كريتر نت – متابعات
يصف محللون الاتفاق الدفاعي الأميركي مع البحرين بأنه “ترقية” لعلاقات المنامة وواشنطن الدفاعية، لكنهم يشيرون إلى أنه يمكن أن يصبح نموذجا لالتزامات واشنطن تجاه حلفاء آخرين في الشرق الأوسط.
ويمثل رفع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة والبحرين أحدث علامة على إستراتيجية الرئيس الأميركي جو بايدن الناشئة في الشرق الأوسط بعد الإعلان عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا في قمة مجموعة العشرين الأسبوع الماضي.
ووقّعت الولايات المتحدة الأربعاء اتفاقا مع البحرين يتضمن دعم واشنطن للمملكة الخليجية في حالة تعرضها لهجوم أجنبي.
ووقّع ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وهو أيضا رئيس وزراء البلاد، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتفاقية لتوسيع العلاقات الدفاعية والاقتصادية بين البلدين خلال حفل أقيم في واشنطن.
ويأمل مسؤولو إدارة بايدن أن تكون الصفقة الأولى في سلسلة مع دول الشرق الأوسط حيث تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في المنطقة بعد الانسحابات العسكرية الكبيرة في الوقت الذي تتنافس فيه مع الصين على المسرح العالمي.
وتوسع الاتفاقية نطاق تبادل المعلومات الاستخبارية وتنص على عملية تتشاور فيها المنامة مع الولايات المتحدة بشأن الرد المحتمل في حالة تعرض البحرين لـ”عدوان خارجي”. ومن المتوقع الإعلان عن تفاصيل الصفقة في الأيام المقبلة، وبينما قال مسؤولون أميركيون إن الاتفاق ليس موجها بشكل صريح إلى إيران، فإن دول الخليج سعت للحصول على ضمانات أكبر بأن واشنطن ستدافع عنها ضد تهديدات إيران، التي تطالب منذ فترة طويلة بالبحرين، وهي دولة جزيرة ذات أغلبية شيعية، كواحدة من مقاطعاتها التاريخية.
وعلى النقيض من سابقاتها، اتبعت إدارة بايدن نهجا أكثر شمولا في محاولاتها لبناء تحالف واسع في الشرق الأوسط لردع إيران مع التصدي للغزوات الدفاعية والتكنولوجية الصينية في المنطقة. لكنها مع ذلك واجهت رياحا معاكسة شديدة.
من المرجح أن تراقب دول الخليج ما تنطوي عليه هذه الصفقة بالنسبة إلى التزام واشنطن بالدفاع عن البحرين ضد إيران
ويقول جراد سازوبا في تحليل للمونيتور إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع البحرين يشير إلى أن الإدارة الأميركية تعمل على تضييق نطاق مساعيها إلى أبعد من ذلك، بدءاً باتفاق مجزأ مع المنامة – وهي حليف رئيسي من خارج الناتو وتستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية – وهو ما قد يشجع جيران الخليج على تقليده.
ويتمركز الأسطول الأميركي الخامس بالفعل في البحرين، ويوجد بها أيضا مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية. وينتشر آلاف من أفراد الجيش الأميركي في البحرين التي تعد أحد الحلفاء الرئيسيين لواشنطن من خارج حلف شمال الأطلسي.
وقادت القيادة المركزية الأميركية جهود إدارة الرئيس جو بايدن لجلب الجيوش الإقليمية إلى التعاون المتبادل مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقيات أبراهم، لكن الاعتراضات المستمرة على معاملة إسرائيل للفلسطينيين أعاقت التقدم.
ويشير سازوبا إلى أن الاتفاق يسعى إلى تعزيز التقدم الأخير الذي أحرزه البنتاغون مع إرساء الأساس لدول خليجية إضافية للانضمام إلى التحالف المتصور.
ويتضمن الاتفاق بندا يسمح للولايات المتحدة والبحرين بدعوة دول أخرى للانضمام. وهو أيضًا أول اتفاق ملزم قانونًا بين الولايات المتحدة ودولة أجنبية يعزز التعاون بشأن ما يسميه مسؤولو الإدارة الأميركية “التكنولوجيا الموثوقة”، أو التكنولوجيا الناشئة التي لا تهدد مصالح الاستخبارات والدفاع الأميركية.
لماذا البحرين؟
الوجود الأميركي مستمر
استضافت البحرين أعدادًا متقلبة من القوات العسكرية الأميركية منذ السبعينات وسمحت للرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش بحشد القوات في البلاد بعد غزو صدام حسين للكويت في عام 1990، وسمحت للطائرات الأميركية المتمركزة هناك بشن الضربات الأولى على الأراضي العراقية في بداية الحملة لتدمير تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014.
