كريتر نت – متابعات
تشهد إسرائيل منذ أكثر من شهرين مظاهرات متصاعدة للضغط على الحكومة للتراجع عن خطط تقليص صلاحيات القضاء لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية، ما يضع البلاد أمام فوضى في ظل تصلب المواقف.
وتتفاعل خارطة الحراك في إسرائيل بسرعة وتنذر بمواجهة بين فريقين يصر كل منهما على حماية الديمقراطية لكن بطرق مختلفة، ما حدا بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى إطلاق نداء للحكومة بالتراجع عن خططتها وتفادي ما وصفها بـ”الحرب الأهلية”.
وفي إسرائيل، حين تتصارع مراكز القوى، يلجأ الجميع إلى محكمة العدل العليا، رأس القضاء، لتقول كلمتها في أي نزاع يهدد مبدأ فصل السلطات، أو الحقوق المكفولة. لكن المشهد اليوم مختلف تماما. فالصراع بات على دور القضاء وصلاحياته.
وفي مقر الحكومة، يضغط وزراء بنيامين نتنياهو لتمرير خطة الإصلاح القضائي التي صاغ مسودتها الأولى وزير العدل ياريف ليفين قائلا “أنا مصمم على دفع الإصلاح ولن يردعني أيّ تهديد”. وفي الشارع، مواطنون غاضبون يرفعون شعارات “إنقاذ الديمقراطية”، ومنع “الإطاحة بالنظام السياسي” المعمول به في إسرائيل منذ قيامها عام 1948.
وفي الكنيست تعلو أصوات المعارضة محذرة من “انقلاب يهدد ديمقراطية إسرائيل”، إذ يجد زعيمها يائير لبيد أن حكومة خصمه نتنياهو يجب أن “ترحل”، واضعا ثقله السياسي للتأثير في الشارع للضغط أكثر وإسقاط حكومة اليمين المتطرف.
ولم يتوقف الأمر عند هؤلاء اللاعبين، بل تدخل رئيس الدولة، إسحاق هرتسوغ الذي قال إنه يتعين على حكومة نتنياهو أن تتخلى عن التشريع المقترح لإصلاح القضاء، وأن تتبنى في المقابل نموذجا يحظى بدعم وطني واسع.
وقال هرتسوغ إن إسرائيل وصلت إلى “نقطة اللاعودة”، ودعا الحكومة الائتلافية إلى إعادة النظر في التشريع المقترح الذي تدعمه بقوة الأحزاب القومية والدينية. وأضاف “هذا خطأ.. إنه يقوض أسسنا الديمقراطية، وبالتالي يجب استبداله بخطوط عريضة أخرى متفق عليها على الفور”.
وقبل أن تبدأ العاصفة، كان المشهد في إسرائيل غامضا، إذ عانت البلاد من جولات انتخابات لم تسفر عن حكومة مستقرة، حتى تمكن نتنياهو من تشكيل ائتلاف يعتبر الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.
ورغم أن الجهود الحثيثة نجحت في تكوين الائتلاف الحكومي إلا أن أعضاءه يحملون في جعبتهم أجندات سياسية وأهدافا مختلفة يسعون إلى تحقيقها بغض النظر عن الثمن السياسي الذي يمكن أن تدفعه البلاد.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي بن لينفيلد إنه إلى جانب محاولة حكومة نتنياهو “تدمير النظام الليبرالي في إسرائيل”، فإن الهدف الآخر لخطة الإصلاح القضائي هو “إضعاف النظام القانوني في البلاد من أجل إلغاء محاكمة نتنياهو، وإخراجه من قضايا الفساد المتهم بها”.
وأما الوزراء الآخرون فيحملون في جعبتهم مشاريع تثبيت السيطرة على الضفة الغربية التي يرون فيها جزاء من أرض إسرائيل المهددة بالوجود الفلسطيني، ويرون أن المحكمة العليا الإسرائيلية تشكل عائقا لهم. إضافة إلى سخط هؤلاء الوزراء على النظام السياسي والقضائي في البلاد الذي يرون أنه لا يخدم القوة اليمينية في إسرائيل.
وكان قرار محكمة العليا الإسرائيلية، منتصف يناير الماضي، منع تعيين آرييه درعي وزيرا في حكومة نتنياهو شرارة البداية لمواجهة بين القضاء والحكومة.
