كريتر نت – متابعات
أدرك جيش التحرير الشعبي الصيني الدور المهم الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في الصراعات الحديثة والعمليات التي تتخلل فترات السلم. ويعتمد باحثو جيش التحرير الشعبي مصطلح “حرب وسائل التواصل الاجتماعي” لوصف امتداد الأنشطة العسكرية غير الحركية إلى هذه المنصات لتشمل طرفين متعارضين أو أكثر.
ويُعدّ هذا المصطلح جزءا من التوسع المفاهيمي المستمر لنطاق الحرب في الفكر العسكري الصيني حيث يُنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي على أنها ساحة أخرى للصراع وليست مجرد قناة أخرى لنشر الدعاية.
ولا يمثل مصطلح حرب وسائل التواصل الاجتماعي عقيدة جيش التحرير الشعبي، إلا أن ظهوره يشير إلى أن الجيش يرى أهمية كافية في هذه الأنشطة لرفع مستوى الوعي بها بين صفوفه.
ويلفت هذا، مع أدلة أخرى، إلى أن الجيش يعمل على الدمج الأفضل لوسائل التواصل الاجتماعي في عملياته.
جيش التحرير الشعبي اتخذ غزو الولايات المتحدة للعراق سنة 2003 أقرب مثال على حرب وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقدم تحليل أعدته مؤسسة “جايمس تاون” نظرة عامة عن تفكير جيش التحرير الشعبي في حرب وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك ظهورها في مناشيره، وقاعدته النظرية، ودروسه المستمدة من الأمثلة الأجنبية لدور وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب الحديثة.
وتشير دراسة استقصائية لمناشير جيش التحرير الشعبي إلى أن فهم الصين لحرب وسائل التواصل الاجتماعي ناتج عن تجارب الدول الأخرى بقدر تجاربها الخاصة.
وقد يوفر إلقاء نظرة فاحصة على الدروس المستفادة من هذه الملاحظات منظورا أكثر شمولية لوجهة نظر جيش التحرير الشعبي الصيني حول هذا المصطلح.
ومن بين هذه الدروس التي استفاد منها الجيش الصيني حرب العراق في عام 2003 وحرب غزة في عام 2014 وحرب قره باغ الثانية في عام 2020.
ويشير باحثو جيش التحرير الشعبي إلى غزو الولايات المتحدة للعراق سنة 2003 باعتباره أقرب مثال على حرب وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من عدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت.
وتناقش مقالة نشرتها صحيفة جيش التحرير الشعبي في عام 2020 رسائل الولايات المتحدة قبل الغزو باعتماد هذا الإطار، بما يختلف عن المناقشات السابقة التي كانت فيها هذه الحرب مثالا على حرب الرأي العام.
وقرر بعض باحثي جيش التحرير الشعبي الصيني تصوير حرب العراق كمثال على النهجين، مما يؤشّر على أنهم يختارون في بعض النواحي إعادة تدوير وجهات النظر التقليدية حول المعلوماتية في إطار المفهوم الأحدث لحرب وسائل التواصل الاجتماعي.
ويتوافق هذا مع الأبحاث الغربية التي تحدد عملية حرية العراق باعتبارها مصدر إلهام رئيسي لحرب المعلومات التي يشنها جيش التحرير الشعبي.
ونظرا للتداخل بين المفهومين توفر الدروس المستفادة من حرب الرأي العام نافذة على نظرة جيش التحرير الشعبي إلى حرب وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال المؤلف تشانغ هوي، في مقالة نُشرت على صحيفة جيش التحرير الشعبي في 2020، “إن الولايات المتحدة بذلت جهدا هائلا لجعل الحرب قضية مشتركة بين الحزبين من خلال استخدام وسائل الإعلام المختلفة لنشر شائعة مفادها أن الرئيس الراحل صدام حسين تواطأ مع زعيم القاعدة أسامة بن لادن وأن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل”.
واعتبر تشانغ أن الولايات المتحدة تمكنت من التحرك في العراق دون العديد من القيود السياسية المحلية عبر تحويل السردية لصالحها.
حرب إعلامية ممنهجة
ويمثل هذا تكرارا مبكرا لتأثير الرأي العام الذي تم التأكيد عليه في عمليات المجال المعرفي ويسلط الضوء على وعي جيش التحرير الشعبي بدور الرأي العام في الرغبة في قتال الخصوم (وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة باعتبارها خصما محتملا في المستقبل).
