كريتر نت – متابعات
يجادل محللون أن سحق حماس ليس نهاية اللعبة في غزة وإنما الجزء الأهم ما بعد ذلك، إذ إن إسرائيل ستجد نفسها أمام تحديات معقدة. ويرى المحللون أن الموازنة بين الجهد العسكري والدبلوماسي ضرورية إذا ما أرادت تل أبيب الحفاظ على أمنها القومي.
ويرى مراقبون أن هزيمة حماس قد تؤدي من الناحية النظرية إلى إزالة أغلب التهديدات الأمنية بالنسبة لإسرائيل، إلا أن أمنها القومي سوف يظل على المحك، وخاصة إذا لم يتعامل صناع القرار الإسرائيليون مع هذه القضية بشكل إستراتيجي.
ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط آدم تيم في تقرير نشرته مودرن بوليسي إن سقوط حماس لن يضمن أبدا الأمن القومي الإسرائيلي ما لم تكن هناك خطط إستراتيجية أمنية مدروسة جيدا.
ويضيف تيم “ومن ثم يمكن القول إن إسرائيل ستحتاج إلى التعامل مع التهديدات المختلفة التي قد تكون أكثر خطورة من تلك التي تشكلها حماس والجماعات الإرهابية الأخرى”.
وستواجه إسرائيل تحديا كبيرا في إدارة عملية إعادة النازحين الفلسطينيين الذين فروا من الشمال إلى الجنوب في أعقاب الصراع الذي وقع بعد السابع من أكتوبر.
و بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الصعب تفسير الوجود الإسرائيلي، وخاصة للفلسطينيين الذين فقدوا أقاربهم بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على بلداتهم. ولذلك، تحتاج إسرائيل إلى مواجهة التحديات المرتبطة بالتدفق المحتمل للاجئين، وضمان اتباع نهج منسق وإنساني لإدارة أزمة اللاجئين.
عاموس يدلين: لتكن غزة كالصومال، فلن يكون هناك أسوأ من 7 أكتوبر
وأدى فراغ السلطة بشكل كبير إلى ظهور فصائل جديدة وجماعات متطرفة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك فراغ السلطة في غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية في عام 2005، مما سمح لمختلف الفصائل، بما في ذلك حماس، بزيادة نفوذها.
وقد ساهم ذلك في تعقيد المشهد السياسي والصراعات المستمرة في غزة. ولذلك، ستحتاج تل أبيب إلى التعاون بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين لضمان الاستقرار في أعقاب ذلك ومنع عودة ظهور تلك الفصائل المسلحة في غزة.
وتختلف التقديرات الإسرائيلية حول ماهية السلطة السياسية التي ستُقام في القطاع بعد القضاء على حركة حماس، فهناك مَن يطرح إعادة قطاع غزة إلى الحكم المصري، بحيث تتولى مصر شؤون قطاع غزة كما كان الأمر قبل احتلالها في يونيو 1967. ويتجاهل دعاة هذا الرأي، كما هو واضح، الموقف المصري الرافض لذلك.
ويقترح أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، قطع أي علاقة بين قطاع غزة وإسرائيل، وتسليم القطاع إلى جامعة الدول العربية بحيث تدير شؤون القطاع وتختار سلطة فيها أو تجري انتخابات في القطاع لاختيار سلطة جديدة فيها، وإذا فازت حماس في الانتخابات فإن على إسرائيل ضرب القطاع مجددا.
وهناك من يطرح فكرة تأسيس نظام سياسي يرتكز على البُنى الحمائلية/العشائرية أو السلطات المحلية في قطاع غزة، وهو نموذج حاولت إسرائيل تطبيقه في الضفة الغربية في أواخر سنوات سبعينات القرن الماضي وفشل. وثمة أيضا اقتراح بوضع غزة تحت وصاية إقليمية ودولية، ودخول قوات أجنبية إلى المنطقة لحفظ الأمن.
في حين أن هناك من يعتقد بأن إنشاء نظام حكم في القطاع ليس شأنا إسرائيليا، إذ إنه يجب على إسرائيل تحقيق أهداف الحرب والانسحاب من القطاع من دون ملء الفراغ السلطوي الذي سوف ينشأ في غزة، وفي هذا الصدد يقول الجنرال المتقاعد عاموس يدلين الذي شغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي من عام 2006 إلى عام 2010 “من ناحيتنا لتكن غزة دولة مع فراغ سلطة، مثل الصومال، فلن يكون هناك أسوأ مما كان في السابع من أكتوبر”.
