كريتر نت – متابعات
اعتبر خبراء اقتصاد أن شركات الصرافة بمصر باتت تسير في طريق غامض يمكن أن يهدد مستقبل عملها في السنوات المقبلة، بعد وضع مجموعة من الضوابط الجديدة بمعرفة البنك المركزي المصري بهدف تنظيم نشاطها في السوق مع احتدام أزمة سعر الصرف في البلاد وعودة السوق الموازية (السوداء) للازدهار مجددًا.
وخطت الحكومة المصرية خطوة كبيرة نحو مواجهة السوق الموازية المعروفة بـ”السوداء” التي تعمل في مجال تجارة العملة الأجنبية في البلاد، بعد إرجاء البنك المركزي قرار تحرير سعر صرف الجنيه إلى وقت لاحق، لم يحدد موعده، وقررت تضييق الخناق على الكيانات العاملة في سوق الصرف من خلال مجموعة قواعد صارمة، ربما تفضي إلى طرد العديد من الشركات خارج السوق.
وأصدر البنك المركزي المصري ضوابط جديدة لشركات الصرافة العاملة في السوق المحلية، كمحاولة للقضاء على النشاط المتنامي للسوق الموازية، إذ ترتبط بقواعد الترخيص والرقابة والإشراف عليها لتطوير أدائها وضبط سوق الصرف.
ويتعين، وفقًا للتعليمات الجديدة، على شركات الصرافة زيادة رأسمالها المصدر والمدفوع إلى نحو 800 ألف دولار، وهي زيادة بمقدار 5 أضعاف الحد الأدنى الحالي البالغ 160 ألف دولار، وتم إعطاء الشركات وقتًا معلومًا لتمكينها من الالتزام بالإجراءات الصادرة إليها.
عز حسنين: القضاء على السوق الموازية يتحقق بوفرة الدولار وليس بالإجراءات
ومنح البنك المركزي شركات الصرافة مهلة لتوفيق الأوضاع لمدة عام من تاريخ صدور التعليمات للالتزام بالمتطلبات الواردة بها، باستثناء الحد الأدنى لرأس المال والذي يتعين استيفاؤه بحد أقصى 15 سبتمبر المقبل.
وجاء رفع الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال لشركات الصرافة كجزء من جهود البنك المركزي لتنظيم سوق العملات، وإحدى طرق القيام بذلك السماح فقط للشركات المؤهلة والموثوقة بالعمل في هذا القطاع.
وعلى الرغم من أهمية الإجراءات وقدرتها على تحقيق نتائج إيجابية، إلا أنها واجهت تحذيرا من الخبراء بأنها قد تعرض بعض شركات الصرافة للغلق، خاصة تلك التي تتكبد خسائر ولن تتمكن معها من الوفاء بمتطلبات رأس المال الجديدة، ما يدفعها إلى التخارج من السوق.
ويبلغ عدد شركات الصرافة العاملة في السوق المصرية نحو 81 شركة بين شركات تابعة للبنوك وأخرى خاصة، وانخفضت من 120 شركة بسبب توالي الخسائر التي تكبدتها نتيجة تفضيل العملاء التعامل في السوق الموازية الفترة الماضية.
وأكد البنك المركزي الخميس، أن القواعد الجديدة تم إعدادها وفقًا لأفضل الممارسات الدولية المُتبعة في هذا الشأن وبما يلائم أعمال شركات الصرافة بمصر.
كما تم تحديث قواعد الرقابة والإشراف المُطبقة على شركات الصرافة وإدراج بعض المتطلبات المهمة، ومنها متطلبات أنظمة التشغيل الآلية والحوكمة، وكذلك قواعد التملك في رؤوس أموال تلك الشركات والاندماج والأنشطة المصرح بها.
وأثنى الخبير الاقتصادي مدحت نافع على الإجراءات والضوابط الجديدة، مؤكدا أن البنك المركزي يتحرك في مثل هذه الملفات بشكل مرتبط بالواقع، ووفق تقارير وشكاوى من مباحث الأموال العامة ترد إليه على الدوام.
وقال عضو بشعبة الصرافة بالغرفة التجارية للقاهرة، طلب عدم ذكر اسمه، إن الضوابط الجديدة يترتب عليها خروج أكثر من نصف الشركات العاملة حاليًا في القطاع، مطالبًا بمنح مهلة أكبر للشركات من قبل البنك المركزي المصري.
