كريتر نت – متابعات
تمتلك مصر علاقات قوية مع روسيا والغرب في مجال الطاقة، ما جعلها من بين الجهات المرشحة لتعويض الغاز الروسي المصدر لأوروبا، لكنها رغم تحركها فعليا في هذا الاتجاه تظل حسب المحللين عاجزة عن أن تكون هي البديل الفعلي، فبنيتها التحتية لا تمكنها من مضاعفة الإنتاج ولا التصدير بالسرعة المطلوبة.
وكانت مصر لسنوات تسعى لخلق توازن صعب بين الغرب وروسيا، حيث قدمت القاهرة نفسها ممثلا يمكن للطرفين الاعتماد عليه. وكانت مصر الحليف الرئيسي للاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة ولا تزال شريكا مهمّا حتى اليوم.
وسمحت القاهرة لموسكو في العام الماضي باستخدام ميناء الحمراء النفطي على ساحل البحر المتوسط، حيث نجح تفريغ الشحنة الأولى من 700 ألف برميل من النفط في الرابع والعشرين من يوليو قبل أن تجمع سفينة أخرى شحنة من الميناء بعد ساعات قليلة فقط.
وأثارت هذه الخطوة الجدل لأنها تجعل تتبع وجهة الشحن النهائية أكثر صعوبة، مما يضيف إلى الاتجاه الذي أصبحت فيه شحنات النفط الروسية محجوبة بشكل متزايد منذ أن بدأ المشترون الأوروبيون والغرب في تجنبها بعد غزو البلاد لأوكرانيا.
وإلى جانب علاقاتها مع روسيا، تحافظ مصر على علاقات قوية في مجال الطاقة مع الغرب، وهي علاقة ترسخت أكثر خلال أزمة الطاقة العالمية. ووقعت مصر والاتحاد الأوروبي وإسرائيل في يونيو الماضي مذكرة تفاهم لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، مع الإشادة بالإطار باعتباره يسمح لأول مرة لإسرائيل بتصدير كميات “كبيرة” من الغاز إلى أوروبا.
ويتطلع الطرفان الآن إلى تمديد الصفقة التي تضمن “كميات كبيرة نسبيا” من شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. وقال وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا إن البلاد تأمل في أن يضاهي الإنتاج ما سجّلته العام الماضي عندما بلغ نحو 7.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال صُدّر 80 في المئة منها إلى أوروبا. كما ذكر أن مصر تعتزم طرح ثلاث مزايدات عالمية للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في 2023.
وقالت مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون لرويترز إن “علينا الآن حل بعض مشاكل الاختناق. نتوقع أن مذكرة التفاهم هذه ستساعد على تمكين مصر من الاحتفاظ بكميات كبيرة نسبيا من الغاز الطبيعي المسال التي سلمتها إلى أوروبا العام الماضي”.
لكن المحلل الاقتصادي أليكس كيماني يرى في مقال له بموقع “أويل برايس” الأميركي أن على أوروبا ممارسة الضغط لنيل المزيد من الغاز الطبيعي المسال من الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في أي وقت قريب.
وحدد الملا لرويترز أن لمحطتي تسييل الغاز في مصر طاقة فائضة كبيرة حيث تعمل مصانع الغاز الطبيعي المسال حاليا بأقل من طاقتها الكاملة، لكنها مستعدة للفترة التي سيُتخذ فيها قرار بزيادة طاقتها إلى الضعف أو ثلاثة أضعاف.
