كريتر نت – متابعات
تواجه صفقة بيع شركة الشرقية للدخان، المعروفة بـ”إيسترن كومباني” والمملوكة للحكومة المصرية، شبهة احتكار لمصلحة كيانات أجنبية في السوق المحلية التي تتنافس للاستحواذ على نسبة تطرحها السلطات للبيع، كمنفذ لتدفق الدولار إلى البلاد.
وتتنافس شركتا تبغ عالميتان على شراء حصة في الشركة الشرقية للدخان، وهي أكبر مُصنّع للسجائر في مصر، في إطار تنفيذ توجيهات الحكومة لتوسيع قاعدة ملكية كياناتها ببيع أسهم منها في البورصة، وجذب العملات الأجنبية إلى خزينة الدولة كهدف رئيسي.
وتعد الشرقية للدخان من خارج الشركات الـ32 التي وضعتها الحكومة ضمن قائمة برنامج الطروحات، لكنها من المؤسسات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام التي شرعت الدولة في التخلي عن حصص منها في سوق الأوراق المالية الأعوام الماضية.
وتلقت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، المالكة لنصف أسهم الشرقية للدخان، عروضا من مستثمرين أجانب لشراء حصة تصل إلى 30 في المئة من إجمالي حصتها البالغة 50.95 في المئة.
ويجرى التفاوض حاليا مع مقدميها لاختيار أفضلها، مع العلم أن تنفيذ الصفقة يرتبط بإجراء الفحص النافي للجهالة.
وتقدمت الشركة اليابانية الدولية (جي.تي.آي) المملوكة بنسبة 33 في المئة للحكومة بعرض استحواذ على الحصة، ردا على عرض قدمته شركة المتحدة لصناعة التبغ ـ موريس وهي ذراع شركة فيليب موريس الأميركية في مصر، وتعد أكبر منتج للتبغ في العالم وتسيطر على غالبية أسهم الأولى.
وتعمل الشرقية للدخان بالفعل عن كثب مع شركة المتحدة للتبغ التي يسهم فيها مستثمرون من الإمارات، إذ استحوذت الأولى على الثانية العام الماضي بنسبة 24 في المئة مقابل 100 مليون جنيه (نحو 3.2 مليون دولار).
وجاءت صفقة الاستحواذ كجزء من اتفاقية وقّعتها الشركة التابعة لموريس مع الشرقية للدخان لتصنيع السجائر محليًا، ما جعل المتحدة هي ثاني كيان لتصنيع التبغ محليّا.
إبراهيم إمبابي: شعبة الدخان تخاطب الحكومة للوقوف على مسافة واحدة
وثمة صراع بين الشركتين العالميتين خوفا من سيطرة إحداهما على السوق، ففي حال فوز موريس بالصفقة سترتفع حصتها في السوق. كما ستصبح لها الهيمنة في منظومة تصنيع وتوزيع الماركات الأجنبية من السجائر التي تحتكرها الشرقية للدخان، بما في ذلك منتجات جي.تي.آي.
وحال قيام جي.تي.آي باقتناص الحصة سيتم تمثيلها في مجلس إدارة المتحدة لصناعة التبغ – موريس ومن ثم تصبح شريكًا لمنافسها الشرس في السوق.
وهذا من شأنه أن يغيّب التنافسية في السوق المحلية، إذ يسمح بطرح منتجات بأسعار يتم التوافق عليها بين الطرفين دون النظر إلى مصلحة المستهلك.
وتسيطر الشرقية للدخان على حصة تصل إلى نحو 70 في المئة من السوق المصرية حاليا، ويسيطر الأجانب على نحو 30 في المئة.
وحال إتمام الصفقة ستؤول الهيمنة إلى الأجانب لكن باسم “الشرقية”، وستكون الإدارة مسؤولية المستثمرين الجدد المزمع شراؤهم حصة جديدة، فيما يمثل دور الحكومية التنظيم والإشراف.
ولا تزال الحكومة المصرية متمسكة بالحفاظ على حصة حاكمة، تنوي ألا تقل عن 35 في المئة من الشرقية للدخان، ما يعني أن الشركة القابضة للصناعات الكيماوية تظل المساهم الأكبر في الكيان القائم، ولها الحق في التصويت بالقضايا الرئيسية الخاصة بالشركة.
لكن الأهم في خضمّ ذلك أن تصمد السلطات عند هذا الموقف حتى لو تقدم مستثمر آخر بعرض مغرٍ.
ويأتي هذا بعد صراع مرير بين الشركتين على الرخصة الوحيدة التي طرحتها الحكومة لتصنيع السجائر في مصر خارج الشرقية للدخان وفازت بها فيليب موريس، حيث تمتلك الشركة المصرية النسبة السالفة من الشركة الجديدة (المتحدة لصناعة التبغ).
