خالد سلمان
هؤلاء لا يرحلون عند الفجر بل يصنعون فجر الوطن ،يسلمون شموسه وراياته لأيادٍ أمينة ثم يبقون في الذاكرة .
هم حتى في غيابهم حاضرون بقوة المثل في التضحية ونكران الذات ،وكأنهم وجدوا فقط ليكملوا البدايات وصيرورة سِفر تكوين الثورات،ويقرأون على مسامعنا ماتيسر من عافية الوطن البهي المعافى القادم.
أنا أتحدث عن أحمد ناشر حسن أيقونة أُخرى من أيقونات النضال السياسي الوطني الجنوبي التحرري ، يترجل من على صهوته واقفاً ،ويعلن أن الفارس لايسقط في منتصف الطريق وأن النضال تضحية خارج أنانية الأنا وحتى الأبد، وأن نصف ثورة هزيمة كاملة .
هو رجل إجماع وطني وشهادة حية على بطلان الإفك السياسي، ومرافعة نابضة بالوقائع قدمها أحمد ناشر طيلة مسيرته الكفاحية تقطع بأن الإشتراكي طليعة ومقدمة صفوف كل شيء نكران ذات وشرف تقدم الصفوف ،وإستشراف ماوراء اللحظة الكئيبة الراهنة من وطن ينتظر الجميع ويستعيد الأحلام المؤجلة والمسروقة بجحيم الغزو والضم والحرب والإقصاء.
وقت كان فيه النضال ضد غزو ٩٤ وهو أوج جبروته وبطشه مجازفة مميتة وضرب من الجنون ، كان أحمد ناشر يشحذ الهمم يلملم ويرص الصفوف، يكسر جدران الأسئلة القلقة المبهمة ،وينشد على مسامع المصابين بالتردد والهلع نشيد البحارة المتمرسين هناك أمل ميناء وقارب خلاص هو أنتم.
قاوم بكل شيء بالفكرة وكل أدوات النضال ورفع من على مآذن الروح ،صلاة الآن حان وقت المعركة.
كان أحمد فكرة وأمل وحلم وضوح رؤية وبرنامج عمل ، حضور في الشارع ومشروع شهيد، هذا الرجل وهو في قلب الميادين دليل دحض تقولات دراويش ومناضلي اللحظة الأخيرة حيث تقاسم الغنائم والحصص، بالتقليل حد العدائية من ريادية الأشتراكي ودوره المفصلي في قلب الصراع مع الفاشية القبلية الدينية العسكرية لنظام صنعاء ، حزب كان لبنة الحراك مع رفاقه من ألوان الطيف المتعدد، حشد للحراك مول وضخ مناضليه وقدم الشهداء، ونقل غضب الحراك من حالة التململ الإجتماعي ، الحذر إلى طوفان شعبي يجذر الثورة المدنية ويعلنها كحقيقة كامنة في الأرض لا تذهب جفاءً ، وأن حراب العسكر إلى زوال.
في أحمد ناشر تتجلى بساطة وصلابة حزبه ، وفي أحمد ناشر أن هذا الحزب التاريخي لم يكن إلغائياً عصبوياً بل مدنياً منفتحاً على كل القوى، لايحتكر الحقيقة ولايصادر حق المختلف ، ويؤمن أن الوطن بالجميع وللجميع، وأن الساحات ليس للتكسب بل مصهر تضحية.
لمن يحاولون اليوم إغتيال طليعية الإشتراكي في قيادة معركة التحرر من ديكتاتورية وبطش نظام صنعاء وغزوه للجنوب ، يكفي إستحضار وإستذكار نضالية أحمد ناشر وهو يتصدر الصفوف تنويراً وتحشيداً ومقاومة ،لتحرير الوطن المختطف وهندسة قسمات وملامح قادم دولته المدنية العادلة، التعددية المتجاوزة نفي الآخر والمؤمنة بالشراكة والعيش معاً.
رحل أحمد ناشر وبقي في آنٍ معاً:
رحل صوب الله وبقي حياً في الذاكرة.
أيها الحاضر الأبدي ، ستكتب الإجيال على ضريحك في كل عيد ثورة:
هنا ينام رجل هزم اليأس في عز القنوط ، صنع اليقين في ذروة المحبطات ،وصاغ وطناً للجميع ،لا يُظلم فيه أحداً ولا يقصي أحداً.















