كريتر نت – متابعات
فاجأت دعوةُ رئيسِ حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، الأربعاء، الجيشَ إلى التدخل والمشاركة في إدارة العملية الانتخابية لضمان إجرائها بشكل نزيه وتجنب هندستها مسبقًا، الشارعَ المصري، في حين يبدو أن الأمور تتجه نحو المزيد من التسخين.
وأعلن المرشح الرئاسي المحتمل ورئيس حزب تيار الكرامة السابق أحمد الطنطاوي مساء الثلاثاء تعليق حملته الانتخابية لمدة يومين، اعتراضا على مواجهة مؤيديه مضايقات أمنية عندما حاولوا توثيق التوكيلات اللازمة لترشحه، ولم يتمكنوا إلّا من تحرير توكيلين فقط بعد محاولات مضنية.
وبلغ عدد التوكيلات التي جمعت للرئيس عبدالفتاح السيسي مئات الآلاف في اليومين الأولين من فتح باب الترشح للانتخابات، ومُنح مفوضوه كل التسهيلات الممكنة وتم توفير الراحة التامة لكل من سعى لتفويضه، على عكس من أرادوا ذلك للطنطاوي.
وتشير دعوة السادات وتعليق الطنطاوي حملته إلى رفض الممارسات التي يقوم بها مناصرو السيسي عن عمد، وأن المشهد العام في انتخابات الرئاسة قد يتّخذ منحى منحرفا عن مسار النزاهة والشفافية والمصداقية، ما يتطلب حكمة في التعامل معه.
وذكر القيادي في حزب تيار الكرامة عبدالعزيز الحسيني أن الأجواء المحيطة بالانتخابات تتخللها معوقات في ظل الحديث المتواتر عن التضييق على الراغبين في تحرير التوكيلات الخاصة بشروط الترشح، ووصل إلى حد المنع التام في الكثير من مكاتب الشهر العقاري المسؤولة عن إصدار التوكيلات، وهناك معلومات تشير إلى أن الطنطاوي بإمكانه جمع توكيلاته، حال تمكن مؤيدوه من توثيقها بشكل طبيعي.
دعوة السادات تتضمن الكثير من المدلولات، أبرزها أن المؤسسة العسكرية لا تزال تحتفظ بشعبيتها
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه من الواجب تمكين المرشحين المحتملين من استيفاء الشروط بكل يسر وإجراء انتخابات رئاسية نزيهة تحتوي على معايير الشفافية، سواء أكان ذلك من خلال الجيش أو عبر أي مؤسسة أخرى في الدولة، ومن المهم تقديم التسهيلات للساعين إلى الترشح بما يسهم في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وأن الأمر لا يرتبط بمرشح معيّن، ولا بد أن تتوفر المساواة بين الجميع.
وأكد الحسيني أن الصورة العامة لانتخابات الرئاسة المصرية لا تزال غير واضحة إلى حد الآن، وعلى الرغم من جمع الآلاف من التوكيلات الداعمة لترشح السيسي لم يعلن عن ترشحه ذلك رسميا، وأن الموقف قد يصبح أكثر وضوحًا خلال الأيام المقبلة.
ويعتقد السادات، الذي ينتمي إلى التيار الليبرالي الحر، أن المؤسسة العسكرية يمكن أن تكون الضامن للانتخابات، واستشهد في بيانه بموقفها في أول انتخابات تعددية أجريت عام 2012، أي عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وآنذاك شاركت بفاعلية في إدارتها.
وينطوي استدعاء السادات للجيش كي يشارك في إدارة الانتخابات على رغبة في تحييده وإبعاده عن الالتصاق بالرئيس عبدالفتاح السيسي، كما هو شائع بين المصريين، والحفاظ على الصورة الوطنية المرسومة للجيش كضامن لوحدة الدولة وأمنها واستقرارها والحفاظ على مصالحها والنظام الديمقراطي فيها، وفقا للدستور.
وتضمنت دعوة محمد أنور السادات الكثير من المدلولات، أبرزها أن المؤسسة العسكرية لا تزال تحتفظ بشعبيتها، وكل محاولات تقويضها من قبل المعارضة في الداخل والخارج لم تفلح في هز صورتها، فهي الملاذ الأول للحفاظ على الدولة في المحكات الصعبة، وهي رسالة طمأنة بأن نجاح أي مرشح مدني لن يخل بمصالح الجيش.
ووضع السادات في مقدمة بيانه عبارة “نداء إلى القوات المسلحة”، في إشارة إلى أن الأمر يرقى إلى مرتبة الاستغاثة حيال ما يجري من تصرفات تقوم بها بعض أجهزة الدولة بما يخل بالأمن القومي، خاصة أن البيان تطرق إلى التحديات التي تمر بها الدولة، والصراعات والانقسامات والانهيارات التي تعرضت لها دول في المنطقة، ما يوحي بأن مصر يمكن أن تواجه مصيرا مشابها في ظل الصعوبات المتزايدة حاليا.
وكانت لتدخل الجيش المصري في إدارة العملية الانتخابية بعد ثورة يناير 2011، التي نجح فيها المرشح الإخواني محمد مرسي، مبررات منطقية آنذاك؛ حيث كانت تداعيات سقوط نظام مبارك السلبية من الناحية الأمنية لا تزال تخيم على البلاد، ما استدعى وجود الجيش في المشهد السياسي وعزز انحيازه لمطالب الشعب في ذلك الحين بلا تأييد لمرشح معيّن، بينما ظهوره الآن قد يُؤوَّل على أساس أنه كان بدعم من السيسي.
ويقول مراقبون إن حديث السادات يريد منه التأكيد على أن الجيش ليس طرفا في المعركة الانتخابية المقبلة بكل ما تحمله من مناورات وتراشقات، ومن الضروري أن يحافظ على هذه الوضعية، فدخوله بشكل مكثّف في لعبة السياسة بكل تعقيداتها قد يخصم من رصيده في الوجدان المصري العام، ويفقده الحلقة الوازنة في المواقف المصيرية.
ويضيف هؤلاء المراقبون أنه لا توجد مشكلة مع الجيش من جانب الأحزاب السياسية الليبرالية -ويمثلها رئيس حزب الإصلاح والتنمية- التي تسعى إلى إبعاده عن السياسة ودهاليزها الوعرة، وأن المؤسسة العسكرية محل ثقة في الحدود التي تحافظ على الأمن القومي للبلاد، ولذلك لم تتم الدعوة إلى رقابة دولية على الانتخابات.
وحوى تلميح السادات إلى عملية الرقابة الدولية تحذيرا من خطورة الأمر، وتنبيها إلى أن عيون العالم ستكون مصوبة نحو المشهد الانتخابي المصري، وأن آليات إخراجه سياسيا بالطريقة اللائقة مسألة في غاية الأهمية، وهو ما يستطيع الجيش القيام به، خاصة عقب ظهور ممارسات تسيء إلى السيسي نفسه الذي ينحدر من المؤسسة العسكرية، وأنه لا يحتاج إلى ذلك، وبإمكانه تجاوز الانتخابات بأريحية مهما كانت قوة منافسيه.