واستضافت الدولة الجزيرة أيضًا تحالفًا أمنيًا بحريًا بقيادة الولايات المتحدة، وكانت أول دولة تتعاون مع فرقة العمل الجديدة للطائرات دون طيار المدعومة بالذكاء الاصطناعي التابعة للبحرية الأميركية، والتي يطلق عليها اسم Task Force 59، بدءًا من عام 2021.
ويسعى الاتفاق الجديد إلى إضفاء الطابع الرسمي على العديد من المبادرات التي قادتها القيادة المركزية الأميركية على مدار العامين الماضيين في المنطقة، بدءًا من دمج الدفاعات الجوية والصاروخية الإقليمية إلى تجميع شبكات متداخلة من أجهزة الاستشعار المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة الأنشطة الإيرانية في الممرات المائية في الخليج.
وقال ميك مولروي مسؤول السياسة السابق في البنتاغون والضابط المتقاعد في وكالة المخابرات المركزية “إن الاعتراف بالشركاء الذين ساهموا بشكل كبير في الأمن القومي الأميركي هو ما يتعين علينا القيام به، وهذا يحقق ذلك”.
وأضاف مولروي “من المهم أن يعرف شركاؤنا أن الولايات المتحدة ستكون هناك على المدى الطويل.. نحن في حاجة إلى جعل أشياء مثل إدراجنا كحليف رئيسي من خارج الناتو تعني شيئًا ما”.
ظهور الإستراتيجية
علاقات تحكمها المصالح
يمثل اتفاق واشنطن مع البحرين ثاني إعلان إستراتيجي كبير في الشرق الأوسط من قبل البيت الأبيض في عهد بايدن في أقل من أسبوع، بعد أكثر من عامين من الأسئلة العالقة حول اهتمامها المتضائل على ما يبدو في المنطقة مع تركيز الولايات المتحدة على الصراع المتزايد مع الصين.
ولا تزال الشكوك حول الالتزام العسكري الأميركي مرتفعة في عواصم الشرق الأوسط – وخاصة في الخليج – بعد فشل واشنطن في احتواء التقدم النووي الإيراني وسحب إدارة بايدن عشرات الآلاف من القوات العسكرية من المنطقة.
ومن المرجح أن تراقب دول الخليج ما تنطوي عليه هذه الصفقة بالضبط بالنسبة إلى التزام واشنطن بالدفاع عن البحرين ضد إيران.
الاتفاقية توسع نطاق تبادل المعلومات الاستخبارية وتنص على عملية تتشاور فيها المنامة مع الولايات المتحدة بشأن الرد المحتمل في حالة تعرض البحرين لـ”عدوان خارجي”
ويعد الاتفاق بمثابة بالون اختبار منخفض المخاطر نسبيًا للولايات المتحدة، حيث أن المنامة ليست لها أيّ صراعات في الخارج، على عكس المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين أثار تدخلهما في اليمن ضغوطًا غير مسبوقة من الكونغرس الأميركي لحجب مبيعات الأسلحة الكبيرة عن تلك الدول.
وتقول الباحثة في شؤون الشرق الأوسط كريستين فونتنروز “إذا أوفت كل من الولايات المتحدة والبحرين بأهدافهما من الصفقة من خلال تبادل المزيد من المعلومات الاستخبارية التي تجعلهما أكثر أمانًا – ومن خلال التعاون في المبادرات التي تضاعف القوة لكليهما – فإن الاتفاقية الجديدة يمكن أن تكون بمثابة نموذج”.
وأضافت فونتنروز “لكن إذا تُرك أي منهما يتساءل عما سيحصل عليه من هذا الترتيب، فمن غير المرجح أن تقدم الولايات المتحدة نفس الشيء للدول التي تعرّض الولايات المتحدة لمخاطر جيوسياسية أكبر مما تعرّضه البحرين”.
وتخطط الإدارة الأميركية لإخطار الكونغرس بتفاصيل الاتفاقية، حيث يقوم المشرعون من كلا الجانبين بحشد الدعم لمبادرة الدفاع في الشرق الأوسط التي تقودها الولايات المتحدة.
ويقول مسؤولون سابقون إنه حتى لو تمكنت الولايات المتحدة من إبرام اتفاقيات ثنائية مماثلة مع دول خليجية أخرى، فإنها لن تكون بديلاً عن تحالف إقليمي حقيقي يتقاسم صورة تشغيلية مشتركة.
وقالت فونتنروز “إن الاتفاقيات الثنائية المحدثة ستكون مجرد مجموع الأجزاء”.