كريتر نت – متابعات
يعتبر الوصول إلى سعر موحد لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفق خبراء، أكبر التحديات التي تواجهها الحكومات لدفع الشركات والأفراد إلى التوجه نحو خيارات أقل تلويثا للبيئة، خاصة أن العالم يتورط أكثر فأكثر كلما تأخرت الدول في تحقيق ذلك.
وتشكل الإعانات الخضراء أسلوبا يساعد على مكافحة تغير المناخ، لكنها تصطدم بعراقيل لكونها غير مستدامة من الناحية المالية.
وحتى القواعد التنظيمية التي تحظر الأنشطة التي تسهم في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مفيدة، إلا أنها قد تكون غير مجدية من الناحية السياسية.
ويقول الخبراء “رغم كل ذلك فإن عدم القيام بأي شيء أمر لا يمكن الدفاع عنه من الناحية البيئية، ويكبد تكاليف اقتصادية باهظة”.
وبالرغم من أن ضرائب الكربون مثيرة للجدل سياسيا فإن بعض الدول تسير في هذا النهج، وكلما زاد عدد الحكومات التي تستخدمها زادت الأموال المتاحة لها لتخفيف ردود الفعل الشعبية المتزايدة ضد السياسات الخضراء الضرورية.
ويمكن للحكومات، على سبيل المثال، تقديم الأموال نقدا لأفراد المجتمع الأكثر ضعفا بهدف تخفيف وطأة التحول إلى اقتصاد خال من الكربون.
وثمة إجماع بين الخبراء على أنه لا توجد عملية تحول نظيف غير مُكلفة، بالرغم من أن بعض مصادر الطاقة الخضراء، مثل الطاقة الشمسية والرياح، هي بالفعل أرخص بدائل الوقود الأحفوري.
هوغو ديكسون: يجب دعم التكنولوجيات البديلة حتى تصبح مجدية
ولكن هذا يرجع جزئيا إلى أن الحكومات دعمتها في مهدها خاصة وأن التقنيات الأخرى، مثل الهيدروجين الأخضر واحتجاز الكربون، لا تزال غير فعّالة بما فيه الكفاية.
وعلاوة على ذلك ينطوي طرح التقنيات الجديدة على تكاليف أولية ضخمة. ويحتاج الاستثمار في الطاقة النظيفة إلى مضاعفته ثلاثة أضعاف ليصل إلى 4 تريليونات دولار سنويا بحلول 2030 إذا أراد العالم أن يحقق أهدافه المناخية، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
وفي حين أن القطاع الخاص سيمول حصة الأسد من هذه الأموال، فإن الحكومات تحتاج إلى توفير الحوافز اللازمة لتدفق الأموال.
وكانت الإعانات أداة مفضلة لتقديم الحوافز، ومن الأمثلة على ذلك قانون خفض التضخم الذي أقره الرئيس الأميركي جو بايدن بقيمة 430 مليار دولار.
وبينما قدمت الصين إعانات الدعم لصناعة الألواح الشمسية، وعد الاتحاد الأوروبي بخطة صناعية للصفقة الخضراء، مع إعفاءات ضريبية وإعانات.
ويرى هوغو ديكسون، الكاتب والصحافي البريطاني، أنه ثمة حجة قوية لدعم البحوث في مجال التكنولوجيات الجديدة، لأن الشركات لولا ذلك لما فعلت إلا أقل القليل، مع العلم أن منافسيها سيستفيدون أيضا.
إضافة إلى ذلك هناك مبررات لتقديم المساعدات من أجل طرح التكنولوجيات في مراحلها المبكرة حتى تصبح مجدية اقتصاديا بسرعة أكبر.
أغلب الاقتصاديين يفضلون فرض الضرائب على الكربون لأن تحديد سعر للانبعاثات من شأنه أن يجبر الشركات والأسر على الدفع إذا تسببت في تلويث الكوكب
ووفقا لهوغو فإن إعانات الدعم قد تكون غير فعّالة إذا دعمت الابتكارات التي لا تنجح أو إذا انتهى به الحال إلى شركات وأفراد لا يحتاجون إليها. كما يمكن للمساعدات أن تشوه المنافسة.
وتشكو الكثير من الحكومات من أن قانون خفض التضخم الأميركي (آي.آر.أي) غير عادل لمنتجيها، والمشكلة الأكبر هي أن قِلة من البلدان قادرة على تحمل الإعانات الضخمة.
ويعود سبب ذلك إلى أن الدين العام العالمي مرتفع ويتزايد في معظم البلدان. والأكثر من ذلك أن أسعار الفائدة لعشر سنوات بلغت الآن 5 في المئة بالسوق الأميركية، وهي أعلى كثيرا في الاقتصادات النامية.
وتحتاج الحكومات أيضا إلى إيجاد المزيد من الأموال لدفع ميزانيات الدفاع الأكبر ورعاية السكان المسنين.
وإذا اعتمدت الدول بشكل أساسي على تدابير الإنفاق وضرائب الكربون المعتدلة لتحقيق الأهداف المناخية المنصوص عليها في اتفاق باريس، فإن نسب ديونها إلى الناتج المحلي الإجمالي ستتضخم.
