القاهرة – أحمد حافظ
بدت الشروط الجديدة التي أقرتها الحكومة المصرية لاستمرار حصول البسطاء على مساعدات مالية شهرية مخيبة لآمال الكثير من الأسر كونها تعجيزية، وتمهد الطريق لانسحاب الحكومة ووضع عراقيل أمام المستفيدين من الدعم النقدي.
وأطلقت وزارة التضامن الاجتماعي، المعنية بصرف المساعدات للأسر الفقيرة، عبر مشروع “تكافل وكرامة” برنامج الدعم النقدي المشروط تحت شعار “اللي أوله شرط، آخره فلوس في الكارت”، أي أن الاستجابة للشروط الحكومية يوازيها صرف الدعم.
وحددت الوزارة قبل أيام مجموعة من الشروط بدونها لن تستطيع أي أسرة فقيرة أن تستمر في الحصول على الدعم النقدي، وهي خفض معدلات التسرب من التعليم ومنع عمالة الأطفال، وتعزيز السلوكيات الصحية وخفض معدلات الإصابة بأمراض سوء التغذية، وإلحاق الأطفال في السن من 6 إلى 18 عاما بمدارس التعليم الأساسي، والانتظام بالحضور في المدرسة بنسبة لا تقل عن 80 في المئة من أيام الدراسة.
◙ إذا نفذت الحكومة تهديداتها وأقرت إسقاط الدعم عن المستفيدين كونهم لم يلتزموا بالشروط التي تم تحديدها، فالأزمة ستكون مركبة
علاوة على عدم تزويج أيّ من أطفال الأسرة قبل بلوغ السن المحددة للزواج قانونا (ثمانية عشر عاما) والتزام الأمهات في سن الإنجاب والأطفال الأقل من ست سنوات بزيارة الوحدات الصحية لتلقي الخدمات الصحية الوقائية المقررة للطفل والأم.
وأثارت الشروط الحكومية مخاوف البسطاء والحقوقيين من أن تكون بداية الطريق لوقف الدعم المقدم للملايين من الأسر، وسط ظروف معيشية بالغة الصعوبة جراء الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات الغلاء والتضخم إلى مستويات غير مسبوقة.
ويبدو أن الحكومة وجدت صعوبات اقتصادية للاستمرار على نفس النهج في الدعم بمساعدات مالية شهرية مع الأزمة الطاحنة، ففكرت في أن تنسحب تدريجيا من الورطة بوضع شروط عديدة تُدرك صعوبة تطبيقها عند الكثير من الأسر.
ويرى معارضون للحكومة أنها مرتبطة بإدارة علاقاتها مع البسطاء، فهي تلزمهم بعدم تشغيل أولادهم في سن صغيرة، ورغم ذلك تمضي في تقنين عمالة الأطفال عبر مشروع قانون تتم مناقشته في مجلس النواب بدعوى معالجة الظاهرة.
وكانت الحكومة دشنت خطة للقضاء على عمالة الأطفال منذ أربع سنوات، لكنها ذهبت باتجاه تقنين الظاهرة لمن تقل أعمارهم من 14 عاما تحت مسمى التدريب، ما يضع علامات استفهام حول جدوى ما تفرضه من شروط، وهي أول من يخالفها.
ووافقت لجنة القوى العاملة في مجلس النواب مؤخرا على المواد المنظمة لتشغيل الأطفال بمشروع قانون العمل المقدم من الحكومة ويسمح بتدريب الأطفال متى بلغت سنهم 14 عاما بما لا يعوقهم عن مواصلة التعليم، ما يعد مخالفة للدستور الذي يحظر عمل الأطفال قبل إنهاء مرحلة التعليم الأساسي التي تنتهي عند سن الخامسة عشرة.
ويلجأ البسطاء إلى تشغيل أولادهم في سن صغيرة لمساعدة الأسر على مواجهة صعوبات الحياة أمام الفقر وسوء الأوضاع المعيشية، في حين ترفض الحكومة استمرار هذا النهج وتشترط أن يداوم الأطفال على الذهاب إلى المدارس، وإلا يتم حرمان الأسرة من الدعم النقدي الذي يساعدها، نسبيا، على تحسين وضعها المادي.
