كريتر نت – متابعات
لم تخيب نتائج محادثات مدينة جدة السعودية بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع توقعات بعض المراقبين لتطورات الأوضاع، حيث حققت تقدما طفيفا في مسألة التهدئة لدواع إنسانية بعد ضغوط مارستها الوساطة السعودية – الأميركية على الطرفين، وتركت الصراع مفتوحا على احتمالات متباينة.
يأتي هذا فيما يقول مراقبون إن اتفاق جدة ركز على مساعي إنهاء الحرب، لكن بدا وكأنه أخلى مسؤولية الطرفين عن استهداف المدنيين دون ضوابط ودفع عشرات الآلاف إلى الهروب خارج السودان.
وتتناسب الحصيلة المحدودة لاجتماعات جدة مع طبيعة الصراع بين قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حمديتي)، اللذين يرى كلّ منهما أنه قادر على حسم الصراع عسكريا، وأن أيّ تنازل يعني خسارة سياسية.
وفي كل المرات التي شهد فيها السودان صراعا أهليا وحروبا مناطقية ثم محادثات ومفاوضات وصولا إلى السلام، كان الذهاب إلى الطريق الأول أكثر سهولة من الثاني، إذ تنطلق المعارك لفترة طويلة ويجلس المتصارعون فترة أطول للاتفاق.
وعرف السودان حالات عديدة لنقض الوعود والعهود السياسية، ما يعني أن الاتفاق المبدئي لا يعني نهاية المطاف، فالصراع الراهن بين البرهان وحميدتي جاء بعد توقيع الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الماضي والتفاهم على توقيع اتفاق سياسي نهائي في الأول من أبريل الماضي.
غير أن مراوغات رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش أفضت إلى صدام مسلح مع قائد قوات الدعم السريع، والذي خشي من وقوع انقلاب عسكري جديد تقوم به فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير ويقلب الطاولة على العملية السياسية.
وما جعل التفاهم صعبا بين الوفدين في جدة أن كل طرف يعتقد أن المرحلة التي وصلت إليها الأوضاع في الميدان لن تسمح بجني ثمار ما قدمه من تضحيات.
وتعتبر قوات الدعم السريع استمرار حياد قوى إقليمية ودولية خسارة للبرهان، والذي كان ينتظر دعما واسعا يمكّنه من التخلص من حميدتي، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وتزداد هذه الوضعية صعوبة مع عدم قدرة محادثات جدة على تحقيق اختراق يمهد لوقف حقيقي لإطلاق النار، واقتصارها على تهدئة لدواع إنسانية يعزز التحديات التي سيواجهها المجتمع الدولي لعدم قدرته على اتخاذ إجراءات رادعة بحق الطرفين أو أحدهما، وأن استمرار المعارك يمكن أن يجر معه تداعيات إقليمية وخيمة.
وقال المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب إن صعوبة الوصول إلى سلام دائم ترجع إلى عدم وجود أرضية مقبولة بين المتنازعين، وانتفاء التعريف الذي يتوافق عليه الجميع حول السلام المستقر، والذي لن يكون محل توافق من الفريقين المتصارعين.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه منذ التوقيع على اتفاق نيفاشا (عام 2005 بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية لتحرير السودان ومؤسسها الراحل جون قرنق) لم يتمكن السودانيون من الوصول إلى سلام حقيقي، ولا تكون هناك جدوى غالبا من اتفاقيات السلام التي وصل عددها إلى نحو 15 اتفاقية منذ بداية الألفية الجديدة، لكنها لم تجد سبيلاً للتنفيذ على الأرض، ويعد آخرها اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020 (بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة).
ما جعل التفاهم صعبا أن كل طرف يعتقد أن المرحلة التي وصلت إليها الأوضاع في الميدان لن تسمح بجني ثمار ما قدمه من تضحيات
وينحصر السلام في السودان دائما في عناوين عريضة تخدم مصالح المتفاوضين حول السلطة والثروة دون اهتمام كبير بإنهاء أزمات تقود إلى الحروب بشكل شامل.
