كريتر نت – متابعات
اختار الرئيس الصيني شي جينبينغ عدم حضور قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في الهند في التاسع والعاشر من سبتمبر الجاري، فيما ينظر إلى هذا القرار على أنه خطوة إستراتيجية ستسبب تموجات في الدبلوماسية الاقتصادية العالمية.
ويشي تغيّب الرئيس الصيني عن قمة العشرين بتغير أولويات بكين الدبلوماسية والاقتصادية، ما يهدد وضع المجموعة كمنتدى للقيادة العالمية في ظل اتساع الفجوة والتباينات بين الدول الأعضاء في المجموعة مع سعي مجموعة من الأعضاء للانخراط في تكتلات موازية مثل بريكس.
وغياب الرئيس الصيني سوف يشكل ضربة لرئاسة الهند الحالية للتجمع متعدد الأطراف ووضع قمة نيودلهي. كما أنه يهز مكانة مجموعة العشرين باعتبارها منتدى القيادة العالمية البارز، وسط انقسامات عميقة بين أعضائها.
وروّجت الهند للقمّة تحت شعار “أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد”، لكن خلافات تسود في أوساط قادة بلدان مجموعة العشرين.
تاريخياً، لم يسبق لأي رئيس صيني أن تجاوز قمة مجموعة العشرين، مما يجعل هذا الغياب ذا أهمية كبيرة
ويتناقض غياب شي المقرر بشكل صارخ مع مشاركته التي خطفت الأضواء في قمة مجموعة بريكس التي انعقدت في جنوب أفريقيا في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي. وفي تلك القمة ترأس شي خطوة لتوسيع المجموعة، التي تعتبرها بكين منافساً للمنتديات العالمية التي تقودها الولايات المتحدة، من خمسة أعضاء إلى 11 عضواً.
ويشير تركيز بكين على توسيع بريكس إلى تفضيلها المتزايد للمنتديات التي تتمتع فيها بنفوذ أكبر وتواجه مقاومة أقل.
وربما تتمثل إستراتيجية الصين في التركيز على منصات دولية أكثر ملاءمة مثل منظمة شنغهاي للتعاون. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل.
ويقول محللون إنه من خلال تجنب مجموعة العشرين، فإن الصين لا تقلل من شأن المنظمة بقدر ما تقلل من نفوذها في تشكيل أجندة العالم.
وبحسب مدير معهد “إس.أو.أي.إس الصين” التابع لجامعة لندن ستيف تسانغ فإن تأكيد شي على العلاقات مع البلدان النامية يعكس جهود بكين الرامية إلى “خلق بديل للنظام الدولي الليبرالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية”.
ويقول تسانغ إن “عملية إعادة التنظيم صديقة للصين إن لم تكن متمحورة حول الصين، مع حشد الدعم وترسيخه في الجنوب العالمي”.
غياب الرئيس الصيني سوف يشكل ضربة لرئاسة الهند الحالية للتجمع متعدد الأطراف ووضع قمة نيودلهي
وأضاف أن “الصين لا يمكنها الهيمنة على مجموعة العشرين، وبالتالي لا تمنحها أولوية. لا أقول إن شي مناهض لمجموعة العشرين، كل ما هناك هو أنه لا يعتبرها بأهمية بريكس”.
وتاريخياً، لم تتخلف الصين قط عن حضور قمة مجموعة العشرين، مما يجعل هذا الغياب ذا أهمية كبيرة.
وكان القرار غير المتوقع الذي اتخذته الصين بتجنب انعقاد قمة مجموعة العشرين المقبلة في الهند بمثابة إنذار للنقاد الجيوسياسيين، ما يؤشر على تراجع اهتمام بكين بالتعاون الاقتصادي العالمي.
وعندما علم المسؤولون الغربيون أن الرئيس شي لن يشرف قمة مجموعة العشرين بحضوره، بدا الأمر وكأنه تتويج لمقاومة الصين لمدة عام كامل.
وبدلاً من ذلك، سيتعاملون مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ. ومع ذلك، حتى هذه الخطوة تم الإعلان عنها بشكل غامض، مما ترك العديد من البلدان في حالة من الجهل بشأن نوايا الصين.
وكانت مجموعة العشرين تاريخياً بمثابة منتدى القيادة العالمية الرئيسي الذي يجمع القوى العالمية لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المعقدة. ومن المحتمل أن يؤدي غياب الشخصية البارزة في الصين إلى تعريض نفوذ مجموعة العشرين للخطر خاصة وأن المنظمة كافحت لبناء إجماع حول المسائل الملحة مثل الرعاية الصحية وتغير المناخ.
استراتيجية الصين ربما تتمثل في التركيز على منصات دولية أكثر ملاءمة مثل منظمة شنغهاي للتعاون
وهناك تكهنات، وخاصة بين المحللين الهنود، بأن قرار الصين هو تكتيك محسوب للتغطية على رئاسة الهند في القمة. ونظراً إلى التوترات الحدودية القائمة بين الدولتين، فإن هذه الفرضية ليست مستبعدة.
ويدور نزاع حدودي منذ عقود بين بكين ونيودلهي، واندلعت مواجهات دامية على طول الحدود الشاسعة في منطقة الهيمالايا في السنوات الأخيرة.
كما أن الصين تشعر بالامتعاض من عضوية الهند في مجموعة “كواد” الرباعية التي تضم أستراليا واليابان والولايات المتحدة وترى فيها بكين محاولة لاحتواء نفوذها في آسيا.
ويشير أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رينمين الصينية في بكين شي ينهونع إلى أن الهند أبدت أخيراً أيضاً “معارضة أقوى لمطالب الصين في بحر الصين الجنوبي.. وصعدت حظراً أو قيوداً صارمة على صادرات الصين في مجال التكنولوجيا والاستثمارات المباشرة”.
وتاريخياً، لم يسبق لأي رئيس صيني أن تجاوز قمة مجموعة العشرين. ومع النفوذ العالمي الهائل الذي تتمتع به الصين، فإن لمشاركتها أو عدمها تداعيات.
ومع انتقال مجموعة العشرين من كونها منارة لصنع القرار الدولي (وخاصة بعد الأزمة المالية في عام 2008) إلى حالتها المحاصرة الحالية، فإن غياب الصين الواضح قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير.
وعلاوة على ذلك، وبينما تناقش القوى العالمية القضايا المالية العالمية، يظل السؤال قائما: ما مدى تأثير قرارات مجموعة العشرين في غياب ختم موافقة الصين؟