هشام النجار
يستغل تنظيم داعش الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في لبنان لتحويل البلد إلى ولاية رئيسية له مستغلا الفقر والخصاصة عبر إغراءات كثيرة مكنته من التوسع مبدئيا في مخيم عين الحلوة أين ينتشر العديد من الأفراد الذين هم على صلات بقادة من التنظيم في سوريا والعراق.
ولم يكتف فرع داعش في لبنان بإعلان المبايعة لخليفة التنظيم الجديد أبوالحسين الحسيني القرشي أسوة بباقي الأفرع، إنما شكل ما أطلق عليه “ولاية لبنان” مؤخرا، بما يعكس الاتجاه نحو استكمال ما يُعرف بالهلال الداعشي أو محور الشام الكبرى.
ويسعى التنظيم للتمركز في لبنان وجعل البلد الذي يُعاني من أزمات سياسية واقتصادية ومناكفات، وربما تؤدي إلى حروب طائفية، أحد مراكز نفوذه بهدف ضمه إلى محور قوة ثلاثي مركزي يشمل العراق وسوريا ولبنان.
وترتبط إعادة تموضع داعش في لبنان وتأسيس أحدث ولاياته بخطط إعادة بناء التنظيم في العراق وسوريا، وهما من أهم معاقله التقليدية في المنطقة، ولا يتحرك وينشط في ساحة واحدة، بل بشكل منسق مع العديد من الساحات التي يغذي بعضها بعضًا.
ويخطط داعش لاستعادة نشاطه في لبنان عن طريق إحياء حضوره كما كان في وقت سابق من عرسال إلى العراق مرورًا بسوريا، ما يكشف الهدف وراء انتقال العشرات من الشبان اللبنانيين الفترة الماضية من الشمال للالتحاق بالتنظيم في العراق.
حزب الله يتعمد إظهار أبناء طرابلس في مظهر الإرهابيين بغرض احتواء احتجاجات السنة ضده في الشمال اللبناني
وأكدت تقارير صحافية مقتل شباب لبنانيين في عمليات مواجهة عديدة نفذتها القوات العراقية ضد تنظيم داعش، ما يعني انتقال أعداد من لبنان وانخراطهم في صفوف التنظيم بالعراق.
ويعمل خط تهريب اللبنانيين إلى العراق عبر سوريا في الاتجاهين، ويستعيد الفرع اللبناني بعض الذين جرى تدريبهم واشتراكهم في أنشطة قتالية في العراق وسوريا للاستفادة بخبراتهم داخل لبنان.
وزادت الحرب السورية وتوابعها الميل نحو التطرف والتكفير لدى قسم من الشباب السُنة، وهو ما لا ينطبق على السوريين والعراقيين وحدهم، إذ اعتنق هذا الفكر قسم من الشباب اللبنانيين.
ولم ينشأ هذا الميل من توافد اللاجئين السوريين إلى لبنان، لكنه جاء كرد فعل مباشر لانخراط حزب الله الموالي لإيران وغيره من الميليشيات الشيعية للقتال في الداخل السوري.
ويستفيد التنظيم لمواصلة هذا النشاط وتطويره من هشاشة الحدود اللبنانية – السورية، ما يسمح بحرية الحركة لأفراده والانتقال عبر الحدود إلى جانب قرب تمركزهم في شمال لبنان وغربه ووسطه من تمركزه القوي في سوريا.
ولعب القرب الجغرافي والتداخل العائلي دورًا مهمًا في توجه عدد كبير من العائلات السورية للاستقرار في لبنان بمن فيهم بعض المندسين من التنظيمات التكفيرية، حيث يشترك البلدان في حدود برية طويلة تمتد إلى حوالي 375 كيلومترا، معظمها غير مرسم أو يخضع للرقابة الحدودية.
تبادل منافع
صورة
أدى عدم ضبط الحدود بين البلدين وترسيمها، خاصة في القسم الشمالي من لبنان، إلى نشأة جيوب خارجة عن سلطة الدولة استوطنتها لفترة مجموعات مسلحة سورية كانت تهرب إليها عند إحكام قوات النظام السوري وحزب الله حصارها عليها من الجهة السورية.