هزيمة حماس قد تؤدي إلى إزالة أغلب التهديدات الأمنية بالنسبة إلى إسرائيل، إلا أن أمنها سوف يظل على المحك
ويرتبط الأمن القومي الإسرائيلي بشكل معقد بديناميكيات الشرق الأوسط. وبالتالي، مما لا شك فيه أن البلاد ستواجه عددا لا يحصى من التعقيدات مع جيرانها، خاصة بالنظر إلى ردود الفعل المحتملة على تحول السلطة.
وأظهرت الدول العربية موقفا موحدا من الحرب والمطالبة بوقفها، في حين أكدت مصر معارضتها لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، مما يزيد العبء على إسرائيل، إنسانيا وسياسيا، كما أن استمرار الحرب طويلا قد يسهم في تراجع سياسة التطبيع مع الدول العربية، وتوتر العلاقات مع الدول التي لها علاقات مع إسرائيل. كما يتعلق هذا العامل بمدى قبول الدول العربية أن تكون جزءا من المعادلة التي ستحدد مستقبل القطاع بعد احتلاله، من الناحية الأمنية والسياسية، وشروطها لقبول ذلك، والذي قد يتمثل في ضمان الذهاب إلى تسوية لحل الدولتين. ولا شك أن الموقف العربي قد يؤثر في مواقف الدول التي تظهر دعما غير محدود لإسرائيل.
ولذلك، لا بد من تسخير كافة الإمكانات الدبلوماسية والسياسية بشكل فعال لجذب الدعم الدولي وكسب تأييد دول المنطقة لتحقيق المزيد من الإنجازات التي تعزز أمنها الإستراتيجي.
وعلى الرغم من امتلاك إسرائيل لبراعة تكنولوجية هائلة، فإن الأمن القومي يتجاوز الحدود المادية إلى عالم الفضاء الإلكتروني.
تحقيق التوازن بين التدابير الأمنية والمبادرات الدبلوماسية يعتبر أمرا بالغ الأهمية لضمان الاستقرار على المدى الطويل
ولذلك، يجب على إسرائيل أن تزيد من يقظتها ضد التهديدات السيبرانية المحتملة التي قد تنشأ في أعقاب التغيرات الجيوسياسية، والتي تفاقمت بسبب التقدم التكنولوجي الذي لوحظ في إيران، العدو اللدود لإسرائيل في المنطقة. وبالتالي، أصبح تعزيز تدابير الأمن السيبراني لإسرائيل ذا أهمية قصوى، خاصة في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر.
وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجهها إسرائيل، فسوف تكون هناك أيضا فرص لقلب الطاولة لصالحها، وخاصة في ما يتعلق بعملية السلام. وسوف يُنظر إلى سقوط حماس، وإعلان النصر الإسرائيلي، على أنه فرصة ذهبية للإسرائيليين لبدء حوارات بناءة مع الفصائل الفلسطينية المعتدلة، وتعزيز سلام أكثر مرونة واستدامة.
ويعتبر تحقيق التوازن بين التدابير الأمنية والمبادرات الدبلوماسية أمرا بالغ الأهمية لضمان الاستقرار على المدى الطويل.
وتحتاج إسرائيل بشدة إلى إعادة تقييم وتعزيز علاقاتها مع المجتمع الدولي. وهذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الالتزام بالقواعد والأنظمة التي يفرضها النظام الدولي. ولذلك، يجب على إسرائيل الانخراط بنشاط في المجتمع الدولي، وتعزيز التحالفات والمشاركة في المبادرات متعددة الأطراف لتأمين مستقبلها السياسي والأمني والاقتصادي.
ورغم أن هزيمة حماس تحمل في طياتها إمكانية تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي، فإنها في الوقت نفسه تفرض مجموعة معقدة من التحديات.
ويتطلب النجاح في اجتياز العواقب اتباع نهج شامل يدمج اليقظة العسكرية والبراعة الدبلوماسية. ومن خلال معالجة فراغ السلطة، وصياغة عملية سلام مستدامة، وتخفيف مخاطر الأمن السيبراني، وتعزيز التعاون الدولي، تستطيع إسرائيل العمل بنشاط نحو تحقيق مستقبل أكثر أمنا واستقرارا في حقبة ما بعد حماس.