كريتر نت – متابعات
تحاول روسيا أن تتحرك في مسعى مضاد لكسر الحصار الذي يحاول الغرب فرضه عليها في أفريقيا من خلال إثارة قضية مجموعة فاغنر، في وقت نجحت الولايات المتحدة في أن تقرن نشاط هذه المجموعة بالحرب على الإرهاب وتحولها إلى قضية.
وجاءت الجولة الأفريقية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في هذا السياق، حيث توجه بالنقد بصفة خاصة إلى فرنسا التي بررت انسحابها من مالي وبوركينا فاسو بتزايد النفوذ الروسي هناك تحت مظلة مجموعة المرتزقة الروس فاغنر.
وانتقدت وزارة الخارجية الروسية استمرار ما اعتبرته “معاملة فرنسا للدول الأفريقية من وجهة نظر ماضيها الاستعماري”.
ويقول مراقبون إن مجموعة فاغنر تحولت إلى مشكلة أمام مساعي روسيا للحفاظ على علاقاتها التقليدية في أفريقيا، حيث باتت دول تصنف على أنها صديقة لموسكو توازن بين السير مع روسيا والخوف من الغضب الأميركي.
لافروف تجنب أي ذكر لأنشطة فاغنر خلال محادثاته في أفريقيا بعد أن صنفتها واشنطن “منظمة إجرامية”
وحاول لافروف الذي أدى زيارة عمل إلى جنوب أفريقيا في الثالث والعشرين يناير، إقناع المضيفين بأن موقفهم الحيادي يمكن أن يصبح أقل صرامة بسبب الضغط الغربي المعادي المتصاعد على روسيا. ومع ذلك، لم تتحقق الكثير من النتائج العملية من جهود لافروف.
وكان لافروف يأمل في وضع أساس لقمة روسية – أفريقية ثانية، بعد أن أعيد تحديد موعدها إلى أواخر يوليو 2023 في سانت بطرسبرغ بسبب الإلغاء الناتج عن الوباء في 2020. لكن محتوى هذه العلاقات قد تغير بعمق كبير منذ أول قمة من نوعها في سوتشي في أكتوبر 2019.
وأسقط وزير الخارجية الروسي بوتسوانا من جولته، لكنه اختار السفر إلى إريتريا التي كانت واحدة من خمس دول صوتت ضد القرار الذي يدين العدوان الروسي على أوكرانيا ضمن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من مارس 2022.
لكن الوجهة الرئيسية للافروف كانت جنوب أفريقيا التي تكمن أهميتها في أنها العضو الخامس في مجموعة البريكس متعددة الأطراف (إلى جانب البرازيل والصين والهند وروسيا) ولكونها تجد خطاب موسكو اللاذع المناهض للغرب مفيدًا إلى حد ما.
ولا يزال تدفق التجارة ضئيلًا والاستثمارات غير موجودة، لكن خطة إجراء مناورات بحرية مشتركة مع الصين وجنوب أفريقيا في المحيط الهندي بالقرب من ميناء ديربان قد جذبت اهتمامًا كبيرًا، حتى لو كانت الفرقاطة الروسية الوحيدة هناك الأدميرال غورشكوف غير فاعلة كما يجب.
أفريقيا أصبحت أولوية في السياسة الخارجية الروسية تقريبًا ولكن بشكل افتراضي
وكان لافروف حريصًا على تجنب أي ذكر لأنشطة مجموعة فاغنر في أفريقيا خلال محادثاته بعد أن صنفتها وزارة الخزانة الأميركية على أنها “منظمة إجرامية عابرة للحدود الوطنية” في السادس والعشرين يناير المنقضي.
وقد ندد الكرملين بهذا التوصيف باعتباره “شيطنة”، لكن سجل فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومالي يثير الكثير من الشكوك والاتهامات لمجموعة المرتزقة التي يعتبر رئيسها أحد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولا تضع وزارة الخارجية الروسية أي رقابة على شبكات فاغنر وقد لا تعرف ما إذا كانت المجموعة تخطط للتوسع نحو بوركينا فاسو التي قطعت العلاقات العسكرية التقليدية مع فرنسا.