وكانت هذه الجيوب من المناطق المهمشة اللبنانية والتي يهرب إليها الجرحى من المسلحين السوريين للعلاج والراحة قبل معاودة عبور الحدود السورية والعودة لقتال قوات النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه.
ونشأ عن ذلك تداخل بين سكان بعض المخيمات السورية المدنية التي أقيمت بشكل عشوائي وبين البؤر التي تؤوي مسلحي الفصائل السورية.
داعش يخطط لاستعادة نشاطه في لبنان عن طريق إحياء حضوره كما كان في وقت سابق من عرسال إلى العراق مرورًا بسوريا
ولم يكن هؤلاء المسلحين من لون واحد، فمنهم من انضوى آنذاك تحت لواء “الجيش الحر” ومنهم المنتسبون لـ”جبهة النصرة” وداعش.
وأدى التداخل تلقائياً لنشأة بؤر خارجة عن سلطة الدولتين، لاسيما في منطقة عرسال، والتي خاض فيها الجيش اللبناني معارك ضارية مع مسلحي داعش و”جبهة النصرة” بعد قيامهم بخطف البعض من جنوده في صيف عام 2017.
وطغى الإغراء المالي على الشحن الأيديولوجي ضمن وسائل التجنيد داخل الساحة اللبنانية عبر استغلال الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، حيث تلقى عدد كبير من الشباب عروضًا مالية تصل إلى ألفي دولار شهريًا نظير الانخراط في القتال في صفوف داعش.
كما أنه ليس لدى غالبية من التحقوا بداعش من الشمال اللبناني ارتباطات عقائدية مسبقة بالتنظيم، ما يعني أن هؤلاء الشباب ضحايا للفقر والأوضاع المعيشية السيئة.
ولعب حزب الله الموالي لإيران دورًا في تسهيل انتقال هؤلاء الشباب بين العراق وسوريا ولبنان، حيث يشرف الحزب على عصابات التهريب.
ويهدف وكلاء إيران في لبنان من وراء وصم بعض المناطق ذات الأغلبية السنية مثل طرابلس وغيرها بالإرهاب واتهامها بكونها معقلا من معاقل جماعات التكفير السنية إلى إسقاط تمثيلها السياسي للسنة اللبنانيين حتى لا تتمكن من امتلاك أدوات المنافسة السياسية ومزاحمة حزب الله في مشهد السلطة والاستحقاقات الانتخابية.
وثمة محاولات من قبل حزب الله لإظهار أبناء طرابلس في مظهر المتشددين والإرهابيين بغرض إحياء المخاوف المسيحية من التطرف السني واحتواء احتجاجات السنة في الشمال اللبناني، لأن طرابلس من أكثر المدن اللبنانية التي شهدت احتجاجات ضد حزب الله.
مخطط تحويل لبنان إلى ولاية داعشية يقوض العمل في اتجاه معاكس للميليشيات السنية والشيعية عبر دعم الدولة الوطنية وتعزيز مؤسساتها
ودأب وكلاء إيران في المنطقة العربية على اتباع سياسة إظهار المكون السني بمظهر التكفيري والإرهابي، ولعب نوري المالكي رئيس وزراء العراق الأسبق دورًا رئيسيًا في تسهيل استيلاء داعش على الموصل بعد إطلاق عدد من قادته من السجن وتمدد التنظيم في مدن ومحافظات سنية.
وبات تصاعد نفوذ داعش في أوقات بعينها داخل بلاد الشرق العربي مرتبطًا بتوقيتات تمر فيها إيران بأزمات خانقة بهدف تخفيف الضغط عليها وعلى وكلائها في المنطقة.
ويستفيد داعش بدوره من هذا التعاون الضمني للتخفيف عن فرعه في سوريا، والذي يتعرض إلى حرب مستمرة من التحالف الدولي.
ويجد داعش في الساحة اللبنانية بيئة حاضنة سياسيًا وأمنيًا وطائفيًا، مستغلًا الفراغ السياسي وانهيار الأوضاع الاقتصادية، علاوة على حاجة أطراف طائفية نافذة لتوظيفه ومنحه مساحات للتحرك والنشاط لإكسابها شرعية الوجود الدائم بسلاحها وسطوتها، على الرغم من فشلها.
