القاهرة – أحمد حافظ
قطعت الحكومة المصرية الطريق على انتقادات كانت ستطالها وألغت مؤتمر الشباب الذي يعتقد المصريون أن تنظيمه يتعارض مع سياسات التقشف التي تنتهجها الدولة.
وألغت الحكومة المصرية النسخة الخامسة من منتدى شباب العالم هذا العام بسبب الأعباء الاقتصادية وتجنب الدخول في مواجهة جديدة مع الشارع، وقوى معارضة انتقدت الحكومة في سيرها عكس اتجاه التقشف بشكل مثير للاستفزاز.
وأعلنت إدارة منتدى شباب العالم إلغاء إقامة هذه النسخة على أن تقوم بتقديم مبادرات بديلة له تستهدف ريادة الأعمال وتطوير قدرات المزارعين لتحقيق الأمن الغذائي، ومساعدة الفقراء والمتضررين من الحروب والنزاعات ودعم اللاجئين والمهاجرين.
وقالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن الإلغاء المفاجئ لمنتدى شباب العالم مرتبط بأسباب اقتصادية بشكل أساسي، لأن وسائل الإعلام الحكومية كانت مهدت الرأي العام لانعقاد النسخة الخامسة منه، وروجت له على نطاق واسع، وعددت مزاياه، لكن ردة الفعل السلبية قادت إلى إلغائه، لأسباب تتعلق بالمواءمات السياسية.
وبدا الترويج لانعقاد منتدى شباب العالم اختبارا سياسيا للرأي العام لقياس مدى تقبله للأمر وسط ظروف اقتصادية بالغة التعقيد، لكن تعرض الحكومة لانتقادات ومخالفتها دعوات التقشف، حيث تنفق مبالغ ضخمة على الفعالية، دفعها لإعادة النظر.
وجاءت فكرة المنتدى عندما عرضت مجموعة من الشباب المصري على الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل عام 2017 مبادرة لإقامة حوار مع شباب العالم، واستجاب لهم، ومنذ ذلك الوقت يقام مؤتمر سنوي يحضره شباب من دول مختلفة، وتم تنظيم أربع نسخ منه في مدينة شرم الشيخ على البحر الأحمر.
وفي كل مرة عقد فيها منتدى شباب العالم كانت تثار تساؤلات حول الأموال التي يتم إنفاقها على المئات من المشاركين من دول عديدة، ولماذا لا يتم توجيهها لمسارات أخرى أكثر أهمية أو توفيرها لسد العجز في أيّ من بنود الحماية الاجتماعية.
ولا يخلو إلغاء النسخة الخامسة من أسباب سياسية مرتبطة بالإحباط الذي ضرب قطاعات شبابية في مصر على وقع الظروف الاقتصادية الصعبة واستمرارالتضييق في الفضاء العام، وإخفاق الحكومة في وضع حلول واقعية للأزمة الاقتصادية.
وقوبل قرار إلغاء المنتدى هذا العام بترحيب شعبي على اعتبار أن الحكومة استوعبت الدرس واقتنعت أن هذه الفعاليات لا تحظى بقبول لدى الشارع الناقم على أوضاعه، ولا تخرج عنها قرارات قابلة للتنفيذ بعد أن أخذ المنتدى طابعا كرنفاليا.
ورأى داعمون لإلغاء المنتدى أن الظروف الاقتصادية لا تسمح بانعقاده، وكان ضروريا أن تقدم الحكومة نفسها للشارع قدوة في ترشيد النفقات لتجاوز الأزمة، ويكفي أن هناك مجالات لا تزال تنفق فيها الدولة مبالغ طائلة يمكن تأجيلها أو تجميدها أيضا، غير أنها تصر على استكمالها، ما أثار ضدها تذمرا مكتوما.
وأكد خالد داوود المتحدث باسم الحركة المدنية، المقرر المساعد للجنة الأحزاب السياسية بالمحور السياسي في الحوار الوطني، أن الإلغاء جاء استجابة لرغبة واضحة من الأحزاب والرأي العام بحتمية تقليل النفقات على أمور لا تعود بالفائدة على الناس.
وأضاف لـ”العرب” أن الفعالية الشبابية تكلف الموازنة العامة مبالغ طائلة في وقت تزداد معاناة المواطنين ولا تخرج بنتائج ملموسة، والتوصيات السابقة لهذه المؤتمرات لم ينفذ جزء كبير منها، ولذلك فإلغاء النسخة الجديدة أمر منطقي، ولا بد أن تتوسع الحكومة في ترشيد الإنفاق في القطاعات قليلة الجدوى حاليا.
