محمد سبتي
صحفي أردني
ألقت الشرطة الهندية القبض على الزعيم الانفصالي الذي أحيا دعوات من أجل وطن مستقل للسيخ، ممّا أثار مخاوف من اندلاع أعمال عنف في ولاية البنجاب الشمالية الغربية حيث يوجد تاريخ من التمرد الدموي.
والزعيم الانفصالي السيخي أمريتبال سينغ كان هارباً منذ الشهر الماضي، وقد استحوذ على اهتمام محلي ودولي في شباط (فبراير) عندما اقتحم مئات من أنصاره مركزاً للشرطة في بلدة أجنالا بولاية البنجاب بالهراوات الخشبية والسيوف والبنادق، للمطالبة بالإفراج عن مساعد مسجون.
ووفقاً لشرطة ولاية البنجاب عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، فإنّ سينغ البالغ من العمر (30) عاماً اعتقل في بلدة موجا، مؤكداً أنّه استسلم بعد أداء صلاة الفجر في ضريح السيخ، قبل أن يعتقله الضباط.
وأعلنت الشرطة الهندية أنّ سينج هارب من العدالة، واتهمته بإثارة الفتنة في ولاية البنجاب، فضلاً عن نشر التنافر بين الناس، ومحاولة القتل، ومهاجمة أفراد الشرطة، وعرقلة أداء الموظفين العموميين لواجبهم بشكل قانوني، وفق وكالة الهند أون لاين.
وانتشر الآلاف من جنود القوات شبه العسكرية في الولاية، واعتقلوا ما يقرب من (100) من أنصار سينج، بينما مُنعت زوجته من مغادرة الهند الأسبوع الماضي.
وأصبحت خطابات سينج تحظى بشعبية متزايدة بين مؤيدي حركة خالستان، المحظورة في الهند، وينظر إليها المسؤولون على أنّها تهديد للأمن القومي، وفق ما نقلت (بي بي سي).
يرأس سينج أيضاً منظمة Waris Punjab De، أو ورثة البنجاب، وهي منظمة كانت جزءاً من حملة ضخمة لتعبئة المزارعين ضد الإصلاحات الزراعية المثيرة للجدل التي دفعتها حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
هذا، ونشرت (واشنطن بوست) الأمريكية Washington Post تقريراً ذكرت فيه أنّ الحكومة الهندية تدق ناقوس الخطر بشأن ما يقوله مسؤولو الأمن من علامات على انتعاش محتمل لحركة انفصالية للسيخ في ولاية البنجاب الشمالية.
وأضافت أنّ هذه المخاوف قد تضاعفت أخيراً، مع مطاردة الشرطة للانفصالي أمريتبال سينغ والصحفيين الذين يسجلون كل تحركاته على كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة.
ونسب التقرير إلى مسؤولين أمنيين كبار القول إنّهم شهدوا اضطرابات متزايدة في البنجاب على مدى الأعوام الـ (5) الماضية، مع تجدد الدعوات من قبل بعض أعضاء الديانة السيخية من أجل دولة مستقلة تُسمّى خالستان.
وقالت الصحيفة: إنّ الأحداث الأخيرة تعيد ذكريات تمرد السيخ في الثمانينيات، الذي فجرته غارة للجيش الهندي على أقدس مزار ديني للسيخ، المعبد الذهبي في أمريتسار، حيث قُتل زعيمهم المتشدد جارنايل سينغ بيندرانويل. ويرى البعض أنّ أمريتبال يحاول أن يرث عباءة بيندرانويل.
ووفقاً لما نقلته صحيفة (الإندبندنت) الإنجليزية، فإنّ الطائفة المتشددة نفذت أعمال عنف متفرقة، مثل تنفيذ هجمات واقتحامات على قواعد عسكرية ومراكز أمنية لتحرير رفقاء لهم .
وعلى الرغم من تراجع الحركة في الأعوام الأخيرة، ما يزال لديها بعض الدعم في البنجاب وخارجها، بما في ذلك دول مثل كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التي تُعدّ موطن عدد كبير من السيخ في الشتات.