ويؤكد المقال على ضرورة دمج نشر المعلومات وتأثير الرأي العام في بناء قدرات الجيش القتالية، حيث يمكن تطوير هذه القدرات إلى جانب القدرات التقليدية.
ويمكن اعتبار إنشاء قوة الدعم الإستراتيجي التابعة لجيش التحرير الشعبي في أواخر 2015 انعكاسا لهذا الشعور، حيث تدمج القدرات السيبرانية والإلكترونية والنفسية وغيرها من القدرات المرتبطة بالصراع المعلوماتي والعمليات المشتركة.
وكانت حرب غزة التي اندلعت سنة 2014 صراعا دام شهرا شنّه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، وقد وفرت هي الأخرى مثالا على تعلم جيش التحرير الشعبي من احتضان الجيش الإسرائيلي لوسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار مقال لأحد المراسلين العسكريين في عام 2023 إلى أن الجيش الإسرائيلي خصص قسما لجمع المواد اللازمة لإجراء عمليات التأثير على وسائل التواصل الاجتماعي حتى قبل بدء الصراع.
وشمل ذلك معلومات عن السيرة الذاتية لقادة حماس، وحالات سببت فيها الحركة أضرارا جانبية بالتخفي في البنية التحتية غير العسكرية، وحالات حاولت فيها إسرائيل تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين. وساعد كل هذا جهود إسرائيل لتحويل الرأي العام لصالحها.
واعتمدت إسرائيل، من وجهة نظر الباحث في جيش التحرير الشعبي، نهجا مزدوجا في حرب وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حاولت التأثير على الرأي العام وإضعاف إرادة العدو القتالية.
من المؤكد أن أهمية وسائل التواصل الاجتماع المتزايدة بصفتها فضاء للعمليات العسكرية غير الحركية قد استحوذت على اهتمام باحثي جيش التحرير الشعبي
ويتماشى هذا مع كتابات أخرى لجيش التحرير الشعبي توثق استغلال الولايات المتحدة لمنشورات داعش على وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المعلومات الاستخبارية من أجل تحسين الاستهداف وضمان ضربات حركية أفضل. ويؤكد المقال (من خلال التركيز على استعداد الجيش الإسرائيلي لهذا الصراع) على الحاجة إلى “مواصلة إنشاء وحدة معلوماتية احترافية لوسائل التواصل الاجتماعي” داخل الجيش الصيني.
واعتمد جيش التحرير الشعبي بلا شك على خبرة الوحدات المتخصصة داخل قوة الدعم الإستراتيجي التابعة له، بما في ذلك القاعدة 311، مما يعكس التركيز على دور وسائل التواصل الاجتماعي في عمليات المجال المعرفي خلال المنافسة في وقت السلم والصراع المستقبلي.
ومن المؤكد أن أهمية وسائل التواصل الاجتماع المتزايدة بصفتها فضاء للعمليات العسكرية غير الحركية قد استحوذت على اهتمام باحثي جيش التحرير الشعبي، الذين أكدوا على أهمية دمجها في القدرات العسكرية التقليدية وإنشاء وحدات عسكرية مخصصة للعمليات على الفضاء الإلكتروني، وإمكانية لعبها دورا حاسما في العمليات من خلال استكمال الضربات الحركية.
وأصبح دور وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب الحديثة محددا بشكل جيد ضمن مفهوم عمليات جيش التحرير الشعبي الصيني.
ومن المنتظر أن يصبح هذا المجال إطارا أكثر شيوعا لكيفية تفكير جيش التحرير في وسائل التواصل الاجتماعي وطرق رفع مستوى وعي قواته للاستفادة الأفضل من هذه المنصات في المنافسة وقت السلم والصراعات المستقبلية.
ومن المرجح أن يظل مصطلح حرب وسائل التواصل الاجتماعي في النهاية نظريا أكثر، حيث تبقى عمليات المجال المعرفي مفهوما عملياتيا أساسيا لاستفادة جيش التحرير الشعبي من وسائل التواصل الاجتماعي.
وتبقى تحاليل جيش التحرير الشعبي في المراجعات المستقبلية لعلم الإستراتيجية العسكرية من المؤشرات الرئيسية التي تجب مراقبتها لتحديد النهج الذي سيتبعه في وسائل التواصل الاجتماعي.