رشا عمار
صحفية مصرية
ما تزال أزمة اختيار القائم بأعمال مرشد الإخوان تراوح مكانها، بعد مرور (3) أشهر على وفاة إبراهيم منير، رغم تعدد الإعلانات المتكررة من جانب الجبهتين المتنازعتين على المنصب بحسم الموقف، كلّ جبهة لصالحها، إلا أنّ حالة الشقاق التنظيمي تبدو حاضرة وبقوة في هذا الملف بالتحديد، دون أيّ مؤشرات عن حسم قريب لحالة الصراع المتعمق داخل الإخوان، سواء بين جبهتي إسطنبول ولندن، أو داخل جبهة لندن ذاتها التي ما تزال منقسمة على نفسها فيما يتعلق باختيار مرشد الإخوان، ولم تعلن رسمياً حتى الآن عن قرارها بشأن المنصب.
ورغم تسريب معلومات من داخل التنظيم تؤكد اختيار القيادي الإخواني القطبي صلاح عبد الحق قائماً بأعمال المرشد من جانب جبهة لندن، إلا أنّ تأخر الإعلان الرسمي حتى الآن يفتح الباب واسعاً أمام العديد من التساؤلات، لعلّ أبرزها يتعلق بأسباب الإصرار من جانب عدد كبير من قيادات جبهة إبراهيم منير على اختيار عبد الحق للمنصب رغم الخلاف الحاصل عليه، ومعارضة عدد آخر من قيادات الجبهة نفسها لهذا القرار.
لماذا تأخر الإعلان الرسمي عن عبد الحق؟
بالرغم من إعلان جبهة لندن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أنّها بصدد الإعلان عن المرشح لخلافة إبراهيم منير الذي توفي مطلع الشهر ذاته، في مدة أقصاها شهر، إلا أنّ الإعلان قد تأخر لشهرين إضافيين دون أيّ مؤشرات عن موعد جديد من جانب القيادات القائمة على إدارة شؤون التنظيم في الوقت الراهن، ويرجع الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد فوزي الأسباب في هذا التأخر إلى عدة اعتبارات، أوردها في دراسته المنشورة مؤخراً تحت عنوان: “لماذا تتجه جبهة لندن إلى اختيار صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال مرشد الإخوان؟”.
ويرى فوزي أنّ التجربة التاريخية للإخوان وما اكتنفها من ممارسات للتنظيم تشير إلى أنّ هذا التنظيم، وعلى الرغم من وضعه لأطر مؤسسية ولائحية حاكمة لعمله، فإنّ الاعتبارات الشخصية لقياداته تكون هي الحاكمة لكافة التطورات الخاصة بالجماعة، الأمر الذي يعرّضها لانتكاسات داخلية بشكل مستمر، وتتجسد هذه الفرضية بشكل واضح خلال الفترات الانتقالية التي كان يمرّ بها التنظيم عقب خسارته لأحد مرشديه.
ويذكر فوزي على سبيل المثال أنّه بعد اغتيال مؤسس التنظيم حسن البنا في 12 شباط (فبراير) 1949 تأخر الإعلان عن خليفة “البنا” لمدة عامين؛ بسبب حدة الخلافات التي سادت وقتها، إلى أن تمّ الاستقرار في تشرين الأول (أكتوبر) 1951 على اختيار حسن الهضيبي كمرشد جديد للجماعة قاد تنظيم الإخوان من تشرين الأول (أكتوبر) 1951 حتى آب (أغسطس) 1973، رغم أنّه لم يكن من ضمن ما عُرف وقتها بالهيئة التأسيسية.
وهو ما علّق عليه الداعية محمد الغزالي حينها بالقول: “إنّ المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد استقدموا رجلاً غريباً عن الجماعة لقيادتها”، وفق تعبيره في إحدى المقالات التي كتبها في تلك الفترة.
قصر المدة… هل أربكت جبهة لندن نفسها؟
بحسب فوزي، يمكن فهم عملية التأخر في اختيار جبهة لندن لقائم بأعمال المرشد العام للإخوان في ضوء قصر فترة الشهر التي حددتها الجبهة لذلك، وعدم كفايتها للتوافق حول شخصية تحظى بقبول الجميع، خاصة أنّ كافة الأسماء المطروحة لخلافة منير كانت تُثار بخصوصها بعض الإشكالات، فبالنسبة إلى محمد البحيري، فإنّه يواجه إشكالية تتمثل في علاقته بأجيال الشباب داخل الإخوان، وهي العلاقة التي تفتقد للثقة ويغلب عليها الفتور.
