كريتر نت – متابعات
ترأس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اجتماعات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 24 أبريل، وألقى خلال ذلك خطابا كرّسه أساسا لتوجيه الاتهامات للغرب الجماعي وحث دول “الجنوب العالمي” (الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية) على اتخاذ موقف أكثر نشاطا على الساحة الدولية، ومعارضة السياسات الغربية ودعم ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك مبادئ الاستقلال والسيادة والمساواة بين الدول، محاولا بذلك تقديم روسيا بصفتها صوتا رائدا للدول النامية.
ويندرج كل هذا ضمن سياسة موسكو التي تسعى لجعل دول الجنوب تنأى بنفسها عن التضامن مع الغرب في إدانة التدخل الروسي بأوكرانيا.
ولم تنته محاولات الكرملين في تقسيم المجتمع الدولي إلى فريقين متعارضين، حتى ينفي عزلته ويجذب شركاء (وحتى حلفاء) يمكنهم تقديم يد العون أو الدعم لمسار بوتين في أوكرانيا. وتجد روسيا نفسها خلال هذه المرحلة في حاجة شديدة إلى تجديد رصيدها من العسكريين والأسلحة والذخيرة في الحرب.
◙ سياسة روسيا المتمثلة في “التجنيد المفرط” لدول الجنوب العالمي ستحقق على الأرجح نجاحا تكتيكيا محدودا
وأشارت بعض المصادر في هذا الإطار إلى محاولة المبعوثين الروس المستمرة والهادفة إلى تجنيد متطوعين للجهود الحربية، وخاصة في أفغانستان وسوريا ودول أفريقية مختلفة.
ويتساءل بوريس بونداريف، وهو دبلوماسي روسي سابق أعلن استقالته من منصبه احتجاجا على حرب أوكرانيا، عن النجاح الذي يمكن أن يحققه هذا النهج.
يُذكر أن روسيا تتبع أسسا راسخة لتعميق علاقاتها الإيجابية التي تنفعها مع عدد من بلدان الجنوب. وتأسس هذا النهج خلال العهد السوفييتي حين دعمت موسكو الحركات المناهضة للاستعمار ماديا وماليا وعسكريا.
وقدّم الاتحاد السوفييتي مساعدات كبيرة لدول عديدة عبر آسيا وأفريقيا. ولا يزال المواطنون في هذه البلدان يحتفظون إلى اليوم بذكريات جميلة عن روسيا. ومن دلائل ذلك مواقف جنوب أفريقيا وأوغندا بشأن الحرب في أوكرانيا والمساعدات السوفيتية – الروسية السابقة.
ولم تخفِ دول الجنوب استنكارها حين لاقت حرب أوكرانيا قدرا من الاهتمام والتعاطف في الغرب لم تتمتع به الصراعات التي تسببت في موت الآلاف من المدنيين والأضرار المادية الهائلة في هذه البلدان.
وتعتبر جل هذه الدول النامية الحرب في أوكرانيا نزاعا إقليميا بعيدا لا ينبغي أن تتورط فيه أو تتخذ بسببه موقفا مناهضا لروسيا.
ويمكن أن يوفر مزيج المواقف السياسية والموارد الدبلوماسية المناسبة دعما جادا لروسيا، مع تقويض قدرة الغرب على بناء تحالف دولي واسع ضد بوتين.
لكن، هل ستكون الدبلوماسية الروسية قادرة على الاستفادة من مثل هذه الفرص؟
يقول بونداريف في مقال لفائدة مؤسسة “جايمس تاون” إن المشاكل تتعدد على هذا الصعيد، وإن هذه السياسة لا تتجاوز المستوى الخطابي، وإن متطلبات تأمين الدعم بالنسبة إلى موسكو لا تقتصر على إقناع الشركاء بكونه الخيار الصحيح (ليست هذه المهمة في حد ذاتها بسيطة وخاصة عندما يحين وقت تنفيذ الوعود المقدّمة)، بل يجب تخصيص موارد كبيرة إضافة إلى كل المتطلبات المالية لهذا النهج.
