كريتر نت – متابعات
يجد تكتل بريكس، بعدما أعلن قادته توسيع تحالفهم ليضم دولا جديدة، زخما متزايدا لدى دول القارة الأفريقية الباحثة عن مصادر تمويل جديدة تنتشل اقتصاداتها، حسب بعض زعماء القارة، من هيمنة ديون صندوق النقد والبنك الدولييْن.
ويسلط الحضور الأفريقي الكبير في قمة مجموعة بريكس الضوء على إصرار القارة السمراء على الانخراط في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بعد أن أرهقت المؤسسات المالية الحالية، وتحديدا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اقتصاداتها وأثقلتها بالديون.
ويرى العديد من الزعماء الأفارقة أن هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي تقوض نمو دولهم الاقتصادي، خاصة بعد أن أدى ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية والغزو الروسي لأوكرانيا إلى تعزيزه مقابل تراجع جل العملات الرئيسية وزيادة كلفة استيراد السلع المسعرة به. وأدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى إضعاف القارة؛ حيث تواجه حوالي عشرين دولة مديونية مفرطة أو في طريقها إلى ذلك. وهو وضع يختلف عن أزمة الثمانينات والتسعينات، ولكنه يهدد مرة أخرى بتقويض آفاق التنمية في منطقة تعيش في خضم طفرة ديمغرافية.
ويقول الأستاذ في جامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا كارلوس لوبيز “تعتبر أزمة الديون هذه دولية؛ فجميع مناطق العالم معنية، وفي أفريقيا تعد المبالغ صغيرة للغاية. تخيل أن جميع مدفوعات خدمة الديون في أفريقيا جنوب الصحراء (البالغة 21.4 مليار دولار في سنة 2022 وفقا لوكالة فيتش) تعادل تقريبًا ما تم طرحه على الطاولة في الولايات المتحدة لإنقاذ بنك وادي السيليكون!”. وتابع “لقد أصبح من الصعب أكثر فأكثر على عدد معين من البلدان الوفاء بقروضها بسبب نقص السيولة المتاحة لأفريقيا. باختصار، لا تكمن المشكلة في حجم الدين بقدر ما تكمن في القدرة المالية على سداده”.
◙ تكتل بريكس بات بمثابة ممول تزداد أهميته للتنمية في قارة أفريقيا التي تحمّل الغرب مسؤولية تدهور اقتصاداتها
ومن بين الأمور التي ناقشتها الكتلة إلغاء الدولرة وسبل زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة، على الرغم من أن الخبراء يشككون في فاعلية فكرة العملة المشتركة. وأنشأت الكتلة بنك بريكس، وهو مؤسسة على غرار البنك الدولي، تطمح إلى الوصول إلى 30 في المئة من الإقراض بالعملات المحلية بحلول عام 2026، وهو خيار يجتذب الكثير من الدول الأفريقية.
ووفق رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا موّل البنك مشاريع البنية التحتية في جنوب أفريقيا بقيمة 100 مليار راند، أي حوالي 5.3 مليار دولار. وانضمت مصر إلى البنك في فبراير للمساعدة على تخفيف النقص في الدولار. وقال وزير التموين المصري علي المصيلحي في يونيو الماضي إن القاهرة تنوي سداد ثمن الواردات من الهند والصين وروسيا بعملاتها المحلية بدلا من الدولار.
وبات تكتل بريكس بمثابة ممول تزداد أهميته للتنمية في دول عديدة أبرزها الدول الأفريقية. وفي عام 2014 دشنت مجموعة بريكس بنك التنمية الجديد برأس مال ابتدائي قدره 50 مليار دولار كبديل للبنك والصندوق الدوليين. ولم يتوقف الأمر على ذلك بل قامت المجموعة بإنشاء صندوق احتياطي للطوارئ لدعم الدول الأعضاء التي تكافح من أجل سداد الديون بهدف تجنب ضغوط السيولة.
