كريتر نت – متابعات
تعم جامعات الكويت وأوساط البرلمان أجواء من الغضب والتنديد ضد إعلان الحكومة تمسكها بقرار منع اختلاط الجنسين في المؤسسات التعليمية. ويخشى مراقبون أن تتحول موجات الغضب إلى صدامات داخل الجامعات بين الطلاب والهيئات التدريسية، وبين الطلاب أنفسهم.
ودعت قائمتا المستقلة والوسط الديمقراطي الطلاب والطالبات إلى الاعتصام سلميًّا الإثنين في كليتيْ الآداب والتربية اعتراضاً على القرار. ورفضت قائمة الراية “الطعن في أخلاق الطلبة عبر مجموعة تملك أهدافا انتخابية ومصالح تكسبية تتسلق من خلالها على أخلاق المجتمع”. وقالت إن “ما يحصل الآن في الكويت بشأن التعليم المشترك أمر غير مستغرب، بل يتكرر متى اقتضت الحاجة عند القوى الرجعية لدغدغة مشاعر ناخبيها”.
وتقدمت النائبة جنان بوشهري بـ”تعديل تشريعي يلغي قانون منع التعليم المشترك”. وقالت “إن التزام أبنائنا الطلاب والطالبات الجلوس في القاعات الدراسية محل اعتزاز ودليل على احترام بعضهم بعضاً وحسن تربية أسرهم الكريمة، وهذا ما انتهت له المحكمة الدستورية وأكدته فيما يتعلق بمفهوم الفصل، فأصبح قانون المنع لا قيمة تشريعية له، فأحكام المحكمة الدستورية تسمو على القوانين”.
النواب ضمنوا تواطؤ الحكومة معهم بفضل مقايضة صامتة تسمح لهم بتمرير ما يريدون من تشريعات، مقابل عدم تحدي استقرار الحكومة أو تهديد بقائها
وندد النواب مهند الساير وعبدالله جاسم المضف وأسامة الزيد بتعهد وزير التربية عادل المانع بالإبقاء على الشُّعب المختلطة في جامعة الكويت “متى اقتضت الحاجة”، وهو ما يعني بقاء المنع، مع توفر استثناءات له تتعلق بالحاجة من قبيل عدم توفر الكادر التدريسي لتقديم محاضرات في قاعات منفصلة الجنسين.
وقال النواب إن “مصلحة الطلبة تعلو ولا يُعلى عليها، وإن حكم المحكمة الدستورية التفسيري لقانون منع الاختلاط الصادر في عام 2015 قد حسم الجدل حول آلية تطبيق القانون”، مؤكدين رفضهم “وضع العراقيل أمام الطلبة وتعطيل دراستهم وتخرجهم بسبب تطبيق أعوج للقانون”.
ويقول مراقبون إن دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي السابع عشر شهد العديد من المقترحات التي تقيد الحريات، وخاصة ضد المرأة، مما أعاد التذكير بـ”وثيقة القيم” التي قدمها مرشحون لمجلس الأمة في سبتمبر 2021 بقصد “أسلمة المجتمع” الكويتي، وهي تتضمن 12 بندا، وتطالب هذه البنود بمنع الاختلاط في الجامعات ومعارضة نوادي السباحة والمهرجانات الرياضية، ومنع النساء من العمل في سلك القضاء، ومنع غير المحجبات من الترشح للانتخابات، وإعادة الرقابة المسبقة على الكتب، وتعديل قوانين بما يتنافى مع الحريات، وتجريم الوشم وعمليات التجميل، ومنع أنشطة الطاقة ورياضة اليوغا، وفرض ضوابط متشددة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبر أحمد الجارالله رئيس تحرير صحيفة “السياسية” أن “طالبان” كويتية صارت تحكم الوصاية على المجتمع، وقال إن “نواب التشدد” يبحثون عن “انتصار زائف” في معركة سهلة… و”إن الحكومة رهنت قرارها لهم”. وأضاف “أن تتحوَّل لجنة برلمانية (إلى) سلطة أمر واقع فهذا أمر لا يُبشر بخير أبدا، وأن تستدعي وزيرا ومديرا للجامعة وتأمرهما بتنفيذ مرئياتها، فذلك يعني أن مجلس الوزراء، مجتمعا، أصبح لا قدرة له على ممارسة صلاحياته، وأن هناك بضعة نواب أوصياء عليه، ويجب أن تنفذ رؤية كل منهم، وهذا يخالف الدستور والقوانين”.
ويقول نواب وصحافيون ورؤساء جمعيات طلابية إن ما يجري من محاولات لـ”أسلمة” المجتمع الكويتي على الطريقة “الطالبانية” يتنافى مع الطبيعة المدنية للمجتمع الكويتي، ويدفع إلى تقويض دستور الدولة المدنية الذي أُعلن عنه عام 1962، وقد ورد في المادة 6 منه أن نظام الحكم ديمقراطي، في حين تلوذ الحكومة بالصمت والرضى.
“نواب التشدد” يستندون إلى إستراتيجية تقضي بانتهاج سبيل “أسلمة المجتمع” عبر خطوات تدريجية، لا تبدو كبيرة في البداية، وذلك ريثما يتم التعود عليها
وقال الجارالله “نحن اليوم أمام اقتراحات أقل ما يقال فيها إنها نكوص على القيم الكويتية، وخروج على المبادئ الدستورية التي منحت هؤلاء حق التحدث علنا، وأن يكونوا نوابا، لكنهم بدلاً من الاستفادة من هذا الحق، خرجوا علينا بما يجعلهم أولياء أمور الكويتيين، وهنا نسأل: من منحهم هذه السطوة، أليست الحكومات التي خضعت لهم، على أمل تمرير صفقات عدم محاسبة هذا الوزير أو ذاك؟”.
وكانت عدة جمعيات نسائية تضم نخبة من النساء الكويتيات دعت في بيان نُشر الشهر الماضي إلى “وقف العبث بمكتسبات المرأة الكويتية”، وانتقدت الأطروحات في مجلس الأمة التي تعادي مسيرتها والحريات العامة في البلاد، وطالبت النواب “الالتزام بالدستور كما ارتضاه الشعب”، وكذلك “التراجع عن استهداف المرأة ومحاولة تحجيم دورها”.
وأشار البيان إلى أن “بعض النواب دأبوا على التركيز الشديد على الحريات الشخصية وتحجيمها بعدة وسائل وطرق، بينما تناسوا قضايا الوطن الملحة، ومنها تطوير التعليم، والقضاء على الفساد المستشري واستباحة المال العام”.
ويقول مراقبون إن “نواب التشدد” يستندون إلى إستراتيجية تقضي بانتهاج سبيل “أسلمة المجتمع” الكويتي عبر خطوات تدريجية، لا تبدو كبيرة في البداية، وذلك ريثما يتم التعود عليها، فتصبح بعد ذلك قاعدة سائدة. وهؤلاء النواب ضمنوا تواطؤ الحكومة معهم بفضل مقايضة صامتة تسمح لهم بتمرير ما يريدون من تشريعات، مقابل عدم تحدي استقرار الحكومة أو تهديد بقائها. وهو ما يجعل الأمر “صفقة ناجحة” للطرفين.