ويمكن للحكومات أيضا التخلص التدريجي من التقنيات “القذرة” من خلال حظرها، وذلك عبر اللوائح التي تأتي في أشكال مختلفة، فمثلا تستطيع تحديد مواعيد لا يمكن للمستهلكين بعدها شراء سيارات جديدة تعمل بالبنزين أو غلايات تعمل بالغاز.
مايكل جاكوبس: جزء من الحل يكمن في تصدي الحكومات للأكاذيب
ولكن العقبة هي أن اللوائح التي تخبر المستهلكين بما لا يمكنهم فعله تخاطر بإثارة رد فعل عنيف. وهذا صحيح بشكل خاص عندما تكون كلفة المنتجات الجديدة أبهظ من كلفة المنتجات القديمة القذرة.
وأجبر الاستياء العام هذا العام الحكومة الألمانية على تأجيل خطة لطرح المضخات الحرارية، في حين أرجأ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك فرض حظر على بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين لمدة خمس سنوات.
واكتشف المنظرون فرصة لإثارة السخط في حين أن معظم الناخبين في جميع أنحاء العالم يقبلون فكرة أن تغير المناخ يشكل تهديدا خطيرا، بينما الناخبون على يمين الطيف السياسي ليسوا متأكدين من ذلك، وفقا لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث.
ويقول مايكل جاكوبس، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة شيفيلد، لوكالة رويترز “إن جزءا من الحل يكمن في قيام الحكومات بالتصدي للروايات الكاذبة”.
وأضاف “لئن كانت السيارات الكهربائية والمضخات الحرارية تتطلب اليوم وقودا أحفوريا أكثر مما تتطلبه نظيراتها فإن القواعد التي تقضي بالتخلص التدريجي من التكنولوجيات القديمة لا تدخل حيز التنفيذ قبل عدة سنوات”.
وعلاوة على ذلك فإن الهدف الأساسي من تحديد المواعيد النهائية هو خفض التكاليف بحلول الوقت الذي يدخل فيه الحظر حيز التنفيذ، وفق جاكوبس.
وإذا كانت الحكومات غير قادرة على “رشوة الناس” لحملهم على التحول إلى تكنولوجيات أكثر مراعاة للبيئة، وكان الناخبون يرفضون في بعض الأحيان القواعد التنظيمية التي تجبرهم على القيام بذلك، فما هو البديل؟
يفضل أغلب الاقتصاديين فرض الضرائب على الكربون لأن تحديد سعر للانبعاثات من شأنه أن يجبر الشركات والأسر على الدفع إذا تسببت في تلويث الكوكب.
لتحقيق الأهداف المناخية يجب أن يكون سعر الكربون عند نحو 135 دولارا للطن في الاقتصادات المتقدمة، و45 دولارا للطن في الاقتصادات الناشئة بحلول عام 2030
ويغطي تسعير الكربون الآن ربع الانبعاثات العالمية، وفقا لصندوق النقد الدولي. وهناك نحو 50 دولة لديها شكل ما من أشكال أسعار الكربون، وهو ضعف العدد الذي كانت عليه قبل عشر سنوات، وتخطط 23 دولة أخرى لطرح هذا النوع من الأسعار.
ودعت قمة المناخ الأفريقية الأولى من نوعها في القارة الشهر الماضي إلى فرض ضريبة عالمية على الكربون.
والعقبة هنا هي أن سعر الكربون في الصين منخفض والولايات المتحدة ليست لديها ضريبة فيدرالية. وهذان البلدان هما أكبر مصْدرين لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.
في المقابل يعتبر الاتحاد الأوروبي الكتلة الاقتصادية المهمة الوحيدة التي تحدد سعرا مرتفعا للكربون يبلغ حاليا نحو 86 يورو (91 دولارا) للطن.
وإحدى فوائد ضريبة الكربون هي أنها تولد إيرادات يمكن للحكومات إعادة توزيعها. وترى بعض الهيئات، مثل مجلس قيادة المناخ في الولايات المتحدة، أن جميع الأموال التي تم جمعها يجب أن تُعاد إلى المواطنين في شكل أرباح كربونية.
ووضع صندوق النقد الدولي نموذجا لسيناريو تقوم فيه الحكومات بإعادة 30 في المئة من الأموال التي تجمعها إلى المواطنين.
ولتحقيق الأهداف المناخية يجب أن يكون سعر الكربون عند نحو 135 دولارا للطن في الاقتصادات المتقدمة، و45 دولارا للطن في الاقتصادات الناشئة بحلول عام 2030.
واقترح صندوق النقد خلال قمة المناخ كوب 27 في شرم الشيخ المصرية العام الماضي وضع حدّ لتسعير الكربون في العالم بدلا من الإجراءات الأحادية التي لن تكون كافية لمواجهة تغيّر المناخ.
ويعتقد ديكسون أن المزج بين هذه السياسات هو أفضل ما يستطيع العالم تحقيقه، وربما تدفع الحقائق المالية والسياسية الحكومات في هذا الاتجاه، شاءت ذلك أم أبت.