كريتر نت – متابعات
تؤشر زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا وسوريا الاثنين على مرحلة جديدة في العلاقات المصرية مع البلدين والتي قد تتوج بعودة دمشق إلى محيطها العربي وتجاوز المطبات مع أنقرة بعد أن انتقلت المحادثات الأمنية لمعالجة الخلافات إلى الشق السياسي.
واستثمرت مصر حادث الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا وما تمخض عنه من تعاطف إنساني لتخرج اتصالاتها السرية إلى العلن، وتستبدل اللقاءات الأمنية التي عقدت على فترات مختلفة بأخرى سياسية، حيث قام وزير الخارجية المصري سامح شكري الاثنين بزيارة مزدوجة إلى بلدين أثير حولهما الكثير من اللغط، بما يعني أن القاهرة تعتزم تطوير علاقاتها السياسية مع دمشق وأنقرة.
وأكد سامح شكري تضامن بلاده مع الشعب السوري في مواجهة تداعيات الزلزال المدمّر، مشددا على أن هدف زيارته “إنساني” بالدرجة الأولى، في وقت تسعى فيه دمشق نحو تسريع فكّ عزلتها مع محيطها الإقليمي.
وقال متابعون إن تركيز مصر على الطابع الإنساني لجولة وزير خارجيتها يرمي إلى عدم منح تفسيرات سياسية حرجة لتحركاتها الجديدة قبل أن تتمكن من تهيئة الأجواء مع حلفاء إقليميين ودوليين، فقد يمثل انفتاح القاهرة على كل من دمشق وأنقرة حاليا إزعاجا متفاوتا لهؤلاء، ويوحي بتغيير في التوجهات الإقليمية لمصر.
وأوضح هؤلاء المتابعون أن القاهرة لديها رغبة شديدة في تطوير العلاقات مع البلدين، ولا تخفي دعمها لعودة سوريا إلى الجامعة العربية وإعادة تأهيل نظامها، وقطعت شوطا مهما في اتجاه تنقية الأجواء مع تركيا، وتريد أن تكون تحركاتها حيالهما على قدر من التوازن لتجنب الصدام مع قوى مختلفة يمكن أن تقلق من تحويل مأساة الزلزال إلى عملية سياسية لعودة النظام السوري إلى الحاضنة العربية.
وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي إن الدبلوماسية المصرية تعول على تكرار وقائع سابقة كانت فيها الأزمات الإنسانية مدخلاً لتحسين العلاقات السياسية بين الدول.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “رغبة القاهرة في تطوير العلاقات مع دمشق قد تصطدم بحضور الثانية ضمن التحالف الإيراني في المنطقة، وسيكون على مصر تجاوز الاتهامات الموجهة إلى النظام السوري بارتكاب عمليات القتل الممنهج ضد المدنيين ومراعاة عدم إحداث اختراق في ملف تحسين العلاقات مع سوريا كي لا يبدو أنه يتم على حساب دولة صديقة مثل السعودية لا تزال لها تحفظات على دمشق”.
وأشار إلى أن مصر ترى فرصة في الدخول على خط التقارب مع اتجاه النظام السوري إلى فتح المعابر لتوجيه المساعدات نحو الشمال المنكوب والخاضع لسيطرة قوى معارضة، ما يشي بوجود رغبة في تحويل الانفتاح الإنساني إلى آخر سياسي يمكن أن يمتد إلى أطراف عربية وإقليمية أخرى.
وعكست الحفاوة التي استقبل بها سامح شكري في كل من سوريا ثم تركيا أن الاتصالات غير المعلنة قطعت شوطا إيجابيا كبيرا، وبدا ترحيب المسؤولين في البلدين تعبيرا عن محادثات تمت بصور عدة في الفترة الماضية وجعلت زيارة شكري غير مفاجئة.
ونقل شكري رسالة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى نظيره السوري بشار الأسد حوت كل معاني المواساة والتضامن مع الشعب السوري ، واستعداد القاهرة “للاستمرار في تقديم ما تستطيع من دعم لمواجهة آثار الزلزال”.