ويتحاور السودانيون من أجل السلام منذ سنوات طويلة، ولم ينجحوا في الوصول إلى مرحلة الاستقرار، وإن كانت الاتفاقيات الموقّعة تحظى بدعم ووساطات إقليمية ودولية، لكنها لا تصمد بعد مفاوضات ماراثونية قد تمتد إلى فترات طويلة.
ولفت الشفيع أديب في حديثه لـ”العرب” إلى أن السلام في السودان أكثر صعوبة الآن، لأن الطرفين يمثلان مكونا واحدا (عسكريا) ولا توجد بشائر تدعم إمكانية إنهاء الحرب الدائرة عبر سلام قريب، وما جرى التوقيع عليه في جدة إعلان غير مُلزم للطرفين، وسيكون السودان أمام هدنة لن يتم الالتزام بها مثل الهدنات السابقة.
وتم التوقيع على ما يسمّى بإعلان مبادئ في جدة في ساعة مبكرة من صباح الجمعة بعد محادثات تمت برعاية سعودية – أميركية مشتركة استمرت نحو أسبوع، ولم تصدر عن أيّ من الطرفين بيانات تعترف باتفاق المبادئ حتى منتصف يوم الجمعة.
ولم يبد الجانبان استعدادا لأيّ مرونة في المواقف المتصلبة لإنهاء القتال، منذ اندلاع اشتباكات منتصف شهر أبريل الماضي، وتسبب في وقوع الآلاف من الضحايا العسكريين والمدنيين وشلّ اقتصاد البلاد وخنق حركة التجارة وزاد من حدة الأزمة الإنسانية.
وأعلن عن توقيع الجيش وقوات الدعم السريع على إعلان بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في تسهيل العمل الإنساني لتلبية الاحتياجات الطارئة للمدنيين.
ووقع الوفدان على اتفاق تضمن 7 بنود، نصت معظمها على حماية المدنيين وتأمين مرور المساعدات الإنسانية والطبية وانسحاب القوات العسكرية من المستشفيات.
ودفعت واشنطن والرياض الجانبين للتوقيع على إعلان المبادئ لتخفيف التوترات في ظل استمرار الخلاف بشأن التوصل إلى وقف أوسع لإطلاق النار، وتباعدهما في القضايا الأخرى، بما يضاعف من صعوبة الامتثال الكامل للمبادئ الواردة في الإعلان.
وأوضح المحلل السياسي السوداني أبوالقاسم إبراهيم آدم لـ”العرب” أن وجود أياد خارجية تعبث بالبلاد يجعل تحقيق السلام صعبا، وما يحدث في الخرطوم حاليا هو الأعنف بين الحروب التي دارت في السودان، وبالتالي فالسلام لن يكون سهلاً.
وأشار إلى أن ما يمرّ به السودان يؤثر استقرار مجموعة من دول الجوار، حال كانت هناك أطراف خارجية لها مطامع خفية، ويتوقف الوصول إلى السلام على إدراك الأطراف الطامعة في السودان من أن المؤامرة فشلت، والاتجاه سيكون لوقف إطلاق النار.
ومن المنتظر أن تركز محادثات جدة على التوصل إلى اتفاق بشأن وقف فعال لإطلاق النار لمدة تصل إلى عشرة أيام، لتسهيل هذه الأنشطة، وتشمل الإجراءات الأمنية آلية لمراقبة وقف إطلاق النار مدعومة من السعودية والولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
وستتناول المحادثات المقبلة ترتيبات مقترحة لمحادثات لاحقة مع قوى مدنية سودانية وشركاء إقليميين ودوليين لوقف دائم للأعمال العدائية بالتشاور مع الطرفين.
وقال بيان صدر عن وزارة الخارجية الأميركية إنه لم يكن من الممكن التفاوض على وقف إطلاق النار لعدة أيام في البداية، بيد أن ممثل الأمم المتحدة الخاص في السودان فولكر بيرتس قال إنه من المتوقع أن يتم ذلك في وقت لاحق الجمعة أو السبت.