كريتر نت – متابعات
يتفق محللون على أن سياسة خفض إنتاج النفط التي تتبعها السعودية لجعل الأسعار مرتفعة في الأسواق العالمية قد تأتي بنتائج عكسية على نمو اقتصادها خلال العام الحالي، رغم أن القطاع الخاص غير النفطي يعمل على تعزيز دفاعات الناتج المحلي الإجمالي.
وتواجه السعودية خطر انكماش اقتصادها هذا العام بعد قرارها تمديد خفض إنتاج النفط الخام، مما يبرز مدى اعتمادها الذي لا يزال كبيرا على الخام مع سير إصلاحات لتنويع الأنشطة الاقتصادية بوتيرة بطيئة.
وتقول الحكومة إنها تهدف إلى استقرار سوق النفط العالمي من خلال تمديد الخفض الطوعي بمقدار مليون برميل يوميا حتى نهاية عام 2023.
وتسبب قرارها الذي أعلنته الثلاثاء الماضي في دفع أسعار الخام لتتجاوز 90 دولارا للبرميل للمرة الأولى هذا العام، لكنها لا تزال دون متوسط أسعار العام الماضي عند مئة دولار تقريبا للبرميل بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
ومن شأن خفض إنتاج النفط، وبالتالي تراجع إيراداته هذا العام، دفع أكبر اقتصاد عربي إلى الانكماش للمرة الأولى منذ 2020 في أوج الجائحة، رغم أن توزيع أرباح نقدية إضافية من عملاق النفط أرامكو قد يقدم بعض الحماية للماليات العامة.
جاستن ألكسندر: تماسك الاقتصاد رهين نمو القطاع الخاص بخمسة في المئة
وقال جاستن ألكسندر، المحلل في خليج إيكونوميكس لوكالة رويترز، إن “خفض إنتاج النفط لثلاثة أشهر إضافية، فضلا عن عمليات خفض الإنتاج الأخرى، هذا العام يعني تراجع الإنتاج تسعة في المئة في 2023”.
وبحسب ألكسندر، سيكون ذلك أكبر انخفاض في الإنتاج في 15 عاما بالنسبة للسعودية التي تعد الزعيم الفعلي لأوبك.
وترى مونيكا مالك، كبيرة خبراء الاقتصاد في بنك أبوظبي التجاري، أن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية يتجه للانكماش 0.5 في المئة هذا العام، في مراجعة لتوقعها الشهر الماضي بنمو 0.2 في المئة هذا العام.
ويعتقد ألكسندر، وهو محلل أيضا في شؤون الخليج في غلوبال سورس بارتنرز، أن القطاعات غير النفطية تحتاج إلى تسجيل نمو بنحو 5 في المئة في المتوسط هذا العام للحفاظ على النمو الاقتصادي.
وأضاف “هذا في الحقيقة هو بالضبط معدل النمو خلال النصف الأول من هذا العام، لكن المؤشرات الأساسية، مثل مؤشر مديري المشتريات، أشارت إلى تباطؤ محدود”.
وتابع “وبالتالي قد يكون من الصعب الحفاظ على هذا النمو في النصف الثاني. ونتيجة لذلك يبدو من المرجح حدوث انكماش طفيف في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي”.
وفي العام الماضي، نما الاقتصاد السعودي 8.7 في المئة وحقق فائضا بلغ 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكان ذلك هو أول فائض في تسع سنوات وتزامن مع ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قرب 124 دولارا للبرميل.
وهذا العام توقعت الحكومة فائضا يبلغ نحو 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن بعض خبراء الاقتصاد يقولون إن حتى هذا يعد ضربا من التفاؤل.
مونيكا مالك: الناتج الإجمالي للبلاد يتجه للانكماش بنحو 0.5 في المئة
وفي الشهر الماضي، ذكرت شركة أرامكو أنها ستوزع ما يقرب من 10 مليارات دولار من الأرباح على المساهمين في الربع الثالث من هذا العام من التدفق النقدي الحر في أول خطوة ضمن عدة توزيعات إضافية.