ولم تجذب هذه المشاريع دول مجموعة بريكس فقط، بل أيضا العديد من الاقتصادات النامية والناشئة الأخرى التي عانت من تجارب مؤلمة تحت وطأة برامج التقشف القاسية من قبل صندوق النقد الدولي. وقد لعب ذلك دورا في تزايد اهتمام المزيد من الدول بالانضمام إلى المجموعة. وتمثل دول بريكس أكثر من 40 في المئة من سكان العالم. وتجاوزت في شهر مارس مجموعة السبع من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
◙ دول بريكس تعتزم تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع العديد من دول القارة الأفريقية
وتمثّل دول بريكس مليارات الأشخاص عبر ثلاث قارات، مع اقتصادات تشهد مراحل متفاوتة من النمو، لكنّها تتشارك أمراً واحداً: ازدراء نظام عالمي تقول إنّه يخدم مصالح القوى الغربية الغنية. وهكذا، فإن دول بريكس تعتزم تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع العديد من دول القارة الأفريقية وتوفير التمويل المطلوب لتطوير البنية التحتية في القارة. وأعلن قادة مجموعة بريكس الخميس فتح باب العضوية أمام ست دول جديدة اعتباراً من العام المقبل إلى نادي كبرى الاقتصادات الناشئة التي تضم أكبر التكتلات السكانية وتسعى إلى إعادة تشكيل النظام العالمي.
واتفقت دول بريكس، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، في قمتها السنوية بجوهانسبورغ على منح الأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة العضوية الكاملة اعتبارا من 1 يناير 2024. ويعتبر إدراج المملكة العربية السعودية -أكبر مصدر للنفط في العالم- إلى جانب روسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة والبرازيل، جمعاً للعديد من كبار منتجي الطاقة مع أكبر المستهلكين في العالم النامي.
◙ الدول الناشئة خاصة تلك التي تطلعت إلى تحقيق النمو الاقتصادي واصطدمت بنظام عالمي جائر ترى في بريكس السبيل لتعافي اقتصاداتها
وهذا المزيج يمنح المجموعة نفوذاً اقتصادياً هائلاً؛ وبما أن معظم تجارة الطاقة في العالم تتم بالدولار، فإن التوسع يمكن أن يعزز أيضا قدرتها على دفع المزيد من التجارة إلى عملات بديلة. وتحرص الصين، ثاني أكبر اقتصادات العالم، على رؤية توسع سريع للمجموعة، لكن فوائد الانضمام إلى مجموعة بريكس تتضاءل إلى حد ما مع مواجهة الصين للانكماش الاقتصادي وتحول روسيا إلى دولة منبوذة.
وتقتصر التجارة بين أعضاء بريكس على نحو 6 في المئة فقط من الإجمالي الذي سجلته المجموعة. وتعدّ نيجيريا، المنتمية إلى حركة عدم الانحياز، أكبر اقتصاد في أفريقيا. وتدعم مناداة الكتلة بإصلاحات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتريد أيضا تعزيز الشراكات الغربية. وفكرت في الانضمام إلى مجموعة بريكس. لكن المسؤولين النيجيريين اختاروا إبقاء الأولوية مقتصرة على الأزمات المحلية المتعددة في الوقت الحالي، بدلا من التركيز على الانضمام إلى مجموعة بريكس.
ويرى الخبير الاقتصادي مراد كواشي أن “الكثير من الدول الناشئة، خاصة الدول التي تطلعت سابقاً إلى تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي ثم اصطدمت بنظام عالمي جائر وأصبحت تبحث عن بدائل أخرى لإقامة شراكات اقتصادية وتحقيق رخاء اقتصادي منشود، ترى في بريكس المخلص والمنقذ والسبيل لتعافي اقتصاداتها، لأن المجموعة قدمت العديد من الإستراتيجيات الاقتصادية، وهناك بنك التنمية الذي يبلغ رأس ماله نحو 100 مليار دولار، ويساعد في تمويل مشاريع البنى التحتية في الدول الأعضاء وغير الأعضاء، إضافة إلى وجود اقتراحات تقضي بإنشاء عملة بديلة للتخلص من سيطرة الدولار”.
وبدوره يقول الخبير الاقتصادي المصري أشرف غراب إن “الدول تسعى للانضمام إلى بريكس لإنهاض اقتصاداتها عن طريق تعزيز الشراكات الاقتصادية مع الدول المؤسسة للمجموعة، إضافة إلى زيادة حجم تبادلها التجاري، فضلاً عن الهروب من سيطرة الدولار على الاقتصادات الدولية باعتباره العملة الاحتياطية الأولى”.