كريتر نت – متابعات
خطت الحكومة المصرية خطوة مهمة للاستفادة بشكل أكبر من مقومات الموقع الجغرافي الفريد على البحرين الأحمر والمتوسط، ووجود عدد من موانئ المياه العميقة التي تمكن مشغلي الشحن الدولي من الوصول بسهولة إليها ومنها إلى مقاصد عدة، فضلا عن تعزيز التعاون مع دول مختلفة معنية بمنطقة شرق البحر المتوسط.
وتحرص السلطات المصرية على تطوير الموانئ من دون الدخول في منافسات مباشرة مع دول أخرى، فالسوق بات مفتوحا للجميع، وحسب المزايا التفضيلية تتحدد توجهات المستثمرين، ولذلك أعلنت عن الدخول في شراكات مع دول عربية بارعة في هذا المجال، مثل الإمارات التي تملك موانئ دبي ذات السمعة العالمية.
وهدأت القاهرة من قلق سكان العريش في شمال العريش في شمال سيناء أخيرا لاستكمال خطوات بناء الميناء، وقامت بتعويض السكان المتضررين ماديا، لأن المشروع يمثل أهمية حيوية للدولة، ويرسخ دور سيناء في السياسات المصرية بعد سنوات طويلة من التهميش الاقتصادي.
ويعد ميناء العريش الواقع على البحر المتوسط نقلة في مجال الموانئ المصرية، إذ كان عبارة عن رصيف بطول 360 مترا تستخدمه مراكب صيد الأسماك، وأدركت السلطات المصرية أهميته في تحول الدولة إلى مركز عالمي لوجستي وخدمة النشاط التجاري عموما، لذا قررت تحديثه وجعله منطقة محورية وذات ثقل كبير.
ويتميز الميناء بموقع فريد، فهو أقرب نقطة في مصر إلى جنوب أوروبا وتركيا ويسهل موقعه الوصول إلى مضيق جبل طارق ومنه إلى المحيط الأطلنطي والولايات المتحدة. وتأتي الأهمية أيضا من ارتباطه بخطوط ملاحية عالمية تتصدرها روسيا وتركيا في حركتها التجارية من الشرق إلى الجنوب والغرب، وقد يصبح محورا لوجستيا عالميا.
فؤاد ثابت: فرصة لجذب الاستثمارات ومواجهة البطالة في سيناء
وشرعت الحكومة المصرية في تطوير ميناء العريش وربطه بميناء طابا على خليج العقبة في البحر الأحمر، حيث تحيط بالأخير السعودية والأردن وإسرائيل، ومن ثم يسهل حركة التجارة والاستثمار المتعلقة بمشروعات نيوم وتيران وصنافير مستقبلا.
وتعمل الموانئ البحرية مثل العريش على توفير الممرات اللوجستية أو ما يعرف بـ”الموانئ الجافة” بداخلها وتربط المناطق الصناعية أو الزراعية أو التعدينية أو الخدمية، وتعد هذه الممرات حلقة وصل بين الموانئ وأماكن الإنتاج لإتمام عمليات التصدير والاستيراد المتعلق بمستلزمات الإنتاج، وتكتمل حلقات الإنتاج والموانئ عبر ربط الممر اللوجستي بوسيلة مواصلات ثم مصادر الإنتاج.
ويفضل غالبية المستثمرين أن تكون هذه الوسيلة السكك الحديدية، بوصفها أسرع وأكثر أمانا وتمتاز بحمولات ثقيلة والتكلفة الأقل من غيرها، ولذلك تكتمل منظومة الصناعة وبناء الاقتصاد في مصر بتأسيس الطرق وخطوط السكك الحديدية التي بدأت منذ سنوات، وهي ليست رفاهية بل أساسية لتشغيل الموانئ والمصانع.
وقال فؤاد ثابت، عضو جمعية مستثمري بورسعيد، إن التطوير الحالي بميناء العريش يعزز من فرص جذب الاستثمارات العربية والأجنبية بجانب المحلية إلى سيناء، ويدعم عملية تنميتها اقتصاديا، ويؤكد نجاح التوجه نحو تطوير سيناء.
وأسفرت نتائج تطوير الميناء عن تقدم العديد من الشركات لتنفيذ مشروعات متعددة أهمها مشروع إنشاء 6 صوامع لتخزين الأسمنت الأسود والأبيض، بطاقة تخزينية تبلغ 75 ألف طن، ومن المنتظر أن تبدأ أحجام التداول للمشروع بنهاية العام الجاري لتشمل 1.8 مليون طن ثم 2.1 مليون طن مع نهاية مدة الترخيص بعد 15 عاما.
وأضاف ثابت لـ”العرب” أن التنمية مع تطوير ميناء العريش يعودان بالنفع على سكان سيناء، ويحولان المنطقة إلى مقصد للعديد من الأفراد الفترة المقبلة، خاصة مع توافر فرص العمل الناجمة عن المشروعات المزمع تأسيسها في هذه المنطقة.
وتقوم السلطات المصرية بتدشين خط سكة حديد من العريش شمالا إلى طابا جنوبا بطول 260 كيلومترا، ومنه إلى منطقة بئر العبد للربط مع سكك الحديد القديمة التي تسير في اتجاه الخط القديم الواصل إلى غزة قبل عام 1967 وشهد تحديثات سابقة، لكنه لم يكتمل بسبب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث شهد تلفيات عدة.