وأرامكو مملوكة للحكومة بنسبة 90 في المئة ولديها الكثير من السيولة النقدية بفضل الارتفاع الحاد في أسعار النفط العام الماضي، ولديها إستراتيجية للتوسع في الخارج بما يشمل استثمارات في قطاع التكرير، فضلا عن تطوير صناعة الغاز محليا.
وقال جيمس سوانستون، من كابيتال إيكونوميكس، في مذكرة “رغم ذلك نعتقد أن الحكومة ستسجل عجزا في الميزانية نسبته 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بما يقل كثيرا عن تقديرات الموازنة بتحقيق فائض نسبته 0.4 في المئة”.
وسجلت السعودية عجزا في الميزانية بلغ 8.2 مليار ريال (2.19 مليار دولار) في النصف الأول من العام الجاري.
وتوقع مسؤول من صندوق النقد الدولي الخميس الماضي عجزا هذا العام يبلغ 1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال إن “الميزانية ستكون أقرب للتوازن نتيجة توزيعات الأرباح النقدية الإضافية من أرامكو”.
وبخلاف عدد متزايد من خبراء الاقتصاد، يتوقع الصندوق إلى أن يتمكن الاقتصاد من تسجيل نمو محدود لهذا العام. ومع ذلك لا يزال النمو في الاقتصاد غير النفطي قويا في الوقت الراهن.
وأنفق صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي) المكلف بتنفيذ رؤية 2030 الاقتصادية، المليارات من الدولارات على نجوم كرة قدم عالميين والسياحة ورياضة الجولف والترفيه وشركات تصنيع السيارات الكهربائية.
نيل كويليام: اتضح أن وتيرة التغيير لا يمكن أن تتحرك بالسرعة المأمولة
وقالت شركة آر.بي.سي كابيتال ماركتس في مذكرة “بالتأكيد لا نرى أي مؤشرات على أن سلسلة الاستحواذات التي ينفذها صندوق الاستثمارات العامة ستهدأ”.
وأدت الإصلاحات في الاستثمارات التي تقودها الدولة إلى زيادة حصة القطاع غير النفطي في الاقتصاد إلى 44 في المئة العام الماضي، لكن ذلك لا يشكل إلا ارتفاعا نسبته 0.7 في المئة عن 2016.
وقال نيل كويليام، الباحث المساعد في تشاتام هاوس في لندن، “أعتقد أن الواقع اتضح وهو أن وتيرة التغيير لا يمكن أن تتحرك بالسرعة المأمولة ويظل الاقتصاد معتمدا على الهيدروكربون وسيظل كذلك لفترة من الزمن”.
وتشير تقارير إلى أن ما يصل قيمته إلى 50 مليار دولار من أسهم أرامكو الجديدة قد يطرح في بورصة الرياض قبل نهاية العام، بما قد يوفر مبالغ ضخمة يمكن إنفاقها على مشاريع كبرى.
ونقلت الحكومة ملكية ثمانية في المئة في أرامكو لصندوق الثروة وإحدى شركاته التابعة.
ويأتي تمويل الصندوق من ضخ رأس المال ونقل الأصول من الحكومة وأدوات الدين وإيرادات الاستثمارات القائمة.
لكنه أعلن عن تسجيل خسائر قدرها 15.6 مليار دولار العام الماضي بما يرجع بالأساس لاستثماره في صندوق رؤية التابع لسوفت بنك، إضافة إلى تراجع أوسع نطاقا في السوق بشكل عام خاصة في مجال التكنولوجيا.
وقال كويليام “حتى الآن لم تثبت استثمارات الصندوق أنها مثمرة كما كان مأمولا منها ولم تجتذب البلاد أيضا ما أملته من الاستثمار الأجنبي المباشر، وبالتالي أرامكو ستكون المحرك الأساسي الذي يواصلون الاعتماد عليه بقوة”.