كريتر نت – متابعات
تمثل احتياطات الغاز الطبيعي المكتشفة حديثا في الشرق الأوسط بديلا هاما للغاز الروسي إلى أوروبا. وتحرك الغرب بسرعة بشأن تأمين إمدادات جديدة تقول التقديرات إنها تضاهي الإمدادات الروسية المقطوعة.
وتتطلع أوروبا إلى استثمار اكتشافات الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط لتعويض الغاز الروسي المحاصر. ويسعى الأوروبيون من خلال ذلك إلى انشاء منصة امدادات بديلة ستلعب دورا مهما في سوق الطاقة العالمية.
وفي العقود التي سبقت أحداث ضم شبه جزيرة القرم في 2014 عملت العديد من القوى العظمى في أوروبا (وخاصة زعيمتها الفعلية ألمانيا) على بناء نموها الاقتصادي على أسس إمدادات النفط والغاز الرخيصة من روسيا.
ولم ترغب تلك القوى في أن تنتهي هذه الإمدادات. وكان من الواضح أن على الولايات المتحدة ترتيب إمدادات جديدة ضخمة من الطاقة لتسليمها بسرعة إلى أوروبا وتعويضها عن إمدادات روسيا، حتى يمكن اتخاذ موقف ضد المزيد من التقدم الروسي في القارة بعد استهداف أوكرانيا.
توفير منصة للطاقة في الشرق الأوسط يمكن التحالف الغربي من الاستغناء عن النفط والغاز من روسيا وحلفائها
ولا يتطلب الغاز الطبيعي المسال، على عكس الغاز أو النفط، سنوات من مد خطوط الأنابيب وتأسيس البنية التحتية الداعمة اللازمة. كما لا يتطلب مفاوضات مكثفة وطويلة بشأن العقود المعقدة، بل يمكن التقاطه بسرعة في السوق الفورية وشحنه إلى أي مكان مطلوب.
ويتشكل جزء أساسي من نظام سوق النفط العالمي الجديد عبر الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأساسيون (وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا) مع الأزمة المباشرة، حيث توفرت منصة للطاقة أمكن للتحالف الغربي الاستغناء من خلالها عن النفط والغاز من روسيا وحلفائها.
ويقول سايمون واتكينز، في تحليل على موقع أويل برايس الأميركي، إن مصر تعدّ من العناصر الأساسية الجديدة، بعدما شهدت تطورات كبيرة مؤخرا. ويضيف واتكينز أن أهمية مصر في النظام الجديد لسوق النفط العالمية تكمن في أربعة نقاط.
وأولى هذه النقاط تكمن في احتياطاتها الكبيرة من الغاز، حيث تشير التقديرات الرسمية التي تعود إلى 2021 إلى حوالي 1.8 تريليون متر مكعب، مما يجعلها ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا بعد الجزائر ونيجيريا.
لكن المؤشرات الأخيرة الصادرة عن الشركات الأوروبية والأميركية النشطة في البلاد تشير إلى أن هذه التقديرات متحفظة.
وقال مصدر رفيع المستوى في مجمع أمن الطاقة التابع للاتحاد الأوروبي لموقع أويل برايس “كلما شرعنا ‘الشركات الأوروبية’، نحن وزملاؤنا الأميركيون، في التنقيب هناك، كلما ارتفع عامل التقدير المنخفض”.
وثانيا، تسيطر مصر على ممر الشحن العالمي الرئيسي في قناة السويس التي يمر من خلالها حوالي 10 في المئة من النفط والغاز الطبيعي المسال في العالم.
كما تسيطر على خط أنابيب السويس – البحر المتوسط (سوميد) الحيوي، الذي يمتد من محطة العين السخنة في خليج السويس بالقرب من البحر الأحمر، إلى ميناء سيدي كرير غرب الإسكندرية في البحر المتوسط.
كل العيون على الغاز
ويبقى هذا البديل حاسما لقناة السويس في ما يتعلق بنقل النفط من الخليج إلى المتوسط. وتعد قناة السويس واحدة من نقاط العبور الرئيسية القليلة جدا التي لا تسيطر عليها الصين.
وتتمتع الصين بالفعل بسيطرة فعالة على مضيق هرمز من خلال “اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 عاما”.
كما تمنح الصفقة نفسها بكين السيطرة على مضيق باب المندب، الذي يتواصل شحن السلع من خلاله صعودا عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل أن تنتقل إلى البحر المتوسط ثم غربا.
ويمكن ذلك لأن المضيق يقع بين اليمن (حيث يوجد الحوثيون المدعومون من إيران) وجيبوتي (التي شددت الصين عليها قبضة خانقة).
وثالثا، تريد الصين السيطرة على مصر لكونها نقطة العبور الرئيسية من مضيق باب المندب إلى البحر المتوسط. ورابعا، أن مصر تحتل مكانة خاصة في العالم العربي.
وكان العالم العربي ينظر إلى مصر لعقود على أنها المؤيد الرئيسي لأيديولوجية “الوحدة العربية” التي تؤمن بأن القوة الدائمة لا يمكن أن تتحقق إلا في وحدة العرب السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية عبر البلدان المختلفة التي ظهرت بعد الحربين العالميتين.
