كريتر نت – متابعات
اتجهت أنظار قطاع صناعة الطاقة حول العالم إلى أبوظبي، التي تحتضن أكبر تجمع نفطي في الشرق الأوسط باعتباره منصة مثالية لاستكشاف فرص التحول النظيف في استثمارات الطاقة كونها الحل المنسجم مع الدعوات المتزايدة إلى الحفاظ على البيئة.
وطغت النقاشات بشأن تطوير الطاقة المستدامة وحماية المناخ على اليوم الأول من فعاليات المعرض والمؤتمر الدولي للبترول (أديبك) في نسخة 2023، الذي تستضيفه إمارة أبوظبي، حيث تحتضن سباق شركات صناعة الطاقة حول العالم.
وقفز المناخ وتأثيراته إلى صدارة هذا الحدث السنوي، والذي كان الاستثمار في النفط الخام وإنتاجه وأسواقه من القضايا المهيمنة على مداخلات المسؤولين الحكوميين ورؤساء الشركات والخبراء منذ إطلاقه للمرة الأولى قبل 38 عاما.
وينعقد المؤتمر في دورته التاسعة والثلاثين تحت شعار “إزالة الكربون أسرع معا”، وقبل شهرين فقط على مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28) الذي تستضيفه دبي في وقت لاحق من هذا العام.
وتقع صناعة النفط في قلب سجالات التحول الأخضر بعدما اتسعت رقعة الخلافات طيلة الأشهر الماضية بين نشطاء البيئة وشركات الطاقة التي قلصت طموحاتها تجاه مصادر الطاقة المتجددة، وخصصت حصة أكبر من الإنفاق على النفط والغاز.
كلاوديو ديسكالزي: نحتاج إلى وضع متوازن لأسعار النفط لنواصل أعمالنا
وتتنافس الشركات خلال المؤتمر الذي انطلق الاثنين على استعراض أحدث الحلول والابتكارات والمشاريع، التي تساهم في رسم شكل قطاع الطاقة الخالية من الكربون من وجهة نظرها.
وأكّد رئيس مؤتمر كوب28 سلطان الجابر، وهو وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات أنّ الوقود الأحفوري يلعب دورا رئيسيا في معركة مكافحة تغيّر المناخ.
وتحدّث عن ثلاثة مجالات رئيسية للمساهمة في معركة التغير المناخي هي الحدّ من الانبعاثات وتوسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة، وعملية إزالة الكربون عبر طرق عدة بينها استخدام الهيدروجين واحتجاز الكربون.
وقال “يمكن لهذه الصناعة، بل ويجب عليها، أن تساعد في دفع الحلول”. وأضاف “لفترة طويلة جدا، كان يُنظر إلى هذه الصناعة على أنها جزء من المشكلة، وأنها لا تقوم بما يكفي، بل إنها في بعض الحالات تعيق التقدم”.
ويبدو دور البلد الخليجي كمضيف يضعه أمام معادلة تحقيق توازن صعب، بين مواصلة خططه الطموحة لزيادة إنتاج النفط من ناحية، وحشد البلدان حول خطط عالمية شاملة تهدف إلى مسح البصمة الكربونية من ناحية أخرى.
ويظهر هذا التعارض في القمة، فالآلاف من ممثلي قطاع النفط يشاركون في الحدث، بينما ترتفع فيه الأسعار وتقلّص أوبك الإمدادات، فيما يبلغ الطلب مستويات قياسية، ولكن، كل ذلك يحدث في ظل عملية التحول في قطاع الطاقة، ودور صناعة النفط فيها.
وأكد كلاوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لمجموعة الطاقة الإيطالية إيني، للصحافيين في مؤتمر أديبك أن هناك حاجة إلى وضع متوازن لأسعار النفط.
وقال “نحتاج إلى سعر يسمح لنا بالاستثمار، ونحتاج إلى سعر لا يشق على المستهلكين، وإلا فستقل القدرة على الإنفاق وتتضرر السوق”.
وائل صوان: الخيارات منخفضة الكربون يجب أن تكون قابلة للاستثمار
ولم يبتعد وائل صوان، الرئيس التنفيذي لعملاق الطاقة شل، عن هذا الموقف من خلال تأكيده أن الشركة ليست لديها خطط لتغيير الاتجاه الإستراتيجي لها.
