحها الأمنية الوطنية”. وأشارت إلى أن اقتراح مجموعة الأربعة بوقف استخدام حق النقض لمدة 15 عاما يعترف بالتوتر بين زيادة عدد الأعضاء الدائمين وهذه الميزة.
وقالت، فيما يتعلق باقتراح مقاعد للدول النامية ودول المناطق الأخرى، إنه لا ينبغي تبريرها بمفهوم التمثيل الإقليمي. وأضافت “يتجاوز امتياز الدوام في مجلس الأمن حق النقض ويصل إلى أجزاء كثيرة من منظومة الأمم المتحدة بطرق رسمية وغير رسمية، مثل المعاملة التفضيلية للمناصب العليا في المنظمة”.
وصرّح الأخصائي الديموغرافي جوزيف شامي، المديرالسابق لقسم السكان بالأمم المتحدة، لخدمة إنتر برس، أن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليس اقتراحا جديدا، بل كان موجودا منذ عقود. وأشار إلى أن التقدم نحو التمثيل العادل والشمولية والشرعية كان ضئيلا، رغم اللجان والمناقشات والدعوات التي وجهها العديد من الدول الأعضاء لإصلاح المجلس.
وأكّد أن أعدادا متزايدة من الحكومات والشعوب ترى أن المجلس غير فعال وغير عادل ويتطلب إصلاحا، بما في ذلك بتوسيع العضوية وتقييد حق النقض. وقال إن المجلس لا يزال يضم نفس الأعضاء الخمسة الدائمين، بينما حدثت تغيرات هائلة في العالم على مدى العقود الثمانية الماضية. وذكر شامي أن الأعضاء الخمسة الدائمين “كانوا يمثلون عند إنشاء المجلس حوالي 35 في المئة من سكان العالم. وهم اليوم يمثلون 25 في المئة. ومن المتوقع أن يمثلوا 20 في المئة من سكان العالم بحلول منتصف القرن”.
ويرى الباحث ضاليف دين أن الرغبة في إصلاح مجلس الأمن تعدّ مفهومة ومعقولة على حد سواء، ويتوجب إجراء الإصلاح دون مزيد من التأخير رغم التحديات الجيوسياسية.