وبالنسبة إلى حلمي الجزار، فإنّ توليه لقيادة الجبهة ومهام القائم بأعمال المرشد يصطدم ببعض الإشكالات؛ ومنها أنّه ليس عضواً في مجلس شورى الجماعة، وبالتالي فإنّ توليه قيادة التنظيم سوف يتعارض مع اللوائح الداخلية المنظمة لعمل الجماعة، خصوصاً المادتين (4 و5) اللتين تُحددان من سيخلف القائم بأعمال المرشد حال غيابه عن المشهد.
وبالنسبة إلى صلاح عبد الحق، فإنّ بعض دوائر الإخوان ترى أنّ مسؤوليته عن ملف التربية داخل الجماعة تعكس ابتعاده عن العمل الحركي، وهو اعتبار يقلل من فرصه في تولي مهمة القائم بأعمال المرشد، فضلاً عن أنّ محيي الدين الزايط يعاني من بعض الأمراض المزمنة التي تحول دون قدرته على الاستمرار في قيادة الجبهة.
ولماذا الإصرار على اختيار عبد الحق رغم الخلاف؟
يقول فوزي: إنّ “جبهة لندن قد وضعت على رأس أولوياتها في الفترة الراهنة اختيار قائم بأعمال المرشد بديلاً للراحل إبراهيم منير، خصوصاً مع التحركات المتسارعة من جبهة إسطنبول لاستغلال حالة الفراغ والارتباك التي خلفتها وفاة إبراهيم منير، بما يدعم سيطرتها على مفاصل الجماعة.
ويشير الباحث المصري إلى أنّه “بالرغم من أنّ أحد مواضع الانتقاد التي قد توجّه من قبل بعض الدوائر الإخوانية لعبد الحق هو أنّه رجل تربوي داخل الجماعة، وكان بعيداً عن العمل الحركي، فإنّ بعض الدوائر الإخوانية والتقديرات ترى أنّ هذا الاعتبار يُعدّ ميزة بالنسبة إليه في ظل الأزمة البنيوية الراهنة التي تعيشها الجماعة، وترى هذه الدوائر أنّ ابتعاد عبد الحق عن الخلافات التنظيمية التي نشبت مؤخراً في الجماعة هو أمر يعزز من فرصه؛ لأنّه يستطيع في ضوء ذلك تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق داخل الجماعة.
إضافة إلى ذلك، ربما تسعى قيادات جبهة لندن وصقورها لتحقيق جملة من المكاسب عبر اختيار عبد الحق كقائم بأعمال المرشد، فمن جانب هو من الشخصيات التي يقلّ الخلاف حولها داخل الجماعة وتحظى بتوافق كافة الأطراف، خصوصاً مع عدم انخراطه بشكل واضح في الصراعات الأخيرة، ومن جانب آخر سوف تمثل فكرة أنّ عبد الحق لم يكن منخرطاً بشكل كبير في العمل الحركي، ولا يملك سمات شخصية أو خبرات عملية كبيرة، تمثل فرصة بالنسبة إلى صقور الجبهة للقيادة بشكل عملي.
وذلك على غرار ما حدث عند تولّي عمر التلمساني قيادة الجماعة؛ فظاهرياً كان التلمساني هو المرشد، وعملياً كان التنظيم الخاص، وعلى رأسه كمال السنانيري، هو من يقود الجماعة، حتى أنّ السنانيري وقيادات التنظيم الخاص كانوا ينقلون في بعض المواضع تعليمات لقواعد الجماعة مخالفة لتلك التي يضعها التلمساني.
وبالإسقاط على جبهة لندن والوضع الراهن، ربما يتجه صقور الجبهة وقياداتها إلى وضع عبد الحق على رأس الجماعة، مع احتفاظ هذه القيادات، وعلى رأسها: محمد البحيري، وحلمي الجزار، ومحمود الإيباري، بالقيادة العملية.
وإجمالاً يرى الباحث المصري أنّ اختيار صلاح عبد الحق، في حال الإعلان عن ذلك رسمياً من قبل جبهة لندن في الأيام المقبلة، لن يكون الفصل الأخير لأزمة التنظيم البنيوية الراهنة، بل ربما يكون بداية للمزيد من الانشقاقات والانقسامات، والمزيد من الصراع بين الجبهات المختلفة.
ويظل العامل المحدد الذي سيحكم مسار الأزمة مرتبطاً إلى حدٍّ كبير برؤية عبد الحق لآليات التعاطي مع الأزمة الراهنة للإخوان، ومدى قدرته على تحقيق تفاهمات نسبية مع جبهتي إسطنبول والكماليين، اعتماداً على المكانة التي يحظى بها لدى كافة أطراف الأزمة الإخوانية.
المصدر حفريات