كريتر نت – متابعات
تستعد هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية لتنظيم الدورة الثالثة من “مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة”، والمُزمَع إقامته خلال الفترة من السابع إلى التاسع من ديسمبر المقبل تحت عنوان “القيم العابرة للثقافات والتحديات الأخلاقية في العصر التواصلي”، وسط مشاركة واسعة من المختصين في الفلسفة ونظرياتها، والمهتمين بتطبيقاتها الحديثة من جميع أنحاء العالم.
ويسعى المؤتمر في نسخته الثالثة عبر موضوعه الرئيسي إلى فحص ومناقشة العلاقة المتبادلة بين القيم العابرة للثقافات والقضايا الأخلاقية المرتبطة بها في ظل العالم التواصلي بشروطه الجديدة، واستكشاف الطرق التي يُمكن للثقافات المختلفة أن تتفاعل وتتواصل من خلالها، مع الحفاظ في الوقت عينه على قيمها وهوياتها الفريدة.
كما يناقش القضايا من منظورٍ فلسفي أصيل، ويبحث في انعكاس القيم الإنسانية على طبيعة التصورات الفلسفية الراهنة، ويسبر أغوار الفلسفة وقدرتِها على معالجة مختلف القضايا والقيم العابرة للثقافات عبر مساراتها المتعددة.
ويتناول المؤتمر شتى أنواع القضايا الفلسفية من خلال 11 محورا رئيسيا يتفرع منها أكثر من 70 محورا ثانويّا، والتي بدورها تغطي الموضوع الرئيسي للمؤتمر، ومن أبرزها؛ الإطار الفلسفي للقيم العابرة للثقافات: الآثار النظرية والمنهجية والعملية. كما يقدم فحصا فلسفيا للقيم العابرة للثقافات: المقاربات الكلاسيكية والمعاصرة، علاوة على بحثه في قضية الأخلاق العابرة للثقافات في السياق التاريخي: الأخلاق المعيارية والأخلاق الماورائية (الميتافيزيقية) والأخلاق التطبيقية، بينما يدرس كذلك العدالة والتشريع في عالم متعدد الثقافات: الحقوق والأخلاق والآخر، وفلسفة الهوية: الذات والآخرية والبناء الثقافي.
وكذلك يطرح المؤتمر محور النسبية الأخلاقية في مواجهة المعايير العالمية: التقييم النقدي والمقارنة بين الثقافات، وفلسفة الدين والأخلاق: وجهات نظر عَبْر ثقافية حول الدين والأخلاق، والأخلاق والمسؤولية في عصر تكنولوجيا التواصل: تساؤلات فلسفية حول الواقع الافتراضي والتقنيات الناشئة. إضافةً إلى محور الجماليات العابرة للثقافات: الفن، والابتكار، والخيال، ومحور الوعي التاريخي في عصر العبور الثقافي. وأخلاقيات الحياة الطيبة ومستقبل الإنسانية: الأخلاق والتكنولوجيا وما بعد الإنسانية.
ويسعى “مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة” الذي يقام سنوياً بمدينة الرياض منذ 2021 إلى بناء شراكات إستراتيجية مع جميع الجهات المعنية من القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية، إضافةً إلى مدّ جسورٍ راسخة فيما بينها قائمة على أسس فكرية ومعرفية مشتركة، وإيجاد مساحة حوارية سنوية تُناقش من خلالها مستجدات علم الفلسفة وتطبيقاته الحديثة، وإتاحة محتوى فلسفي متعدد الأبعاد والآفاق موجَّه لجميع الفئات المجتمعية، كما يهدف كذلك إلى بناء جسرٍ تواصليّ بين المؤسسات الناشطة بمجال الفلسفة من مختلف دول العالم، ودفع عجلة البحث العلمي والأكاديمي في هذا المجال الإبداعي.
ومثّل المؤتمر منذ انطلاقه في السعودية حدثا استثنائيا، إذ أكد رئيس المؤتمر العالمي للفلسفة لوكا ماريا سكارانتينو خلال مشاركة سابقة له في هذا الحدث أن دعوة الفلاسفة إلى المملكة لها أثر كبير يتجاوز حدودها إلى بقية دول العالم، مشيداً بدور الجزيرة العربية منذ الأزل في نقل الثقافات والعلوم الفلسفية، حيث كانت جسراً ثقافياً لربط العالم العربي ببقية دول العالم.
من جانبه أوضح الدكتور محمد حسن علوان، الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، في تصريح سابق أن المهمة الرئيسية للمؤتمر تتمحور حول تعزيز حضور الفلسفة في المجتمع، وتداولها على أوسع نطاق عبر النقاشات الفلسفية المتنوعة التي سيقدمها ضيوف المؤتمر من المفكرين والنقاد العالميين رفيعي المستوى الذين سيتناولون المفاهيم الفلسفية الأساسية والمعاصرة من محاور متعددة، وبما يكفل تعزيز التفكير الفلسفي وأساليبه وأدواته في مجتمعنا.
ويؤدي الفلاسفة دورا مهما جدا في توضيح التحديات المعاصرة، لاسيما التحديات المتعلقة بالأخلاقيات والعدالة، إذ تعد مسائل التفكير النقدي والاستشراف والمنطق الأخلاقي عناصر مهمة جداً لبناء المجتمع السليم، وهذا ما حفّز المؤتمر السعودي على تعزيز المنظور الفلسفي في جميع برامجه مراهنا على الدور الثقافي والاخلاقي والمعرفي للفلسفة اليوم.
وتهتم السعودية بشكل كبير بالفلسفة التي كانت قبل سنوات غائبة عن الساحة الثقافية والتعليمية في المملكة، وفي هذا الإطار تأسست منذ ثلاث سنوات أول جمعية فلسفية مرخصة في تاريخ السعودية، ولقي الخبر صدى واسعا على موقع تويتر في خطوة اعتبرها مغردون سعوديون بداية الإجهاز على إرث الفكر الصحوي الذي لطالما حرّم التفكير النقدي وخاصة الفلسفة.
وبدأت الفلسفة خاصة مع المؤتمر السنوي الذي تعقده الهيئة، في الانتشار شيئا فشيئا في الساحة الثقافية كرافد هام من روافد المعرفة النقدية وتعزيز الانفتاح والتفكير الإيجابي ونبذ الانغلاق والتطرف، والتحفيز على نقاش أبرز القضايا الراهنة من زوايا مختلفة تؤصل التفكير الفلسفي وتعزز مكانته أداة لتثمين الماضي والقيم والتطلع إلى مستقبل منفتح على الآخر ومعتز بالذات، وخاصة عبر الإيمان بالدور القيَمي والأخلاقي والجمالي الذي يمكن للفلسفة أن تلعبه باقتدار.