وذكر تقرير نشره مركز عين أوروبية على التطرف أنّ الدعوات لخالستان تلقى صدى لدى بعض السيخ في الخارج. ففي آذار (مارس) الماضي عُرضت صورة أمريتبال على شاشة كبيرة فوق بحر من المؤيدين في تايمز سكوير بنيويورك، لكن في البنجاب، حيث يشكل السيخ 60% من السكان، لا توجد هذه الدعوات إلا في جيوب نادرة فقط.
وشهدت بريطانيا طفرة حديثة في نشاط حركة خالستان، وهي فصيل من المتطرفين السيخ. وبالنسبة إلى الكثيرين، حتى داخل دوائر مكافحة التطرف، فإنّ الخالستانيين غامضون إلى حدٍّ ما، لكنّهم يمثلون تحدياً اجتماعياً وأمنياً، مع وجود شبكة دولية تعمل في جميع أنحاء العالم.
ويسعى الخالستانيون خارج الهند لتعزيز أسطورة “القضية الضائعة” بين السكان السيخ في الشتات، ويقدمون أهدافهم بلغة أقلية مقموعة تسعى للحصول على حقوقها. نتيجة لهذه الرواية، يتصرّف الخالستانيون كبيادق في يد باكستان في لعبة جيوسياسية، وما نجم عن ذلك من عنف مروّع لحركة خالستان خلال حربها في فترة الثمانينيات، وليس في الهند فقط.
في الأشهر القليلة الماضية أصبح انتشار حركة خالستان في بريطانيا معروفاً. وفي شباط (فبراير) حذّرت المراجعة المستقلة لبرنامج “منع”، برنامج بريطاني لمكافحة التطرف، برئاسة ويليام شوكروس، من “التطرف المؤّيد لخالستان الناشئ من مجتمعات السيخ في المملكة المتحدة”.
وقال شوكروس: إنّ الخالستانيين كانوا يحرضون السيخ في بريطانيا ضد الحكومة، وينشرون معلومات مضللة بأنّ الحكومة البريطانية كانت تقمع السيخ وتساعد الحكومة الهندية على فعل الشيء نفسه في الهند، بينما “تمجد العنف الذي تقوم به الحركة المؤيدة لخالستان في الهند”.
وقال شوكروس: إنّ هذا كان “مزيجاً سامّاً محتملاً للمستقبل”.
ما كان يُخشى أن يقع في المستقبل، حدث بسرعة إلى حد ما. ففي 19 آذار (مارس) الماضي، هاجم متطرفون خالستانيون المفوضية العليا الهندية في لندن، ممّا أدّى إلى إصابة (2) من حراس الأمن، وألقت الشرطة القبض على شخص واحد، ويجري التحقيق في الواقعة.
كما عُرفت كندا لبعض الوقت بأنّها بؤرة مركزية في شبكة خالستاني، تلتف حول منظمة تُطلق على نفسها اسم “السيخ من أجل العدالة”.
والحكومة الكندية الحالية متورطة حالياً بتقاعسها، على الرغم من التحذيرات، وتصادمت أوتاوا مع الحكومة الهندية بسبب عدم اهتمامها بأنشطة المتطرفين الخالستانيين.
ووفقاً للمركز الأوروبي، فإنّ طائفة السيخ ظهرت في أوائل القرن الـ (16) في لاهور، في منطقة البنجاب في شبه القارة الهندية، التي أسّسها جورو ناناك، الذي ينحدر من عائلة هندوسية.
نمت أعداد السيخ تدريجياً، وبعد قرنين من الزمان، في عام 1710، تمكنوا من إقامة دولة تتمحور حول البنجاب. وقد نمت هذه الدولة الأولى بسرعة، ففي نهاية القرن الـ (18) أنشئت إمبراطورية سيخ أكثر ديمومة، واستمرت كذلك إلى أن غزَت شركة الهند الشرقية البريطانية البنجاب في عام 1849.
بعد عدة أعوام، خلال التمرد الهندي، انحاز السيخ إلى البريطانيين بصورة كبيرة.