لكن الطلب المحلي متزايد بينما تحدّ قيود البنية التحتية، لسوء الحظ، من قدرة مصر على زيادة الإنتاج بسرعة. وتكافح مصر مع المصالح المتنافسة لتوفير المزيد من الغاز لسوقها المحلي، لكنها تسعى إلى زيادة الصادرات أيضا في محاولة لتخفيف النقص الحاد في الدولار. كما أن كمية الغاز التي يمكن أن تزود بها مصر فعليا أوروبا ستعتمد إلى حد كبير على كمية الغاز الإسرائيلي الذي يمكن تسليمه عبر خط الأنابيب إلى محطات التسييل على ساحل مصر على البحر المتوسط قبل شحنه إلى أوروبا. وقد أقر المسؤولون في الواقع بأن أي توسع كبير في القدرة التصديرية سيستغرق وقتا مع احتياج المصانع الحالية إلى تعديلات بينما قد يجب إنشاء سلاسل إنتاج جديدة.
ومن المؤكد أن أوروبا تحتاج إلى كل الغاز الذي يمكنها الحصول عليه من مصر وأماكن أخرى.
واستورد الاتحاد الأوروبي، وفقا لبيانات كبلر، ما مجموعه 94.73 طن من الغاز الطبيعي المسال في 2022، وهو أعلى بنسبة 65 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق. وارتفعت الشحنات الأفريقية إلى التكتل بحوالي 2.87 طن متري على أساس سنوي إلى 19.72 مليون طن، مع وصول أكثر من 80 في المئة من مصر ونيجيريا والجزائر مجتمعة. وتضاعفت الصادرات المصرية أكثر من ثلاثة أضعاف بينما تقلصت صادرات نيجيريا والجزائر. وتمكنت أنغولا من مضاعفة إمداداتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 1.81 طن متري، بينما أرسلت موزمبيق شحناتها الأولى إلى الاتحاد الأوروبي في نوفمبر.
لكن الولايات المتحدة تبقى أكبر مصدّر للغاز لأوروبا. وقفزت الإمدادات الأميركية إلى القارة بمقدار 23.59 مليون طن على أساس سنوي إلى 38.86 مليون طن في 2022، مما يعني أن الولايات المتحدة وفت بوعودها بعد الاتفاق مع المفوضية الأوروبية في مارس على زيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال بمقدار 11.13 مليون طن على الأقل.
ومما يثير الاهتمام أن روسيا تفوقت على قطر لتصبح ثاني أكبر مصدر في الاتحاد الأوروبي، حيث عززت شحنات الغاز إلى القارة بمقدار 4.13 مليون طن سنويا لتصل إلى 15.12 طن متري. لكن من المهم أن نلاحظ أن جلّ الغاز الطبيعي المسال الروسي جاء من مصانع مملوكة لشركة نوفاتيك المستقلة المنتجة. واحتلت قطر المركز الثالث بعد تصدير 13.45 طن متري إلى الاتحاد الأوروبي، فيما شكّل ارتفاعا قيمته 1.66 مليون طن على أساس سنوي.
كما ارتفعت الإمدادات من أميركا اللاتينية بمقدار مليون طن سنويا لتصل إلى 2.78 مليون طن، مع كون 90 في المئة من مصادرها من ترينيداد وتوباغو. ولم تتمكن آسيا سوى من إمداد أقل من مليون طن متري، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال من عمان والإمارات العربية المتحدة والصين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. وفي الآن نفسه، بقيت الصادرات الأسترالية متواضعة عند 0.1 مليون طن على الرغم من تضاعفها ثلاث مرات على أساس سنوي.
وكانت فرنسا أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في 2022، وتجاوزت إسبانيا على الرغم من قلة قدرتها على الاستيراد. واستوردت فرنسا في العام الماضي 24.9 مليون طن، أي أكثر من ربع جميع واردات الاتحاد الأوروبي وحوالي ضعف الكميات التي استوردتها في 2021. ولحسن حظ باريس، تتمتع الدولة بوصلات خطوط أنابيب مع جيرانها أكثر من إسبانيا، مما يسهل تصدير الغاز الطبيعي المسال المعاد تحويله إلى غاز. وقد أصبحت فرنسا واحدة من أكبر مزوّدي ألمانيا بالغاز بعد أن قطعت برلين علاقاتها بروسيا.