ومن الواضح أن التركيز الرئيسي تحول في الوقت الحالي إلى عمليات فاغنر في أوكرانيا، حيث تنخرط ميليشياتها التي جنّدت حديثًا عددا كبيرا من السجناء في روسيا في قتال عنيف حول باخموت، مما تسبب في خسائر فادحة.
وصنع يفغيني بريغوزين رئيس مجموعة فاغنر أعداء لدودين بين كبار الضباط في روسيا وطوّر ملفًا سياسيًا طموحًا لدرجة أن فائدته للكرملين قد تنتهي قريبًا، وفق ما نقل موقع أويل برايس عن مؤسسة جايمس تاون.
وأصبحت أفريقيا أولوية في السياسة الخارجية الروسية تقريبًا ولكن بشكل افتراضي، كما هو الحال في الشرق الأوسط الأوسع، الذي كان يجذب الكثير من اهتمام الكرملين في الماضي غير البعيد.
من الواضح أن التركيز الرئيسي تحول في الوقت الحالي إلى عمليات فاغنر في أوكرانيا
وتضعف مواقف روسيا لأسباب ليس أقلها قلق الدول العربية وإسرائيل من توسيع التعاون العسكري بين موسكو وطهران.
وكانت سوريا نقطة انطلاق لنشر فاغنر في ليبيا. ويتراجع هذا الوجود في كلتا الدولتين مع ذلك، وتتولى تركيا زمام المبادرة في التلاعب بالصراع، متجاهلة المصالح الروسية.
ويمكن أن يدعم التعاون مع الصين النفوذ الروسي في أفريقيا، ولكن لم يتحقق الكثير من هذا النوع من التآزر، ليس بسبب الموازنة مع الولايات المتحدة أو فرنسا، ولكن لأن بكين تفضل التصرف بمفردها. وعلى الرغم من الترويج للتدريبات البحرية المشتركة في موسكو باعتبارها دليلًا رئيسيًا على الوحدة، إلا أنها تظل استثناءً من حالة التعاون البسيط هذه.
وتبقى الاستثمارات الصينية في استخراج الموارد الطبيعية الأفريقية ضخمة ومتنامية، لكن بكين ستفكر مليًا قبل توظيف مرتزقة فاغنر للحماية، وتتقدم الخطط بهدوء لتنظيم العديد من شركات الأمن شبه الخاصة الصينية.
ولا يقتصر طموح الرئيس الروسي لعقد القمة الروسية – الأفريقية التي دعا إليها لافروف ملك إسواتيني، على التنافس مع قمة القادة الأميركية – الأفريقية التي عقدت في واشنطن في ديسمبر 2022، ولكن لإثبات قيمة العلاقات الروسية للصين في القارة.
ويجعل العجز الواضح عن دعم الدبلوماسية بالاستثمارات أو على الأقل بالمساعدات الإنسانية النفوذ الروسي في أفريقيا عابرا إلى حد ما.
وعلى هذا النحو، ستتجه الانتظار لرؤية عدد القادة الذين سيرافقون رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إلى قمة سان بطرسبرغ، شريطة أن تنعقد القمة الروسية – الأفريقية بالفعل.
ومع ذلك، يمكن أن تكون أنشطة مجموعة فاغنر في أفريقيا مصدر قلق أكثر جدية. ومن المحتمل أن ينجح كبار الضباط في روسيا في تقليص نفوذ بريغوزين بحلول منتصف الصيف، مع إعادة نشر بقايا رجاله في ركن من مسرح دونباس.
وقد يحاول مؤسس فاغنر بعد ذلك إعادة تأكيد أهميته من خلال منح بوتين فرصة لتحقيق “انتصار” في بوركينا فاسو أو أي دولة أفريقية أخرى تعاني من الصراع الداخلي.