القاهرة لم تكن لتذهب باتجاه تصعيد الدعم للنظام السوري من دون التشاور مع أصدقائها وحلفائها في المنطقة
ونشط النظام المصري من خلال آلية المساعدات الإنسانية مع الكثير من الدول، وبدت المعاني السياسية فيها واضحة في الحالتين السورية والتركية، لأن كارثة الزلزال أفضت إلى أول اتصال هاتفي بين السيسي والأسد، وأول زيارة يقوم بها وزير الخارجية إلى دمشق.
ورأى المحلل السياسي المصري مصطفى السعيد أن الزلزال قد يشكل نقطة فارقة ومؤثرة في العلاقات بين القاهرة وكل من دمشق وأنقرة، فالفرصة الإنسانية المواتية مهمة لتعزيز علاقات بعض القوى الإقليمية.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الظروف الدولية وموازين القوى فيها اختلفت الآن عما كانت عليه من قبل، ولم تعد طهران تقدم الدعم بالشكل القوي للنظام السوري مع احتدام مشكلاتها الداخلية، ما يمنح الفرصة لتغيرات جديدة مع وجود إدراك بأن دوافع القطيعة مع دمشق خدمت قوى أخرى أكثر من محافظتها على المصالح العربية”.
ورجح السعيد أن يكون التوجه المصري نحو سوريا جاء بتوافق مباشر أو ضمني مع بعض دول الخليج، وأن القاهرة لم تكن لتذهب باتجاه تصعيد مسألة الدعم المقدم للنظام السوري من دون التشاور مع أصدقائها وحلفائها في المنطقة.
وبدد الاتصال الذي أجراه الرئيس المصري مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان الكثير من المخاوف التي ظهرت بسبب انقطاع التواصل بينهما منذ لقائهما الأول بالدوحة في نوفمبر الماضي، وفُسر عدم البناء على اللقاء بأن العلاقات عادت إلى الجمود.
وعبر بيان، صدر عن الرئاسة السورية الاثنين، عن شكر الأسد لمصر على ما قدّمته من مساعدات لدعم جهود الحكومة السورية في إغاثة المتضررين، مشيراً إلى ضرورة النظر للعلاقات بين البلدين من منظور عام وفي إطار السياق الطبيعي والتاريخي لها.
وجاءت زيارة شكري إلى دمشق غداة توجه وفد من اتحاد البرلمانات العربية إلى دمشق، ضمّ رئيس البرلمان المصري حنفي جبالي الذي قال “اليوم في سوريا العزيزة الشقيقة لدعمها والتضامن معها في مواجهة محنة الزلزال”.
وعقب زيارة دمشق توجه شكري إلى ميناء مرسين بصحبة نظيره التركي مولود جاويش أوغلو لتسليم الشحنة السادسة من المساعدات الإغاثية المقدمة لأنقرة.
وقال أوغلو في مؤتمر صحفي مع شكري إن مصر بلد مهم جدا بالنسبة إلى العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وإن تطور العلاقات مع القاهرة مفيد للبلدين، واعدا بالعمل على نقل العلاقات مع مصر إلى مستوى أعلى.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن “تزامن زيارة شكري إلى سوريا وتركيا ولو من الباب الإنساني يحمل مضامين سياسية حول إمكانية أن تقوم القاهرة بوساطة بينهما لتسريع وتيرة التفاهمات لفتح صفحة جديدة؛ حيث سبق لمصر أن نجحت خلال منتصف التسعينات من القرن الماضي في نزع فتيل تصعيد كاد يؤدي إلى اندلاع الحرب بين أنقرة ودمشق والتوقيع على اتفاق أضنة”.
وإذا كانت مسألة الوساطة من المبكر الحديث عنها، فإن القاهرة قررت إجراء تعديل في توجهاتها الإقليمية وجس النبض لمحاولة العودة إلى القيام بدور فاعل في قضايا حيوية.