كريتر نت – متابعات
رغم تواجده في أفريقيا منذ أكثر من عقدين في إطار محاربة الإرهاب، فشل الغرب في مساعيه مع تكاثر التنظيمات المسلحة في القارة، خاصة في منطقة الساحل، وهو ما يجعل اتهامه مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية التي دخلت الساحة مؤخرا بتأجيج الإرهاب في المنطقة، غير ذي مصداقية.
ومقارنة بالتواجد الغربي في أفريقيا وخارطة النفوذ فيها، دخلت مجموعة فاغنر إلى المنطقة متأخرة، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن صواب توجيه الاتهامات لها بتأجيج الإرهاب المنتشر أصلا.
ويقول مراقبون إن الغرب يحاول بالتركيز على دور فاغنر “التخريبي” إلقاء فشل سياساته على عناصر خارجة عن نطاق مهامه في أفريقيا، رغم أن تواجد المجموعة شبه العسكرية الروسية قد يذكي ظاهرة الإرهاب والتحالفات الجهادية في المنطقة.
ويشير هؤلاء إلى أن تمدد الإرهاب في المنطقة يعود بالأساس إلى فشل الخيارات الغربية، ما قد يجعل من تأجيجه امتدادا لصراع الغرب مع روسيا على أراضي أفريقيا ذات النفوذ الغربي.
تمدد الإرهاب في المنطقة يعود بالأساس إلى فشل الخيارات الغربية، ما قد يجعل من تأجيجه امتدادا لصراع الغرب مع روسيا على أراضي أفريقيا
وحذر نائب السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة جيمس كاريوكي في حديثه أمام مجلس الأمن التابع للمنظمة هذا الشهر من “الدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه مجموعة فاغنر” في منطقة الساحل، التي تهزها الصراعات الممتدة عبر غرب أفريقيا وشمالها ووسطها، من السنغال إلى السودان.
وخلص كاريوكي في حديثه عن المقاول العسكري الخاص المرتبط بالكرملين إلى “أنه جزء من المشكلة وليس حلا”. وتشير الأبحاث إلى أن نهج مجموعة فاغنر في أفريقيا من المرجح أن يزيد من زعزعة استقرار البلدان التي تنشط المجموعة فيها.
وقد فشل القمع الجماعي والمتصاعد ضد المتمردين تاريخيا، بالإضافة إلى التركيز الفردي على العمليات الحركية، في تهدئة الصراعات، وأدى ذلك في الكثير من الأحيان إلى إطالة أمدها بدلا من المساهمة في إطفائها. وليس الساحل استثناء في هذا الإطار، حيث توجد ثلاث طرق رئيسية سيؤثر وجود فاغنر من خلالها على التهديد الإرهابي المنبثق من المنطقة مباشرة.
ويشير محللون إلى أن من المرجح أن تساهم انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات مجموعة فاغنر في خلق مظالم بين السكان، بما سيوفر أرضا خصبة للجماعات الإرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل، وسيمكنها من تجنيد أعضاء جدد وتوفير الموارد البشرية التي تشتد حاجتها إليها.
وتتهم قوات فاغنر في مالي بارتكاب فظائع جماعية، كالتعذيب والإعدامات، دون محاكمة كاملة وعادلة، وبتورطها في حالات الاختفاء القسري والاغتصاب والقتل خارج نطاق القضاء في جمهورية أفريقيا الوسطى.
ومن المرجح أن يؤدي الشعور بالإفلات من العقاب إلى تواصل هذه الاتجاهات، حيث إن المتعاقدين العسكريين الخاصين لن يُحاسبوا على أي من هذه الجرائم لكون الدول التي يعملون فيها تعاني من قدرات تحقيق ضعيفة وأنظمة قضائية غير مستقلة.
وثانيا، يتوقع المحللون أن تؤدي علاقات فاغنر التجارية مع حكومات منطقة الساحل إلى نزع الشرعية عن هذه الأنظمة في أعين السكان. وقد تكررت الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو وتشاد على مدى السنوات العديدة الماضية. وإذا كانت الحكومات الشرعية تحتكر استخدام العنف، وتفرض سيادة القانون، وتوفر الخدمات الأساسية لمواطنيها، فإن البلدان التي تعمل فيها مجموعة فاغنر لا تفعل أيا من هذه الأشياء، مما يشجّع الإرهابيين والمتمردين والمتطرفين العنيفين الذين يسعون إلى استبدال الحكومة أو العمل بالتوازي.
وتأتي مساعدة فاغنر دون قيود، لذلك لا يهتم الطغاة الأفارقة بالمحاضرات التي تتطرق إلى حقوق الإنسان، ومبادرات مكافحة الفساد، والحكم الرشيد.
وتدخل الدبلوماسيون الروس في سياسات البلدان التي تنتشر فيها فاغنر. وقد أصر ممثلو الحكومة الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى على الرئيس فوستين أرشانج تواديرا من أجل إلغاء القيود الدستورية على عدد من الولايات الرئاسية. وتثير حملات التضليل المدعومة من فاغنر وعمليات التأثير في أفريقيا جنوب الصحراء أيضا المشاعر المعادية للغرب بين السكان المحليين، مما يزيد من تشويه الديناميكيات السياسية المعقدة بالفعل.
وثالثا، نظرا لأن مرتزقة فاغنر لا يقدمون سوى التعاون الأمني على أساس خطوط حركية بحتة (تجنب الممارسات الجيدة للتدريب على مكافحة التمرد، مثل تعزيز سيادة القانون، وتعزيز الحكم الرشيد، وإنشاء قضاء مستقل)، فإن أي مكاسب أمنية متصورة ستكون عابرة. ولذلك، فقد أدى وجود مجموعة فاغنر إلى تنشيط الجماعات الجهادية التي استولت على مناطق في جميع أنحاء المنطقة وسعت إلى السيطرة عليها. وقد أعطى ذلك للجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة حرية أكبر للمناورة ومساحة أوسع للنشاط.
وزاد تفاقم الوضع بسبب المحور الغربي من مكافحة الإرهاب إلى المنافسة بين القوى العظمى وسحب القوات الأميركية والفرنسية من المنطقة ونقلها، مما ترك فراغا أمنيا كانت مجموعة فاغنر حريصة على ملئه.
وسيكون نتيجة ذلك المزيد من نشاط فاغنر في أفريقيا جنوب الصحراء وامتدادها إلى البلدان التي لم تتأثر في السابق، بما في ذلك التوغو وبنين والسنغال وساحل العاج. وستؤدي مستويات العنف التي تعتبر أبعد من ذلك إلى تسريع حركة اللاجئين داخليا، ويمكن أن يؤجج هذا العداء في الكثير من الأحيان بين المجموعات العرقية والدينية المختلطة في المنطقة.
ويجادل خبراء بأن مجموعة فاغنر سعت إلى النهب، حيث استولت على الموارد مقابل “ضمان الأمن، لكنها ستنسحب بمجرد استنفاد الموارد والمعادن، تاركة وراءها منطقة مضطربة يمكن أن تتطور إلى ملاذ آمن للجماعات الجهادية”.
وبناء على ذلك، يؤكد المحللون أن واشنطن وباريس وحلفاءهما تجب عليهم إعادة النظر في الانسحاب العسكري من منطقة الساحل، حيث يفتح الغرب الباب أمام موسكو لتوطيد نفوذها في المنطقة من خلال التنازل عن الأرض لصالح مجموعة فاغنر.