فاضل المناصفة
هل يلقي التقارب الإيراني – السعودي بظلاله على ملفات الشرق الأوسط، ويسمح بإنهاء الحرب في اليمن، وحدوث تحولات جذرية في الملف الفلسطيني واللبناني والسوري؟ أم أنه مجرد مسألة ظرفية أفرزتها أخطاء الديمقراطيين الأميركيين في تعاملهم مع ملفات الخليج ونجاح الصين في ملء الفراغ؟
يعد التقارب الإيراني – السعودي ترجمة لنجاح الصين في الحصول على أولى ثمرات القمة العربية – الصينية التي انعقدت في ديسمبر من العام الماضي، والتي وضعت بكين خلالها مسألة أمن الخليج ضمن أولويات عملها الدبلوماسي، ووظفت علاقتها مع طهران في خدمة هذا التقارب، ضاربة عصفورين بحجر واحد؛ استطاعت أن تحرز تقدما في إحدى الملفات المستعصية في منطقة الخليج العربي، ووجهت رسالة إلى واشنطن بأنها قادرة على التأثير في المشهد السياسي الإقليمي للشرق الأوسط، وهو ما يعني أنها كسبت الرهان في منطقة لطالما كانت محسوبة على واشنطن.
من الخطأ الحكم مبكرا على نجاح الخطوة الصينية في إحداث تقارب بين السعودية وإيران، إلا إذا أثبتت هذه الأخيرة حسن نواياها تجاه جيرانها. وهنا سيكون الملف اليمني اختبارا لصدق طهران في الحفاظ على مكتسبات هذا التقارب، وهو ما يعني أن التنازلات المنتظرة من طهران في اليمن ستكون حجر الأساس الذي سيبني جسر الثقة بينها وبين الرياض، ومن دونه لن تختفي الهواجس الأمنية للسعودية، ويصبح مصطلح “التقارب” كلمة لا معنى لها فضلا عن أنه سيحوّل النجاح الصيني إلى فشل.
◙ الصين استطاعت أن تحرز تقدما في إحدى الملفات المستعصية في منطقة الخليج العربي، ووجهت رسالة إلى واشنطن بأنها قادرة على التأثير في المشهد السياسي الإقليمي للشرق الأوسط
الملفان السوري واللبناني لا يقلان أهمية عن الملف اليمني، فالمسألة متعلقة بالتغلغل الإيراني في العمق العربي، والذي أسهم بشكل كبير في إحداث شرخ في العمل العربي المشترك، وقسّم الدول العربية إلى “صنفين”، كما أن محور المقاومة الذي تبنته إيران في المنطقة العربية لطالما سوّق لفكرة أن منطقة الخليج سقطت في يد الهيمنة الأميركية، وأن دول الخليج تحسب كدول “عدوّة” وجبت مواجهتها بكافة الوسائل المتاحة، لأن ذلك يعد بمثابة مواجهة أذرع أميركا في المنطقة، وبالتالي فإن كف يد إيران عن سوريا ولبنان سيكون بمثابة كف أذاها عن دول الخليج، وسيفتح الطريق لمعالجة الأزمة اللبنانية ولإعادة سوريا إلى الجامعة العربية. وليس من المستبعد أن تتنازل إيران عن نفوذها في لبنان وسوريا بعد أن فقدت القدرة على التأثير بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه، ولم يعد بمقدورها أن تفي بالتزاماتها تجاه الحلفاء.
المسألة معقدة نوعا ما في الشأن الفلسطيني، وهي شبيهة بوصف “خطان متوازيان لا يلتقيان”، فإيران تعتبر إسرائيل كيانا غاصبا معاديا لطموحها النووي ويستحيل أن تثق به، وهي تلتقي مع حماس والجهاد الإسلامي في عقيدة “زوال إسرائيل”، بل تعتبرهما ذراعيها الضاربتين لإسرائيل، وهو ما يعني أن موقفها ممّا يجري في فلسطين مسألة غير قابلة للنقاش. بينما ترى السعودية أن مسألة السلام مع إسرائيل ممكنة في حال حصول الفلسطينيين على حقهم في إقامة دولتهم، كما أن موقف السعودية من حماس والجهاد الإسلامي هو نفس الموقف من جماعة الحوثيين في اليمن، ومع أن مسألة قيام دولة فلسطينية في ظل الوضع الراهن أمر مستبعد تماما وشبه مستحيل إلا أن هذا لا يعني أن الرياض قد لا تتفق أمنيا مع إسرائيل بالنسبة إلى طهران.
ستظهر الأيام، أو ربما الأشهر القليلة القادمة، النتائج الحقيقية للتقارب الإيراني – السعودي، وستكون الصين مجبرة على إنجاحه والعمل على تفكيك كل الألغام التي تحيط به، بدءا بحملة التشويش الأميركي – الإسرائيلي التي تريد إسقاطه مبكّرا. وستكون إيران أمام فرصة قد لا تأتي من جديد إذا أضاعتها، فهل تنهي الحرب في اليمن وتكف يدها عن سوريا ولبنان؟ جواب ننتظره جميعا.
نقلاً عن العرب اللندنية