وقال “في نهاية المطاف، يحتاج المساهمون إلى اتخاذ قرار حول ما إذا كانت خيارات الطاقة منخفضة الكربون التي نطرحها أمامهم قابلة للاستثمار، ونحتاج نحن إلى أن نكون قادرين على تغطية تكلفة رأس المال لدينا وتحقيق عائد لمساهمينا”.
ويقول محللون إن السعي الحثيث لتأمين احتياجات الطاقة عالميا وسط استمرار حرب روسيا في أوكرانيا، عزز من ثقة عمالقة الطاقة لاستكمال مشاريعهم.
وعلى الرغم من أن حضورهم المؤتمرات المناخية الأخيرة يظهر أنهم أكثر ارتياحا من ذي قبل إزاء الحديث عن التحول إلى الطاقة النظيفة، فإن أفكارهم للحد من الانبعاثات وعلى الأخص، احتجاز الكربون وتخزينه لا تشمل بالضرورة خفض الإنتاج.
ولذلك فإن هناك قلقا من أن هؤلاء المديرين التنفيذيين يشاركون في تجمعات المناخ فعليا للدفع بجدول أعمالهم، وهو ما يصل إلى حد “اختطاف” هذه التجمعات.
واعتبر باتريك بويانيه، الرئيس التنفيذي لمجموعة توتال إنرجيز الفرنسية للطاقة، أن المستهلكين ينبغي أن يدركوا أن التحول في مجال الطاقة ستكون له تكلفة، ويجب على الحكومات إيجاد طريقة لجعل هذه الزيادة في التكلفة تدريجية.
وقال خلال المؤتمر إن “هذا التحول يعني أن المستهلكين سيتحملون تكلفة أكبر مقابل الحصول على الطاقة”. وأضاف “نعتقد اعتقادا راسخا أن أسعار الكهرباء سترتفع في المستقبل”.
باتريك بويانيه: على المستهلكين إدراك أن تحول الطاقة ستكون له تكلفة
ولم يكن هذا المؤتمر أول منتدى نفطي يكون فيه التحول في مجال الطاقة محورا رئيسيا، ففي مؤتمر البترول العالمي في كالغاري بكندا الشهر الماضي، عبّر رئيسا أرامكو السعودية وإكسون موبيل عن دعمهما للتحول الأخضر مع جعل الخام مساهما فيه.
ويعتقد رئيس أرامكو أمين الناصر أن رواية التحول الحالي في مجال الطاقة تستند إلى افتراضات وسيناريوهات “غير واقعية”، وأن من المهم مواصلة الاستثمار في النفط والغاز لضمان أمن الطاقة على مستوى العالم والانتقال إلى مصادر أنظف للطاقة بأسعار ميسرة.
وقال حينها “نحن بحاجة إلى الاستثمار وإلا سنواجه أزمة أخرى تتراوح من المدى المتوسط إلى الطويل وسنعود إلى الوراء في ما يتعلق باستخدام المزيد والمزيد من الفحم والمنتجات الرخيصة الأخرى المتاحة في الوقت الراهن”.
وفي أكتوبر 2021، حدّدت أرامكو، وهي أكبر منتج للطاقة في العالم، هدفا للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050 ولكن فقط للانبعاثات من عمليّاتها الخاصة.
لكن ذلك ترافق أيضا مع إعلانها أنّها تخطّط لزيادة طاقتها الإنتاجية اليومية إلى 13 مليون برميل يوميا من 12 مليونا بحلول عام 2027.
ولم يكن دارين وودز، الرئيس التنفيذي لإكسون موبيل، بعيدا عن موقف الناصر فقد قال خلال مؤتمر كالغاري إنه “سيكون من الصعب استبدال نظام الطاقة الحالي لأن النفط والغاز متاحان على نطاق واسع”، مضيفا أن “التحول سيستغرق وقتا”.
وأضاف “يبدو أن هناك أحلاما تراود البعض بالانتقال مما نحن فيه اليوم إلى ما سنكون عليه غدا بمجرد ضغطة زر”.
وزاد “بغض النظر عن مستقبل الطلب، فإنه إذا لم نحافظ على مستوى معين من الاستثمار، فسينتهي الأمر إلى نقص في المعروض مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار”.
وأكد وودز أن أوجه القصور في خطط التحوّل الراهنة تسبب ارتباكا جماعيا للصناعات التي تنتج أو تعتمد على الطاقة، الأمر الذي يجعل المستقبل بالنسبة للمستثمرين غامضا.