وتحصل خمسة ملايين أسرة، بشكل شهري، على دعم نقدي من الحكومة، لكن ما يعزز المخاوف أن الدولة بدأت تميل إلى رفع الدعم عن السلع الغذائية والخدمات الأساسية التي كانت تمثل بالنسبة إلى المصريين الخط الأحمر الذي لا يمكن الاقتراب منه، بالتالي لن تمانع من تطبيق نفس الفكرة على من يحصلون على دعم شهري.
ورأى جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس أن أي انسحاب للحكومة من مسؤولياتها تجاه المستفيدين من الدعم ولو بشكل تدريجي مجازفة محفوفة بالمخاطر، لأن الدخول في مواجهة مع ملايين من الأسر ليس بالأمر السهل، خاصة أن هؤلاء ربما يكونون قاعدة شعبية تعول عليها إذا حدثت أزمات أمنية وسياسية.
ونجح الرئيس عبدالفتاح السيسي في تكوين قاعدة شعبية عند الفئة المجتمعية التي تتشكل من البسطاء، حيث يوجه إليهم خطابات استثنائية، ويصر على حمايتهم من دوامة الفقر والغلاء بتقديم مساعدات شهرية، وأصبح في نظرهم القائد الذي تدخل لإنقاذهم من الجوع والعوز.
وأكد زهران لـ”العرب” أن الحكومة تبدو كأنها تتعمد السير عكس اتجاه الشارع وأزماته، فهي تساوم البسطاء على حقوقهم وتلوّح برفع الدعم عن الرافضين لشروطها، ولا تعترف بأنها كانت سببا في بعض المشكلات التي تحاربها، فالكثير من الفقراء اتجهوا لتشغيل أولادهم أمام سوء الأوضاع المعيشية، وارتفاع كلفة التعليم.
وتناست الحكومة أن حالة اليأس بين الفقراء وشريحة من الطبقة المتوسطة تسببت في انهيار قيمة تعليم الأبناء، ولم يعد بنفس القدسية التي كانت موجودة في الماضي، بالتالي فشروطها لصرف الدعم المرتبطة باستمرار التعليم غير مجدية وغير قابلة للتنفيذ طالما أن تشغيل الأطفال يجلب للأسر أضعاف ما تمنحه الحكومة من مساعدات.
◙ الشروط الحكومية تثير مخاوف البسطاء والحقوقيين من أن تكون بداية الطريق لوقف الدعم المقدم للملايين من الأسر
ولا تزال أزمة الحكومة المصرية أنها تداوم على معاقبة الشارع بإجراءات هي السبب فيها، فمن يوظفون أولادهم في حرف بعيدا عن التعليم لجأوا لذلك لأن المؤسسات التعليمية لا تُعفي أبناء البسطاء من كل المستلزمات الدراسية، والذين يزوجون بناتهم في سن صغيرة يحاولون تخفيف الأعباء المادية عنهم بالتخلص من عبء الإنفاق.
أما الذين يُعاني أولادهم من سوء التغذية وتهددهم الحكومة برفع الدعم النقدي عنهم مضطرون لتناول أطعمة رديئة وزهيدة الثمن وتتسبب في سوء التغذية بسبب الغلاء الذي فشلت الحكومة في مواجهته وعدم توفير مظلة حماية اجتماعية آدمية للفقراء، أي أن هؤلاء ليس أمامهم سوى التقشف أمام الإخفاق الحكومي في انتشالهم.
ويعتقد متابعون أنه حتى لو تم التعامل مع اشتراطات الحكومة لاستمرارية دعم البسطاء بحسن نية، وأنها ترغب في تحسين الأوضاع التعليمية والصحية والاجتماعية للفقراء بإلزامهم بضوابط محددة نظير الحصول على مساعدات مالية، فعليها أن تقوم بمسؤولياتها بعيدا عن الترهيب والتهديد.
وإذا نفذت الحكومة تهديداتها وأقرت إسقاط الدعم عن المستفيدين كونهم لم يلتزموا بالشروط التي تم تحديدها، فالأزمة ستكون مركبة، لأن إلغاء الدعم النقدي سيجلب المزيد من التحديات التي تكون لها آثار سياسية معقدة، فالحرمان من المساعدات مثلا لن يعيد الأطفال إلى المدارس، وربما يزيد من معدلات الفقر والتذمر ويفجر الغضب.
المصدر العرب اللندنية