وتتوقف أهمية ميناء العريش في حركة التجارة في شرق البحر المتوسط بعد تطويره على مدى الإقبال عليه وحجم المشروعات التي سوف يتم تنفيذها في المناطق الصناعية والتجارية والزراعية المحيطة به، لأنه قياس للتدفقات الاستثمارية الداخلة والخارجة منه، وهي التي تحدد حجم التجارة في الميناء.
وتشير القدرة الاستيعابية العملاقة للميناء إلى أن القاهرة لديها مجموعة من الأهداف لتعظيم الاستفادة منه تتجاوز الحدود الظاهرة المتعلقة بالتجارة التقليدية حاليا، إذ هناك تطلعات إلى قطع الطريق على محاولات تطوير موانئ قريبة منه، فالضخامة التي يتميز بها ميناء العريش تنطوي على رسائل لمن يريدون الذهاب بعيدا عنه، والاعتماد على ميناء حيفا في إسرائيل مثلا.
وتشمل المرحلة الأولى الحالية من تطوير ميناء العريش البحري إنشاء أرصفة بإجمالي أطوال 2250 مترا وحواجز أمواج بطول 2700 متر، وإنشاء حاجز أمواج رئيسي بطول 1250 مترا وإقامة رصيف سياحي عليه بطول ألف متر، ثم إنشاء امتداد للحاجز الرئيسي بطول 1200 متر.
وعلاوة على إنشاء حاجز أمواج شرقي بطول 250 مترا، ورصيف بضائع عامة رقم 1 بطول 250 مترا وإنشاء رصيف البضائع العامة رقم 2 بطول ألف متر ورصيف متعدد الأغراض بطول 915 مترا.
ويأتي تطوير ميناء العريش ضمن خطة وضعتها وزارة النقل لتحويل مصر إلى مركز للتجارة العالمية واللوجستيات مع وجود أهم ممر ملاحي عالمي، وهو قناة السويس، بهدف إعادة مصر إلى موقعها الطبيعي كمحرك للتجارة العالمية.
وتعتمد في ذلك على أن تكون جميع الاستثمارات بقطاع الموانئ وتنمية ظهيرها بأموال وطنية، بالرهان على طرح المشروعات للإدارة والتشغيل مع القطاع الخاص للوصول إلى الهدف الرئيسي بجذب العملات الصعبة وتدفق الاستثمارات المباشرة.
◙ تطوير الميناء يأتي ضمن خطة وضعتها وزارة النقل لتحويل مصر إلى مركز للتجارة العالمية مع وجود أهم ممر ملاحي عالمي وهو قناة السويس
وتضم خطط التطوير المستقبلية لميناء العريش، البدء في الحوض الثاني والذي يشمل أرصفة بأطوال 1650 مترا، وحاجز أمواج غربيا بطول 1200 متر، وحاجز أمواج شرقيا بطول 1100 متر، وساحات ومخازن بمساحة 769 مترا مربعا، ثم تنفيذ أعمال الحوض الثالث الذي يشمل أرصفة حاويات بأطوال 3200 متر بغاطس 17 مترا.
وأكد عبدالحميد المطري، عضو جمعية مستثمري الإسماعيلية الرقيبة من سيناء، أن خطة تطوير ميناء العريش تعزز دور مصر في ما يتعلق باللوجستيات، ومن الأفضل أن يخصص للتصدير كونه بموقع فريد وقريب من دول كثيرة.
ويعد الممر اللوجستي العريش – طابا، الناشئ عن تطوير ميناء العريش البحري ممرا تنمويا متكاملا، يدعم عملية تطوير الميناء الواصل بين قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا. وأوضح المطري لـ”العرب” أن التركيز على التصدير من ميناء العريش يتطلب دراسة الموارد الطبيعية في المنطقة القريبة منه بشكل أكثر استفاضة، وتضم معادن ثقيلة تستخدم في العديد من الصناعات الحديدية وصناعات الجلود والورق والزجاج.
وتسعى القاهرة بالتوازي مع تطوير ميناء العريش إلى الترويج للاستثمار في المنطقة القريبة من محور قناة السويس الذي يضم مناطق صناعية مختلفة، والعمل على جذب رجال الأعمال العرب والأجانب، وتوفير أحدث المعدات والأجهزة التكنولوجية.
ولدى مصر خطة تسعى لتنفيذها تشمل إنشاء 5 ممرات لوجستية مهمة حتى العام 2030، وهي: محور السخنة – الإسكندرية ويمتد من ميناء العين السخنة على البحر الأحمر مرورا بميناء العاشر من رمضان الجاف في شرق القاهرة والمنطقة اللوجستية المرتبطة به، والثالث ممري العريش – طابا، وطنطا – المنصورة – دمياط، والممر الرابع القاهرة – الإسكندرية اللوجستي، والخامس جرجوب – السلوم وبدأ من ميناء جرجوب البحري ويصل إلى ميناء السلوم البري مرورا بالمنطقة اللوجستية شرق ميناء السلوم في غرب مصر وبالقرب من الحدود مع ليبيا.