في العقود التي سبقت أحداث ضم شبه جزيرة القرم العديد من القوى العظمى في أوروبا عملت على بناء نموها الاقتصادي على أسس إمدادات النفط والغاز الرخيصة من روسيا
وكان الرئيس المصري من 1954 إلى 1970، جمال عبدالناصر أقوى مؤيد لهذه الفلسفة.
ويمكن القول إن خليفته الأيديولوجي كان الرئيس السوري من 1971 إلى 2000، حافظ الأسد.
وكان من أبرز علامات هذه الحركة في ذلك الوقت تشكيل اتحاد الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا من 1958 إلى 1961، وتشكيل منظمة أوبك في 1960، وسلسلة الصراعات مع إسرائيل خلال تلك الفترة، والحظر النفطي 1973 – 1974.
وتأمل الولايات المتحدة من خلال ضم زعيم العالم العربي هذا إلى جانبها، في التعويض (ولو جزئيا) عن التأثير الجيوسياسي السلبي لخسارة السعودية (حليفتها طويلة الأمد) لصالح الكتلة الصينية الروسية.
وتعد مصر من الناحية السياسية والتاريخية رائدة في العالم العربي مثل السعودية. وتدرك الصين هذا، وسعت منذ فترة طويلة، من خلال حليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط، إيران، إلى جذب مصر إلى شبكة الطاقة الموحدة.
وكانت مجموعة من الشركات مثل شيفرون الأميركية، وشركة بريتيش بتروليوم وشل البريطانيتين، وإيني الإيطالية في طليعة تحرك الولايات المتحدة وحلفائها الأساسيين إلى مصر وجهودهم لتأمين إمدادات كبيرة وثابتة من الغاز من مصدرين جدد موثوقين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وكانت شركة توتال إنرجيز الفرنسية تحمل أهمية مماثلة في هذا الدور. لكنها ركزت جهودها على وسط الشرق الأوسط، وكان آخرها الصفقة الإستراتيجية الضخمة ذات المحاور الأربعة التي تبلغ قيمتها 27 مليار دولار مع العراق.
وقالت شركة بريتيش بتروليوم مؤخرا إنها ستستثمر 3.5 مليار دولار في استكشاف حقول الغاز المصرية وتطويرها في السنوات الثلاث المقبلة.
ومن الممكن مضاعفة هذا المبلغ إذا أدى النشاط إلى اكتشافات جديدة، وفقا للرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم، برنارد لوني.
وتنوي الشركة البريطانية العملاقة حفر أربعة آبار استكشافية جديدة للغاز الطبيعي قبالة سواحل البحر المتوسط في الربع الرابع من العام الحالي، تشمل بئرين في حقل ريفين بشمال الإسكندرية، وبئرين في حقلي شمال كينغ مريوط وشمال غرب أبو قير.
كما أعلِن عن الانتهاء من المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد لامتداد منطقة امتياز شمال الطابية في البحر المتوسط وتجري معالجة البيانات وتقييمها. وسيعزز هذا التقدم الهائل الذي حققته شركة شيفرون.
واكتشفت شيفرون مع شريكتها الأوروبية في الموقع، إيني، في وقت سابق من هذا العام حقل غاز بحري ضخما محتملا في منطقة امتيازها في البحر الأحمر، ومن المقرر أن ينطلق أول تنقيب عن النفط والغاز الطبيعي هناك في النصف الأول من 2024.
وتبع هذا الاكتشاف إعلانا في ديسمبر 2022 جاء فيه أن شركة شيفرون سجّلت ما لا يقل عن 99 مليار متر مكعب من الغاز في حقلها الاستكشافي النرجس – 1 في شرق دلتا النيل، حوالي 60 كيلومترا شمال شبه جزيرة سيناء.
كما تدير شركة شيفرون (إلى جانب شركة كونوكو فيليبس الأميركية خاصة) الآن حقلي ليفياثان وتمار الضخمين في إسرائيل ومشروع أفروديت قبالة سواحل قبرص.
كما من المقرر أن تبدأ شركة شل البريطانية العملاقة للنفط والغاز تطوير المرحلة العاشرة بمنطقة امتياز غرب الدلتا العميق في البحر المتوسط.
وعملت شركة شل وشركاؤها على تطوير الامتياز عبر تسع مراحل تطوير، وفقا لبيانات المؤسسة.
ويضم الامتياز 17 حقلا للغاز، تقع على أعماق مائية تتراوح بين 300 و1200 متر، وتمتد على مسافة تقدّر بين 90 و120 كيلومترا من الشاطئ.
وفي تأكيد على آثار هذه الصفقات الأوسع في مجال الطاقة والسياسة، قال وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا “هذه خطوة مهمة نحو إطلاق المزيد من الإمكانات الهيدروكربونية في منطقة دلتا النيل الغنية بالموارد الطبيعية، ونؤكد على تعزيز شراكتنا طويلة الأمد مع شركة شل التي تساهم بدور هام في تطوير موارد الطاقة في مصر ودعم خطط الدولة لأن تصبح مركزا إقليميا للطاقة”.