ويحاول وكلاء إيران استنساخ النموذج العراقي في لبنان باستهداف مزدوج للمسيحيين والسنة، ويعد داعش أداة مفضلة لتحقيق هذا الهدف.
رهان على الفوضى
تؤوي بعض المخيمات السورية في شمال لبنان العديد من خلايا تنظيم داعش والمكونة من عناصر سورية ولبنانية، وسعى التنظيم لإقامة تنظيم مستقل بمخيم عين الحلوة مستغلًا كثافة العبور والخروج اليومي التي جعلت ضبطه أمنيًا مستحيلًا مهما كانت يقظة جنود الحاجز اللبناني.
وتتوزع المجموعات المعتنقة للفكر التكفيري على خلايا تحمل مسميات مختلفة داخل المخيم، مثل جماعة “الشباب المسلم” وغيرها، حيث تتمركز بأحياء تسيطر عليها مجموعات مطلوبة للقضاء اللبناني، مثل مجموعة بلال بدر التي تساعد عناصر داعش لبناء تنظيمي مستقل في المخيم.
وتنشط داخل المخيم عمليات التجنيد لشباب يحملون الجنسية الفلسطينية، من خلال جهود قيادات إرهابية هاربة ومتسللة داخله، تجمعها صلات بقيادات داعش في سوريا.
ومهما كانت هذه المجموعات التابعة لداعش ضعيفة في شمال لبنان والمخيمات والساحة اللبنانية عمومًا، فهي تستثمر في انهيار البلد وضعف تماسكه الوطني، ما يمكن التنظيم من عدم استبعاد إعلان وجوده بشكل رسمي قريبا والبدء في تنفيذ مقتضيات إعلان لبنان كولاية وساحة تمركز رئيسية للتنظيم الإرهابي.
داعش يسعى لإقامة تنظيم مستقل بمخيم عين الحلوة مستغلًا كثافة العبور والخروج اليومي التي جعلت ضبطه أمنيًا مستحيلًا مهما كانت يقظة جنود الحاجز اللبناني
ويراهن داعش على الوضع السياسي والمؤسسي المتأزم في لبنان من جهة خلو منصب رئيس الجمهورية وترهل الحكومة وعجز البرلمان المنقسم عن سن تشريعات واتخاذ قرارات وعدم التوافق بين الفرقاء، لجعله ركنًا من أركان ما يُعرف بالهلال الشامي الداعشي.
ويأمل قادة داعش أن يؤدي هذا التأزم إلى انفجار البلد اجتماعيًا أو أمنيًا، ما يخلق مساحات لتوسعه وتمدده، وهو التنظيم البارع في استغلال الاحتقان الطائفي لصالحه، ومع تصاعد حدة الاستياء الشعبي والاحتقان الطائفي يريد التنظيم تحويل لبنان إلى ساحة تجنيد لضم عناصر ومقاتلين جدد، ليصبح عمقًا إستراتيجيًا وبشريًا لمحور الشام الجديد (سوريا والعراق ولبنان).
ويحول الوصول إلى استقرار سياسي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وتشكيل حكومة قادرة على قيادة البلاد دون نجاح مخطط تحويل لبنان إلى ولاية رئيسية لداعش ضمن محور الشام الكبرى.
ويقود الاستقرار السياسي والتماسك المجتمعي والوطني أيضا لتمكين الأجهزة الأمنية اللبنانية من التصدي للتنظيم وتوجيه ضربات قوية له.
ويدعم هذا المسار وجود مناعة طبيعية داخل المجتمع اللبناني ضد تيار الإسلام السياسي والأفكار التكفيرية العنيفة.
ولم ينضم من شباب لبنان السني للقتال في سوريا ضمن الجماعات التكفيرية سوى 500 شاب وقت الاندفاع السني المتعاطف مع الثورة.
ويقوض مخطط تحويل لبنان إلى ولاية داعشية العمل في اتجاه معاكس للميليشيات السنية والشيعية عبر دعم الدولة الوطنية وتعزيز مؤسساتها وتقوية أواصر العروبة التي يعد لبنان جزءًا مهمًا من تاريخها.
المصدر العرب اللندنية