الإلغاء المفاجئ لمنتدى شباب العالم مرتبط بأسباب اقتصادية بشكل أساسي
وأقرت الحكومة مطلع العام الجاري حزمة قرارات لترشيد الإنفاق العام لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية، تضمنت تأجيل تنفيذ أي مشروعات بها مكون دولاري، والحد من سفر المسؤولين للخارج، وحظر الصرف على نفقات الدعاية والإعلان والحفلات والفعاليات إلا للضرورة القصوى.
ولا يشعر الكثير من المصريين أن المؤتمرات الشبابية حققت الشعارات التي رفعتها، وأبرزها توسيع مشاركة الشباب في انتخابات المحليات وإنشاء هيئات مساعدة للوزراء من الشباب وهيئات مستقلة للمشروعات الشبابية.
وهناك قناعة حكومية بأن ما تم طرحه من توصيات في المؤتمرات الشبابية يصعب تطبيقه لظروف اقتصادية وسياسية معقدة، وتكرار عقد الفعالية دون وجود إنجازات حقيقية يمثل إحراجا بالغا لها أمام الرأي العام.
وكانت الفعاليات الشبابية فرصة ثمينة لعرض طموحات وأفكار الشباب، وبدت تطلعاتهم تفوق قدرات ونوايا الحكومة وتمثل ضغطا سياسيا عليها.
ولا تنكر شريحة من الشباب أن الرئيس السيسي سعى للتقارب معهم وتلبية أهدافهم السياسية والاقتصادية بوصفهم ركيزة تتكئ عليها الدولة مستقبلا، لكنهم اصطدموا بخيبة أمل لعدم قدرة الحكومة على تلبيتها بعد أن أصبحت غارقة في مشكلات عدة.
ثمة قناعة حكومية بأن ما تم طرحه من توصيات في المؤتمرات يصعب تطبيقه لظروف اقتصادية وسياسية
ونجحت الأكاديمية الوطنية للتدريب، التابعة لمؤسسة الرئاسة في مصر، المنوط بها عقد المؤتمرات الشبابية، في تكوين قاعدة جماهيرية من الشباب الواعي سياسيا، وقدمتهم للاعتماد عليهم في مناصب حيوية، لكن المعضلة في التعقيدات الحكومية.
وصارت هناك أصوات معارضة في مصر مقتنعة بوجود فارق سرعات بين الرئيس السيسي والحكومة في مسألة التقارب مع الشباب، لأنه يتعامل معهم باعتبارهم نواة للحفاظ على الدولة، بينما تتعاطى الحكومة معهم بسلبية لافتقادها الحس السياسي.
وبرهن الرئيس المصري على إيمانه بقدرات وإمكانيات الشباب واختيار قيادات منهم قبل أن تصبح الدولة عاجزة عن تجديد الدماء، لكن لم تكن هناك جهات لها مصداقية تسوّق لذلك أو تسعى لتطبيق التوصيات التي طرحت في فعاليات شبابية سابقة.
وأمام التعقيدات السياسية والاقتصادية، تنامى الشعور لدى دوائر صناعة القرار بأنه لا جدوى من التكرار طالما أن مطالب الشباب بلا سقف وليس منطقيا إنفاق مبالغ ضخمة على مؤتمر يعيد طرح توصيات وقرارات لا تنفذ وتضع السلطة في حرج.
وظل منتدى شباب العالم جزءا من مساعي الرئيس السيسي لتكوين رأي عام دولي إيجابي عنه وعن مصر، لكن لا يزال الكثير من المتابعين يعتقدون أن تقارب السلطة مع الشباب أبعد من مجرد فعالية، فالأمر بحاجة لتغيير سياسة الحكومة مع الشباب.
وإذا كان إلغاء النسخة الخامسة للمنتدى تم لأسباب اقتصادية معلنة، فالحكومة مطالبة بحسب مراقبين بالتعاطي بعقلانية مع الدوافع السياسية الخفية والكف عن تبني سياسات تزيد من تعقيد علاقتها بالشباب، أو على الأقل تفسح المجال لهم للتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم بحرية تامة ومن دون تضييق أو فرض أجندات معينة مسبقا.
المصدر العرب اللندنية