القاهرة – أحمد جمال
أثارت عودة المدير العام لوكالة الطاقة الذرية ونائب الرئيس المصري السابق محمد البرادعي عبر منصة “إكس” شكوكا كبيرة في مصر بشأن رغبة الرجل في قيادة دفة المعارضة في الخارج، خاصة وأن هذه العودة الإلكترونية تضمنت هجوما لافتا على النظام المصري، وتركيزا على الهنات والإخفاقات لاسيما في إدارة الوضع الاقتصادي.
واستعاد نائب الرئيس المصري السابق محمد البرادعي قدرا من نشاطه السياسي على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) أخيرا وتعددت تغريداته بشأن الأوضاع الداخلية السلبية في مصر بعد ابتعاده عن الأضواء منذ مغادرته القاهرة قبل عشر سنوات، ما أثار تساؤلات حول دوافع العودة قبل فترة وجيزة من إجراء انتخابات الرئاسة في مصر.
وكثّف نشاطه الإلكتروني في الكثير من القضايا الداخلية وتعمّد الاشتباك مع موضوعات ترتبط بالتحول الديمقراطي والإصلاح السياسي وإرسال إشارات قاتمة عن الوضع الراهن وما يترتب عليه من خطورة حال استمراره.
وتزايدت وتيرة التكهنات بشأن قيامه بتوجيه سهامه مباشرة للنظام المصري بعد أن كان يتجنب الصدام معه، وكانت تدويناته تثير الجدل من زاوية أنها تخلو من الوضوح المطلوب للتعرف على موقفه، ما يشي بأن تغييراً دفعه للانخراط في الهجوم.
وعبّرت تدوينة نشرها على منصة “إكس” هاجم فيها إجراءات الحكومة لتطوير المناطق الأثرية التي تخللها هدم بعض المقابر التاريخية في القاهرة عن عدم درايته التامة بالواقع، حيث تطرق إلى رفض المساس بالتراث تحت أي مبررات، وتجاهل أن الكثير من المناطق القديمة بحاجة إلى تطوير وإنقاذ من عوامل الإهمال.
فريدة النقاش: عودته من بوابة المعارضة من الخارج غير مؤثرة
وتساءل مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا “لماذا الإصرار ولو بحسن نية على تدمير هويتنا ومصريتنا بحجة تطوير التراث؟ التراث لا يتم تطويره وإنما يتم الحفاظ عليه كما هو رجاء كفانا جهلا.. استعينوا بأهل الخبرة”.ويتعامل البرادعي مع التطورات الراهنة بنفس أساليب الماضي حينما قدم نفسه للرأي العام باعتباره الرمز والمخلّص من مشكلات نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتناسى أن تجربته أثبتت أن هبوطه من الخارج سعيًا للتغيير لم تعد تلقى قبولاً في الداخل المليء بالأزمات المعيشية، والتناقضات التي وقع فيها من قبل وشريحة من الليبراليين الذين تصدروا المشهد مع ثورة يناير 2011 تجعل موقفه الحالي محل شك.
وحمل الاختفاء السابق ثم العودة المفاجئة دلالات سلبية في أذهان العقل الجمعي للمصريين، وقد تتخذ كدليل على وجود مصالح خفية توجه البوصلة صعوداً وهبوطًا.
وتزداد هذه الهواجس عندما تتلاقى المصالح السياسية الخاصة مع مساعي جماعة الإخوان التي ضاعفت من حملاتها ضد النظام المصري، مستفيدة من خطاب البرادعي وحملات التشهير التي يقوم بها معارضون آخرون.
وقالت النائبة في مجلس الشيوخ المصري فريدة النقاش إن اسم البرادعي لم يعد له حضور ظاهر بين المواطنين، وربما نسيه الرأي العام، عقب ابتعاده عن المشهد سنوات طويلة وتجاهله لما يجري في مصر، بجانب وقوعه في أخطاء سياسية عدة، كما أن عودته من بوابة المعارضة من الخارج غير مؤثرة بعد أن أثبت هذا النوع من الحراك عدم قدرته على إحداث تحولات في الداخل المصري.
