كتب .. فؤاد يسلم صنبور
التصالح والتسامح بين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد شيء جميل ورائع والأجمل أن يتحدث الناس عن التصالح والتسامح بمضامينه معانية النبيلة وهو مبدأ عمل الجميع من أجله قيادة وشعباً وتشجيعه من منطلق أن الوحدة جبت ما قبلها وأنهت حقباً من الصراع الشطري أو في إطار الشطر الواحد في جنوبنا اليمني الحبيب.
ولكن ينبغي لمن يرفع شعار التصالح والتسامح أن يجسد أولاً قيمه عملياً في سلوكه وممارسته الحياتية والسياسية حتى يكون مفهوم التصالح والتسامح يتطابق قولاً وفعلاً مع من يؤمن به أما أن يدعو إلى هذا من تثار حول سلوكياتهم علامات إستفهام كثيرة أو يريدون أن يجعلوا من التصالح والتسامح حقاً يراد به باطل أو مدخلاً لإثارة صراعات وأحقاد جديدة بين الناس فإن هذا ما ينبغي التصدي له وفضحه. .
إذ ليس مقبولاً أو مقنعاً أن نسمع من يتحدث عن التصالح والتسامح ويديه ما زالت ملطختان بدماء أبناء اليمن شمالا كان أو جنوبا في مراحل مختلفة من تأريخه المعاصر أو من كانوا دائماً نافخي نار الحروب والصراعات في عهود التشطير والتي ذهب ضحيتها الآلاف من خيرة أبناء اليمن الشرفاء الذين أسهموا في صنع انتصارات الثورة والجمهورية والاستقلال أو من يريدون أن يجعلوا من هذا الشعار سبيلاً لإثارة فتن ونزعات مناطقية أو جهوية تثير الأحقاد والضغائن والصراع بين الناس بعد أن جاءت الوحدة لتطوي تلك الصفحات المؤلمة في تأريخ الوطن. .
لذا عندما تأتينا دعوات التصالح والتسامح من أشخاص يذكرونا بتلك العهود الدموية التي ذهبت غير مأسوف عليها نجد أنفسنا نضع علامة إستفهام كبرى أمام هذه الدعوات وتدفعنا إلى التفكير بحثاً عن ما ورائها من نوايا سيئة لنجدها تتجسد في إسترجاع ذلك التاريخ إلى النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي الذي تركت أحداثه أحقاداً وضغائناً ودورات عنف دموي يصعب تجاوزها خاصة في محافظاتنا الجنوبية والذي عانينا كثيراً من الصراعات والأحقاد حينها سواء ما حدث في عام 1978م أو في ال13 من يناير عام 1986م أو ماحصل في التسعينات أو مابعد الألفيه.. وغيره والذي على ما يبدو أن بعض من أصحاب هذه المآسي لم يغادروا مواقعهم القديمة ويسعون إلى إستحضارها على نحو يتناسب مع مرحلة مغايرة لا تمت بصلة إلى عهودهم البائسة وكأن الذاكرة الوطنية قد عطبت أو أن الجراحات الغائرة والمفتوحة قد إندملت حقاً.
إن هذا لمؤسف والمؤسف أكثر من ذلك أن نجد أن من يرفع شعار التصالح والتسامح يريد أن يستغل ما سفكته يداه من دماء إستغلالاً بشعاً وتآمرياً مخرجاً معنى التصالح والتسامح من سياقه الصحيح إلى مسار خاطئ ليعني من وجهة نظره إثارة الضغائن والأحقاد وإشعال حرائق الفتن من جديد معمماً الفوضى على الوطن كله وعبر استهداف وحدته الوطنية فصورت له أوهامه ومطامعه أن استعادة مجده الآفل يمكن أن يستعاد على حساب دماء جديدة تسفك على أرض اليمن الواحد، في اعتبار أنه لا يهم إلى ماذا ستؤدي إليه مثل هذه النوازع الشريرة بل المهم إشباع رغبة العودة إلى مسرح الأحداث واستعادة ماضٍ طواه الزمن في ثنايا متغيراته وتحولاته والتي معها يستحيل إعادة التاريخ إلى الخلف وعقارب الساعة إلى الوراء.
نعم للتصالح والتسامح إن كان يعني إلى الدعوة إلى القضاء على الأحقاد والضغائن ووأد الفتن ونبذ العنف وتعميق الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن الواحد أو الشطر الواحد.. مجازا.. والعمل من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار ومواصلة مسيرة التنمية والبناء المؤدي إلى نهوض وطني يحقق التطور والازدهار والرفاهية. .
وعليه…. فإن مفهوم التصالح والتسامح يفرغ من محتواه ومعانيه السياسية والوطنية والإنسانية خاصة إذا ما تأملنا في مقاصد هذا التصالح وغاياته. . فمن يتصالح مع من وعلى ماذا ولأجل من.؟ . فالمصالحة والتسامح بين أطراف الصراعات المناطقية والقروية وفي أزمنة التشطير مع من وعلى من ؟!! هل من أجل صراع جديد يستهدف الوطن ووحدة أبنائه وتأجيج فتن فتؤدي إلى صراعات تدخل الوطن مرة أخرى في حلقة مفرغة من الأحقاد والكراهية والفوضى لا أحد يستطيع أن يدرك كيفية الخروج منها؟!! أم من أجل البحث عن زعامة مفقودة لن تعود بخير لهذا الوطن بل يدفع الوطن نتيجة لها دماء كثيرة فهل هذا هو التصالح والتسامح الذي يدعو إليه البعض؟!. . . خاصة أولئك الذين نراهم اليوم يرفلون في ترف خارج الوطن وينعمون برغيد العيش على حساب دماء وشهداء من كانوا بعد الله سبباً في حرية هذا الجزء من وطني الحبيب.. مع أن هؤلاء المتطفلين لم يكونوا إلا وبالاً على اليمن والثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر شمالا وجنوبا وعلى وحدة الوطن ومستقبله وهم اليوم يريدون: أن يواصلوا هذا التاريخ الأسود رافعين شعارات خادعة مستخدمين مفهوم التصالح والتسامح لأهداف شريرة خاصة بهم وغير قابلة للتحقق فشعبنا كما كان بإيمانه ووعيه وإرادته لمن سبقوهم بالمرصاد. . فإنه اليوم وبوعي ويقظة أبنائه في الشرق والغرب والجنوب والشمال من الوطن سيكون لهؤلاء بالمرصاد ويحول تآمراتهم إلى سراب منتصراً لحاضره وغده المشرق بالتطلعات التي يحققها في ظل رايتة المباركه وديمقراطيتة وطيبته وحبه لأمن وإستقرار الوطن. أما الأحلام بالعودة على ظهر دبابة الأجنبي فليس إلا مجرد أضغاث أحلام ستتبدد حتماً على صخرة الوعي الوطني والصمود والتضحيات التي ظل شعبنا على استعداد لتقديمها انتصاراً لإرادته في الحرية والتآخي بين أبناء الوطن الواحد والديمقراطية .
نعم للتصالح والتسامح.. نعم سأسامحكم ولكن أروني قبر أخي وجثته…
٢١جماد ثاني ١٤٤٤هج
الموافق 18 يناير-كانون الثاني 2023م