والقرار الذي اتخذ بأغلبية 10 قضاة، فيما القاضي الوحيد الذي خرج عن الإجماع هو يوسف إلرون الذي اعتبر أن التعيين لا ضير فيه، أثار حفيظة نتنياهو الذي توجه على الفور إلى منزل درعي وقال “حين يكون أخي في ورطة فإنني أذهب إليه”.
وكان القرار صادما لأعضاء حزب شاس الذي يقوده درعي. إذ علق الحزب بالقول إن المحكمة العليا “ألقت بأصوات 400 ألف ناخب ذهبوا إلى صناديق الاقتراع وهم على علم بتاريخ رئيس شاس. إن قرار المحكمة مسيّس وفاضح، واليوم قضت المحكمة أن الانتخابات لا لزوم لها”.
ومطلع 2023، انشغل الرأي العام الإسرائيلي بعزم حكومة نتنياهو السير قدما في خطة هدفها “إصلاح القضاء”، تمنح الكنيست حرية أكبر في التصرف بالتعديلات الدستورية.
ومشروع الإصلاح القضائي، الذي اقترحه وزير العدل ليفين، لن يمنع المحكمة العليا من مراجعة التعديلات على القوانين الأساسية للبلاد فحسب، بل يتطلب أيضا أغلبية ساحقة من القضاة لإلغاء ما يسمى بـ”القوانين العادية” التي يقرّها الكنيست.
ويقول منتقدو المسودة الأولى لحزمة الإصلاح القضائي إنها “ستقضي على الاستقلال السياسي للمحكمة العليا” في إسرائيل. ويعتقد، يوسي يوناه، أستاذ الفلسفة وعضو الكنسيت السابق، أن الحزمة المطروحة بصيغتها الحالية “تضعف قدرة المحكمة العليا على مراجعة القوانين وحماية الديمقراطية الإسرائيلية”.
وحذر يوناه من أن إقرار الحزمة بشكلها الحالي يعني “أننا لن نعود قادرين على وصف إسرائيل بأنها ديمقراطية حرة”. وتقترح المسودة ما أطلقت عليه “بند التغلب” الذي يمنح الكنيست حرية تعديل القوانين الأساسية شبه الدستورية في البلاد.
ويقول يوناه إن القوانين الأساسية في إسرائيل “تحمي حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، حيث أن المجتمع الإسرائيلي متنوع ومنقسم سياسيا وعرقيا. والحزمة التي تطرحها الحكومة تشكل تحديا لدور هذه القوانين”.
ووفقا لما يعنيه “بند التغلب” فإن تغييرا جذريا سيطرأ على ميزان القوى بين السّلطتين القضائية والتشريعية في إسرائيل، إذ سيسمح للكنيست بإصدار قوانين تتعارض مع قوانين الأساس في البلاد. وسيحد هذا البند من قدرة المحكمة العليا على إبطال تلك القوانين.
وبحسب المسودة، فإن المحكمة لن تكون قادرة على إبطال التعديلات على القوانين الأساسية إطلاقا. وفي حالة القوانين العادية فإن المسودة تنص على شرط توفر أغلبية من 12 قاضيا لإلغائها، ما يشكل تغييرا في مفهوم الأغلبية البسيطة المعمول بها في إسرائيل، والتي تشير إلى 8 قضاة فقط.
وعلاوة على ذلك، إذا نجحت المحكمة في إلغاء قانون عادي، ولكن دون الحضور الكامل لجميع القضاة، فسيكون الكنيست قادرا على إعادة تشريع القانون غير المؤهل بأغلبية بسيطة تبلغ 61 نائبا في الكنيست.
وأشار خبير الشؤون الأمنية آفي يساخاروف إلى أن “نتنياهو والأحزاب المؤيدة له توقّعا أن تقتصر ردود الفعل على مظاهرات هنا وهناك يشارك فيها مئات وفي أقصى الحالات عدة آلاف”. وقال “لقد فوجئوا حقا بخروج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع”. وأضاف “خطة نتنياهو تفضي فعلا إلى تغيير النظام الديمقراطي في إسرائيل، والناس تفهم أن الخلاف هو ليس قصة يسار أو يمين وإنما مستقبل البلد”.