وأضافت النقاش، وهي قيادية بحزب التجمع اليساري، لـ”العرب” أن المعارضة المصرية في الخارج ضعيفة وعاجزة عن استغلال حالة التفكك التي تعانيها معارضة الداخل لصالحها، وإن أقدمت على بعض التحركات التي تحاول من خلالها العودة من جديد لن تلقى قبولاً، ما يجعل الحكومة لا تخشى أي تحرك خارجي.
وتنشط بعض الشخصيات المناوئة للسلطة المصرية في الخارج في هذه الأثناء والعزف على وتر المشكلات الاقتصادية ومطبات الإصلاح السياسي، ومحاولة استثمارهما، وتجد في الغموض الذي يكتنف توقيتات الانتخابات الرئاسية وعدم إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي ترشحه رسميا حتى الآن سبيلاً لتوجيه الرأي العام ضده.
ودخل البرادعي على خط الإفراجات السياسية ونادى بمطالب أحزاب المعارضة بالإفراج عن جميع سجناء الرأي، واعتبر أن الأمر مقدمة لـ”التعافي” دون أن يوضح ماهيته، ونادى بضرورة “بناء سلطات الدولة المدنية وإعادة هيكلة مؤسساتها وفتح المجال أمام المجتمع المدني قبل الدخول في مرحلة التنافس الانتخابي”.
وذكر القيادي في الحزب الناصري محمد سيد أحمد أن البرادعي يرتبط في أذهان قطاعات كبيرة من المواطنين بمشاريع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وكان تنظيم الإخوان أحد الأدوات الرئيسية، ما أفقده القدرة على خلق قبول عام حاول أن يروج له عقب عودته إلى مصر قبيل ثورة يناير.
وأوضح سيد أحمد في تصريح لـ”العرب” أن نشاط نائب رئيس الجمهورية السابق يرتبط مباشرة بانتخابات الرئاسة مع نشاط ملحوظ لـ”الليبراليين الجدد”، وهؤلاء يتحركون في توقيتات مفاجئة، ما يفسر صمتهم في أوقات ونشاطهم في أوقات أخرى.
محمد سيد أحمد: نشاط نائب الرئيس السابق يرتبط مباشرة بانتخابات الرئاسة
ووجه التيار الليبرالي الحر انتقادات للنظام المصري، وقالت أحزاب وشخصيات منضوية تحت لوائه في بيان لها، الاثنين، إنها تدرس تحدي الرئيس السيسي في الانتخابات المقبلة، لكنها ربطت مشاركتها بمصير القيادي في التيار هشام قاسم، وما توفره الحكومة من ضمانات لإجراء انتخابات حرة.
وأشار سيد أحمد إلى أن الحالة المصرية في ظل المعاناة الاقتصادية من المفترض أن يجري التعامل معها بإيجاد حلول والضغط لأجل تحسين الأوضاع وليس من خلال قلب الطاولة والدفع نحو تغيير الأنظمة وفقًا لأدوات ثورية ما يجعل تدوينات البرادعي تفتقد إلى التأييد المحلي مع إدراك المواطنين لصعوبة حياتهم المعيشية.
وتعرض البرادعي لانتقادات من وسائل إعلام مصرية قريبة من الحكومة واتهامات ببناء تحالفات مع أقطاب معارضة في الخارج، في إشارة إلى تنظيم الإخوان، ما دفعه لتوجيه سيل من التدوينات المعارضة للحكومة بشكل مفاجئ، وتم التركيز على غيابه فترات طويلة عن المشهد العام منذ أن استقال من منصبه كنائب للرئيس المصري ومغادرته إلى النمسا عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس 2013.
وحاول الرجل تسليط الضوء على التجربة التركية باعتبارها “نموذجا ديمقراطيا”، والإسقاط على الحالة المصرية دون الغوص في تفاصيل ما يدور في تركيا أو ما يحدث في مصر، ما أوحى بأن خطابه يتكاتف ضمنيا مع تنظيم الإخوان.
وقارن بين صورة دعائية أظهرت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واقفًا في طابور لجنته الانتخابية أثناء الانتخابات الأخيرة وبين تعرضه للاعتداء على يد مجهولين خلال مشاركته في أحد الاستفتاءات على الدستور المصري نحو قبل عقد، معتبرا في تدوينته التي سخرت من الأوضاع المصرية أن “الديمقراطية المصرية باينة (ظاهرة) من أولها”، في إشارة توحي بعدم توقع حدوث تغيير.
المصدر العرب