وكشف في تصريح لـ”العرب” عن ترتيب الشعبة لقاء مع محافظ البنك المركزي حسن عبدالله لمناقشة الإجراءات الجديدة حفاظًا على مستقبل قطاع الصرافة والعاملين فيه.
وتسعى مصر لتضييق الخناق على السوق الموازية للعملة عبر تشديد الإجراءات المنظمة لعمل شركات الصرافة، مثل منعها من القيام بأنشطة تجارية خارج مقارها، ما يمثل ضربة قوية للسوق السوداء، بالتالي فإن تجار السوق السوداء يمكن أن يواجهوا صعوبة بالغة في استخدام معدات مثل أجهزة كشف النقود المزيفة.
وارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية الأشهر الماضية قبل أن يهبط أخيرا، مع تزايد التوقعات بتراجع الجنيه عندما ينتعش الإقبال على الاستثمار.
ويصل سعر الصرف الرسمي حاليًا إلى نحو 30.95 جنيه للدولار في عدد من البنوك، فيما انخفض تداول الجنيه بالسوق غير الرسمية إلى نحو 33 جنيهًا، متراجعًا من مستويات 38 و42 جنيهًا.
وأضاف نافع في تصريح لـ”العرب” أن هناك الكثير من مجريات السوق دفعت البنك المركزي لاتخاذ قراراته المنظمة لسوق الصرف منها الأزمات الحالية، فضلاً عن أن عددا من شركات الصرافة كانت من الأنشطة المفضلة لجماعات الإسلام السياسي خلال السنوات الماضية.
30.95 جنيه للدولار الواحد في عدد من البنوك، فيما انخفض تداول الجنيه بالسوق غير الرسمية إلى نحو 33 جنيهًا
وضبط قطاع الصرافة في مصر ليس بالأمر الجديد، لاسيما أن البنك المركزي اتخذ إجراءات صارمة ضد شركات الصرافة عقب تخفيض قيمة الجنيه عام 2016 عندما أصبح العديد من هذه الشركات بمثابة باب خلفي للسوق الموازية.
وأشار نافع إلى أن الكثير من الشركات تعمل من المنازل دون أن يكون لها مقر رسمي معلوم، ومن ثم يتم تنظيم ضوابط عملها حتى لا تزيد فوضى سوق الصرف، لافتًا إلى أنه من خلال رأس المال الجديد يمكن تدشين نحو 5 فروع، أي برأسمال يبلغ نحو 160 ألف دولار للفرع الواحد.
وتنص الضوابط الجديدة على إغلاق البنك المركزي لشركات الصرافة حال علقت نشاطها أو نفذت عملية اندماج من دون موافقته، أو لم تستوف الالتزامات المقررة أو تقوم بتنفيذ سياسات تزعزع استقرار سوق الصرف.
وأوضح الخبير المصرفي عز حسنين أن البنك المركزي يسعى للقضاء على التلاعب الذي أدى إلى نشوب أزمة كبيرة بسعر صرف العملة، وهذه الضوابط تعد واحدة من الطرق التي تمكن البنك المركزي من تنظيم سوق الصرف إلى حد كبير.
وتأتي خطوة وجود رأسمال قوي لشركات الصرافة لتعزز من قدرتها على الحركة لمواجهة أزمة السيولة الطارئة، وهو أمر ضروري لضمان قدرتها على العمل، وهي بمثابة ضمان بألا تلجأ إلى ممارسات خاطئة ومنها المضاربات في السوق السوداء.
وذكر حسنين في تصريح لـ”العرب” أنه رغم إيجابية القرارات لكن القضاء على السوق السوداء للعملة لن يتم إلا بوفرة الدولار في البلاد وتحسين ميزان المدفوعات، ولذلك يجب التركيز على تنمية الصادرات والاهتمام بالصناعة المحلية وغيرهما من العوامل التي تحقق تدفق الدولار أو تخفيف الضغط على العملة الصعبة.
كما تنص شروط الحصول على ترخيص وتسجيل شركات الصرافة أيضًا أن يكون الشكل القانوني شركة مساهمة مصرية، وغرض الشركة الوحيد مزاولة عمليات الصرافة المتمثلة في شراء النقد الأجنبي وبيعه لحساب الشركة، وأن تتوافر في المؤسسين والمستفيدين النهائيين من الأشخاص الاعتبارية والنزاهة وحسن السمعة والملاءة المالية.