كريتر نت – متابعات
بينما تكافح بلادهم لتحقيق نجاح عسكري وسياسي في أوكرانيا، حوّل القادة في موسكو انتباههم نحو هدف إقليمي آخر.
ويقول المحلل السياسي نيكولا ميكوفيتش إن القادة الروس يحاولون الآن إعادة بعث الأعمال التجارية في أفغانستان “مقبرة الإمبراطوريات”.
وقعت موسكو قبل ستة أشهر صفقة مع طالبان لتزويد أفغانستان بالبنزين والنفط والقمح. وتصل بعض هذه السلع الآن برّا عبر السكك الحديد من آسيا الوسطى، مما يوفر للأفغان الإمدادات التي تعدّ حيوية بالنسبة إليهم. وتتلقى روسيا في المقابل بعض الموردين الذين تحتاج إليهم كثيرا خلال هذه المرحلة.
يُذكر أن الحكومة التي تقودها طالبان أنشأت مجموعة شركات بعضها في روسيا. وتهدف عبرها إلى تغذية الاستثمارات في الطاقة والتعدين والبنية التحتية. كما تخطط لتخصيص ما يصل إلى مليار دولار لمشاريع البنية التحتية والطاقة، ومن المتوقع أن تكون روسيا فيها مستثمرا ومقاولا رئيسيا.
ويوضح المحلل السياسي في تقرير لموقع سنديكيشن بيورو أن أهداف الكرملين الاقتصادية الرئيسية في أفغانستان تشمل بناء محطات طاقة تعمل بالفحم ومنشأة لتحويله إلى منتجات نفطية. ومن جهتها تنتج أفغانستان نسبة لا تتجاوز 30 في المئة من الكهرباء التي تستهلكها، وهي تعتمد على واردات الطاقة لسدّ النقص الهائل.
وأبرزت كابول لروسيا أنها تريد مليون برميل من النفط، وتفضل مبادلته بالمعادن والزبيب والأعشاب الطبية. وقال القائم بأعمال وزير التجارة والصناعة في حكومة طالبان الأفغانية الحاج نورالدين عزيزي إن “كابول تستطيع الدفع نقدا إذا لم يكن خيار المبادلة مناسبا لروسيا”.
ومن المؤكد أن باستطاعة توثيق التعاون الاقتصادي مع روسيا أن يساعد الحكومة التي تقودها طالبان على تخفيف حدة انعزالها عن النظام المصرفي العالمي. لكنه يساعد أيضا روسيا التي فرض عليها الغرب عقوبات.
وتكمن المشكلة في عدم استعداد طالبان لإدارة الاستثمار الأجنبي. ويبقى عدم القدرة على التنبؤ السياسي وعدم الموثوقية الاقتصادية عائقيْن أمام الجهات الأجنبية الرئيسية التي قد ترغب في إطلاق مشاريع تجارية واسعة النطاق في البلاد رغم كونها واحدة من أكثر دول العالم ثراءً بالموارد. وليست روسيا استثناء هنا.
واجتمع كبار المسؤولين الأمنيين من روسيا والهند وإيران والصين خلال الشهر الماضي في موسكو لمناقشة سبل تحسين الوضع في أفغانستان دون دعوة طالبان.
وكانت روسيا قد صنفت طالبان ضمن المنظمات الإرهابية في عام 2003. وبينما جمعت لقاءات عديدة الجماعة الأفغانية بالروس في السنوات اللاحقة، كان أول اتصال رسمي بين وزارة الخارجية الروسية وطالبان خلال حقبة ما بعد 11 سبتمبر في 2015. وتواجد مبعوث الرئيس الروسي إلى أفغانستان زامير كابولوف في كابول خلال يناير لمناقشة احتمال اعتراف المجتمع الدولي (بما في ذلك روسيا) بحركة طالبان.
روسيا ستواصل في الوقت الحالي موازنة تحالفها العسكري والسياسي مع طاجيكستان حيث تخطط لتعزيز موقعها الاقتصادي في أفغانستان
لكن هذا لا يعني أن الكرملين سيمحو طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية في المستقبل القريب. وقد أكد أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف خلال القمة الأخيرة في موسكو تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في أفغانستان بسرعة. واتهم “السلطات الحالية في كابول” بالتسبب في هذه الفوضى.
وكان رأي السفير الروسي لدى طاجيكستان سيميون غريغوريف مماثلا، حيث أشار في يناير إلى عدم وفاء طالبان بجميع وعودها عند وصولها إلى السلطة. واعتبر أفغانستان مليئة بالإرهابيين وتقودها حكومة مثيرة للانقسام تغذي تجارة المخدرات العالمية. وقال إن “محنة الشعب الأفغاني تكمّل هذه الصورة المحزنة”.
ويمكن أن ترى طاجيكستان، التي تعدّ أصغر جيران أفغانستان وأفقر دول آسيا الوسطى، في تصريحه طمأنة بأن روسيا لن تسمح باستخدام أفغانستان لزعزعة استقرار الجمهورية السوفييتية السابقة، حيث أسس الاتحاد الروسي قاعدة عسكرية كبيرة. وتستضيف طاجيكستان العديد من القادة الأفغان المعارضين لحكم طالبان، بمن في ذلك زعيم جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية أحمد مسعود، مما يجعلها هدفا لأفغانستان.
ولذلك دعا رئيس طاجيكستان إمام علي رحمن إلى تأسيس “حزام أمني” حول أفغانستان لحماية الدول المجاورة. وتبقى بلاده هدفا سهلا نسبيا لطالبان وللجماعات المتطرفة الأخرى النشطة في أفغانستان على الرغم من كونها حليفة موسكو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
ويقول ميكوفيتش، وهو محلل صربي، “ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان موسكو الوفاء بالتزاماتها الأمنية إذا طُلب منها التدخل نظرا إلى سوء إدارتها لحربها في أوكرانيا. ومن المشكوك فيه أن تتمكن منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تهيمن عليها روسيا من حماية طاجيكستان في حالة وقوع هجوم عبر الحدود”.
ويؤكد أن روسيا ستواصل في الوقت الحالي موازنة تحالفها العسكري والسياسي مع طاجيكستان حيث تخطط لتعزيز موقعها الاقتصادي في أفغانستان. لكنها ستفعل ذلك ببطء مؤلم مع إدراك أن مشاركتها في أفغانستان لم تسر كما كان مخططا لها.
ومن الجدير بالذكر أن روسيا لم تتبع معظم الدول الغربية ولم تغلق سفارتها في كابول بعد الانسحاب الأميركي من البلاد في أغسطس 2021. ويمنحها هذا ميزة في الجهود المبذولة لتحويل طالبان إلى شريك تجاري موثوق به.