وتصل الحصة التي تتفاوض عليها المتحدة ـ موريس إلى نحو 33 في المئة وبعد خصم حصة الشرقية للدخان ستصل إلى 30 في المئة، وفضلا عن صراع شركات التبغ العالمية هناك عرض خليجي منافس يترقب، ربما يتقدم بعرض يقلب الموازين قريبا.
وتقدر قيمة الشرقية للدخان بنحو 1.3 مليار دولار، وتتوزع ملكيتها بين الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بحصة 50.95 في المئة وصندوق استثمار آلان جراى الجنوب أفريقي المالك لنحو 7.2 في المئة من الأسهم.
◙ تنافسوا مثلما شئتم لكن لا تنسوا حصتنا
كما يملك اتحاد العاملين المساهمين نحو 5.2 في المئة من الشركة المصرية، أما الحصص المتبقية فحرة التداول في البورصة المصرية.
ولم تفصح الشركة أو الحكومة عن القيمة المالية للصفقة، لكن مصادر مطلعة كشفت لـ”العرب” أنها متقاربة من حيث التسعير للشركتين العالميتين.
وأكدت المصادر أن الامتيازات التي يمكن للحكومة الحصول عليها، بخلاف السعر من الشركة الفائزة، يمكن أن تلعب دورا مهما في حسم قيمة الصفقة.
وقال رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات المصرية إبراهيم إمبابي لـ”العرب إنه “مع قرب القيمة المالية للعرضين، فإن الشعبة بصدد مخاطبة مجلس الوزراء والجهات الرقابية للوقوف على مسافة واحدة منهما، لأن الشرقية تمتلك نحو 24 في المئة من أسهم المتحدة للتبغ”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها رغبة الحكومة لبيع حصتها في الشرقية للدخان، فقد ترددت معلومات في يونيو الماضي بأن مؤسسة خليجية حكومية أبدت اهتمامها بشراء حصة تتراوح بين 25 و30 في المئة من الشركة المصرية، لكن لم يطرأ جديد حول هذه الصفقة.
خالد الشافعي: تخارج الحكومة يعزز الموقف المالي والاستثماري للشركة
وشهد الطرح الخاص الذي قامت به الشرقية للدخان عام 2019 ومثّل نحو 4.5 في المئة من أسهم الشركة، استثمار رجال أعمال خليجيين نحو 400 مليون جنيه (12.9 مليون دولار، بسعر الدولار الرسمي حاليًا).
وهذا الرقم يمثل أكثر من 25 في المئة من قيمة ذلك الطرح الذي تمت تغطيته في وقت قياسي وتفاجأ به المتعاملون في سوق المال.
وأوضح إمبابي لـ”العرب” أن مصر تفتح باب الاستثمار المحلي والأجنبي في سوق التبغ والسجائر، لأن هذا القطاع بات من أهم ركائز الاقتصاد ومصدرا مهما لتدفق وجذب العملات الأجنبية، وساهم في تعظيم عوائد الضرائب والجمارك في البلاد.
وباتت الشرقية للدخان مهددة ببيع حصتها في المتحدة للتبغ التي يملكها مستثمرون إماراتيون مع فيليب موريس.
وينص الاتفاق بين الشركتين على أنه حال قيام أيّ شركة تبغ مصرية أو أجنبية ببيع حصة تصل إلى 10 في المئة من الشرقية يحق لباقي ملاك المتحدة شراء حصتها في شركتهم بالقيمة الإسمية، إضافة إلى مبلغ 108 ملايين دولار.
وأكد مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي لـ”العرب” أن تخارج الحكومة من الشرقية للدخان يدعم موقف الشركة المالي والاستثماري، لأن الكيان الأجنبي يمتلك مقومات تؤهله لاستيراد الخامات، ويملك خطة تطوير تركز على زيادة الإنتاج.
وأوضح أن الوقت الحالي يمثل عنق زجاجة لمستقبل الشركة وعلاقتها بالحكومة، ويمكن أن تتنازل الحكومة أو تتمسك بها، لأن هذا المنتج من السلع الأساسية لدى المصريين، لكن المؤكد أن الإدارة ستصبح من خلال القطاع الخاص بعد بيع حصة جديدة من الشركة.
وحققت الشرقية للدخان أرباحا بلغت نحو 5.29 مليار جنيه (171 مليون دولار) في الفترة من يوليو 2022 ومارس 2023، مقابل أرباح بلغت 137.3 مليون دولار قبل عام.