في أعقاب ذلك فرض البريطانيون حكماً مباشراً على الهند، تحت حكم الراج، وقبل السيخ هذا الترتيب إلى حدٍّ ما، حيث استفادوا من الاستثمار الاقتصادي والتعليمي في البنجاب، وكانوا محل إعجاب بفضل براعتهم العسكرية وولائهم.
ويُشار إلى مشاركة عدد كبير من السيخ ضمن القوات الهندية التي قاتلت تحت العلم البريطاني في الحربين العالميتين. ثم بدأت العلاقات في التدهور في أوائل القرن الـ (20)، حيث اكتسبت حركة الاستقلال الهندية زخماً. وكان جلّ المتظاهرين الذين قتلوا في أمريتسار التي يقع فيها أقدس موقع للسيخ، “هارماندير صاحب” في نيسان (أبريل) 1919 كانوا جلهم من السيخ.
وانسحبت بريطانيا على عَجل من شبه القارة الهندية في آب (أغسطس) 1947.
وكانت خطط التقسيم لإنشاء الهند وباكستان محل نزاع، فحاولت باكستان الاستيلاء على كشمير، وبدأت حرباً أشعلت موجات من العنف الشعبي الجماعي بين الطوائف بجانب التطهير العرقي.
وتحولت البنجاب، المتاخمة لكشمير، لتكون مسرحاً للعنف على نحو خاص.
من بين سكان البنجاب البالغ عددُهم (28) مليون نسمة في ذلك الوقت، شكَّل السيخ قرابة (4) ملايين (حوالي 15%)، وفقدوا في هذه الحرب قرابة ربع مليون قتيل.
عندما وضعت الحرب أوزارها قُسِّمت البنجاب، وأصبح معظم السيخ على الجانب الهندي من الخط الفاصل بين الجانبين.
أمّا عن حركة خالستان، فقد أشار مركز عين أوروبية على التطرف إلى أنّ أصولها تعود إلى حقبة التقسيم تلك، مع تأسيس باكستان كجمهورية إسلامية علنية لمسلمي شبه القارة الهندية، وتأسيس الهند كجمهورية علمانية ذات أغلبية هندوسية ساحقة، دعا بعض السيخ إلى إنشاء دولة سيخ مستقلة، تُعرف باسم خالستان، تُقام في موطنهم القديم في البنجاب.
ودعّمت باكستان الانفصاليين السيخ في البنجاب كشكل من أشكال الحرب السياسية، وفي أوائل الثمانينيات، بدأت حملة مسلحة، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1984، بعد أشهر من عملية عسكرية لقمع التمرد في البنجاب، اغتيلت رئيسة وزراء الهند آنذاك، أنديرا غاندي، على يد حارسيها الشخصيين من السيخ، واندلعت موجة من العنف الشعبي ضد السيخ. واستغل الخالستانيون هذا الوضع لتعزيز سردية المظلومية، وهو تكتيك شائع لطالما لجأت إليه الجماعات المتطرفة. على مدى العقد التالي، اندلعت حرب انتهت بهزيمة التمرد الخالستاني في عام 1993.
منذ ذلك الوقت، أصبحت حركة خالستان مجرد ظاهرة “شتات” إلى حد كبير. ويوثّق ميلوسكي أنّه في البنجاب، حيث يعيش 90% من السيخ في العالم، ويشاركون في انتخابات حرة، فإنّهم يصوتون بأغلبية ساحقة لمرشحي السيخ المناهضين للانفصال.
ولكن في الشتات، وبمساعدة وكالة الاستخبارات الباكستانية، خاصة فيما يتعلق بالدعاية، تستمر قضية خالستان.
ويشير المراقبون السياسيون إلى أنّ عمل رئيس الوزراء ناريندرا مودي يثير التوتر في الدولة.
ويقول مسؤولو الأمن في الهند: إنّ البنجاب بدأت تغلي مرة أخرى منذ قرابة (7) أعوام، ملقين باللوم على جهات أجنبية، زاعمين أنّ وكالات الاستخبارات الباكستانية أرسلت ذخيرة إلى الانفصاليين عبر طائرات من دون طيار، وأنّ مجموعات السيخ الكندية تدفع الفاتورة.
المصدر حفريات