ويقلّ عدد الاقتصادات الناشئة المستعدة للوقوف مع روسيا ومواجهة الغرب دون مقابل. ولن ينجح هذا السيناريو إلا بضخ كبير للأموال الروسية.
يبدو هذا ممكنا في حالة دولة أو دولتين، إذا تم شراء النخب بالمليارات من الدولارات. لكن روسيا لا تمتلك الموارد الكافية لحشد العشرات من الدول. لذلك، من المرجح أن يقتصر دعم الدول النامية في الجنوب العالمي لروسيا على الإعلانات السياسية، التي قد تكون مهمة ولكن ليس بالمستوى الذي تهدف موسكو إلى بلوغه.
ويضيف الدبلوماسي الروسي السابق إن القيادة في موسكو ووزارة الخارجية الروسية على وجه الخصوص تتبعان نهجا معيبا في إبراز القوة الناعمة، فهو يتجاهل قوّة الحركات الاجتماعية ويحرم وفقا لذلك المجتمع المدني من ممارسة سلطته.
ويرى السياسيون أن النخب والأفراد المحددين هم من يمتلكون القوة والسلطة الحقيقية. ويمكن دراسة نهج موسكو تجاه النظام السابق للرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، الذي استثمرت فيه ما لا يقل عن 15 مليار دولار، بصفته مثالا ممتازا على هذا الاتجاه.
وأظهرت أحداث 2014 في كييف أن مثل هذه الاستثمارات في النخبة الفاسدة لا تدرّ في الغالب عوائد تتسم بزيادة رأس المال السياسي.
لكن الدروس المستفادة من الميدان لم تغيّر الواقع، حيث لا تزال القيادة الروسية غير قادرة وغير راغبة في العمل ضمن نموذج القوة الناعمة، وتتمسك بإيمانها المقتصر على القوة المسلحة والنهج السياسي الصارم وغير المرن. ولا يمكن لذلك استغلال إمكانات القوة الناعمة الروسية الهائلة إلى أقصى إمكاناتها ومن المحتمل ألا تُنتج أي تقدم جدي.
◙ محاولات الكرملين في تقسيم المجتمع الدولي إلى فريقين متعارضين لم تنته، حتى ينفي عزلته ويجذب شركاء يمكنهم تقديم الدعم لمسار بوتين في أوكرانيا
وتعلن موسكو عن التركيز على التعددية الدولية والتعددية القطبية، بينما تبطل الدبلوماسية الروسية هذه التصريحات من خلال التمسك بمبادرة بوتين لسنة 2020 لعقد قمة مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويعدّ اقتراح هذه القمة لمعالجة القضايا الدولية الرئيسية دلالة واضحة على تفكير الكرملين ذي الطابع الإمبراطوري. ولن يأخذ هذا النهج في الاعتبار وجهات نظر غالبية الدول، ولكنه يعيد إحياء أحلام عقد مؤتمر يالطا جديد تقسم فيه الدول “الكبرى” الخمس العالم كما تراه مناسبا. ولا يحتاج أحد هنا للقول إن هذه الخطوات ستلاقي رد فعل سلبيا من الدول النامية.
ويبدو لهذا أن سياسة روسيا المتمثلة في “التجنيد المفرط” لدول الجنوب العالمي ستحقق على الأرجح نجاحا تكتيكيا محدودا، ومن المؤكّد من الناحية الإستراتيجية أنه محكوم بالفشل في نهاية المطاف.
لكن هذا لا يعني إمكانية تجاهل محاولات بوتين لحشد الجنوب العالمي ضد أوكرانيا والوحدة الغربية. ومن المهم التعامل مع هذا التحرك باعتباره تهديدا آخر يساهم في إبطاء جهود المجتمع الدولي الهادفة إلى إنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا.