كريتر نت – متابعات
عرفت الثقافة العربية بروز الكثير من الأسماء المبدعة والمؤثرة بالغ الأثر فيها من فاقدي البصر. يعود الأمر إلى قرون خلت منذ بشار بن برد وأبي العلاء المعري وليس آخرا بطه حسين وكثيرين آخرين، لذا فإن هؤلاء مثلوا ومازالوا طاقة خلاقة وقوة ناعمة هامة، والاهتمام بهم ودعمهم ضرورة اليوم، خاصة مع انتشار لغة برايل التي احتفى بها العالم في الرابع من يناير.
ويصادف اليوم العالمي للغة برايل الرابع من يناير من كل عام، إذ يحتفى فيه بهذه اللغة اعتبارا إلى أن برايل وسيلة تواصل أساسية لفاقدي حاسة البصر، تمكنهم من التواصل والقراءة شأنهم شأن غيرهم، والكثير منهم يصل إلى مراتب علمية وإبداعية بارزة.
الاحتفاء بهذا اليوم يحفّز على القراءة والكتابة وتوطيد التواجد الفعلي لهذه الشريحة في مجتمعاتهم، ويهدف إلى التعرف على المشكلات التي قد تواجه فاقدي البصر أو من يعانون من الضعف البصري الحاد.
ويوافق الاحتفاء بهذا اليوم ذكرى ميلاد مخترع لغة برايل في فرنسا لويس برايل عام 1809، التي سميت على اسمه، وأحدث بها ثورة في حياة فاقدي وضعاف البصر.
وعربيا يمكن الاستشهاد بتجربتين مهمتين في الاهتمام بلغة برايل هما التجربة السعودية والإماراتية، اللتان أولتا عناية كبرى بها سواء في التعليم أو في نشر الكتب والمواد الثقافية.
اللغة والتكنولوجيا
أنجزت السعودية منذ وقت مبكر خدمة تطوير برامج العمل للمكفوفين في مجالات كثيرة، حيث أنشأت المعاهد والدورات والبرامج المختلفة، إلى جانب تهيئة المدارس والجامعات عبر برنامج وطني يضمن حق المكفوفين في العلم والمعرفة، وكانت طباعة القرآن الكريم بخط برايل إحدى أهم الدلائل على مدى الاهتمام بفئة المكفوفين، حيث تتميز بأعلى مواصفات الجودة شكلاً ومضموناً، بعد أن خضعت للتدقيق والمراقبة الشاملة من قبل المختصين في هذه اللغة.
وتولي وزارة التعليم عناية خاصة لتعزيز نشر واستخدام طريقة برايل في التعليم، وذلك انطلاقاً من التزامها بإتاحة تلقي المكفوفين لتعليمهم في مدارس التعليم العام، باعتبار أن المدرسة العادية هي المكان الطبيعي والمناسب ليتلقوا تعليمهم بالقرب من مقر إقامتهم، مع تقديم خدمات التربية الخاصة لهم؛ لما لها من مردود إيجابي على الطالب وأسرته.
كما تسعى الوزارة بالتعاون مع إدارات التعليم في مختلف مناطق ومحافظات المملكة إلى تطوير تعليم المكفوفين وفق أحدث طرق التدريس، ودمجهم بشكل كامل في المدرسة، بما ينسجم مع رؤية 2030؛ حيث تقدم الوزارة خدمات التربية الخاصة للطلبة ذوي الإعاقة البصرية من خلال قبولهم في مدارس التعليم العام بالقرب من مقر إقامتهم، وتوفير المعلم المختص، وكذلك طباعة المقررات الدراسية بطريقة برايل، إلى جانب تأمين الأدوات والمستلزمات والوسائل التعليمية، والنقل المدرسي.
السعودية والإمارات تقومان بطباعة الكتب والمناهج الدراسية والمؤلفات والقصص الثقافية بطريقة برايل لدمج فاقدي البصر وتعزيز حضورهم
في حين قدمت التكنولوجيا الكثير من أوجه التطوير لطريقة برايل؛ حيث أصبح من الممكن تحويل الكتابة العادية إلى الكتابة بطريقة برايل بحيث يمكن قراءتها إلكترونياً من خلال برامج، مما أدى إلى انتشار رموز لغة برايل على لوحات المفاتيح وأجهزة الصراف الآلي حتى يتمكن المكفوفون من قراءتها واستخدامها بكل يسر وسهولة.
من جانبها نهضت جمعية إبصار الخيرية لتأهيل وخدمة الإعاقة البصرية بدورها للإسهام في الوصول الشامل لذوي الإعاقة البصرية، ودعم طريقة برايل للعديد من الجهات الحكومية والخاصة ذات المسؤولية الاجتماعية؛ التي تبادر بتهيئة خدماتها لوصول المعلومات إلى المكفوفين، كما أن لدى الجمعية قسم تدريب برايل الذي يهدف إلى إجادة هذه اللغة التي تعتبر طريقا للدخول إلى عالم الوسائط المعلوماتية.
وأكد المدير التنفيذي للجمعية أمل بنت حمدان الحنيطي أن الدولة قدمت جهودا جبارة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية منها: طباعة المصحف الشريف بطريقة برايل، وطباعة الكتب بطريقة برايل وتسجيلها صوتياً، بالإضافة إلى تأسيس فريق برايل بوكس لدعم المعاقين بصرياً من أجل مواصلة دراستهم الجامعية؛ مشيرة إلى أهمية لغة برايل كونها الطريقة المستخدمة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، بالإضافة إلى إذكاء الوعي بأهميتها بوصفها وسيلة للتواصل مع المكفوفين وضعاف البصر.
وكشفت تقديرات منظمة الصحة العالمية أن هناك ما يقارب 39 مليون شخص يعانون من فقدان البصر، كما يعاني 253 مليون شخص من ضعف حاد في الرؤية، وأنَّه كل 5 ثوانٍ في العالم يتحول شخص إلى فاقد للبصر، بينما الأطفال كل دقيقة على مستوى العالم، و65 في المئة من المصابين بضعف النظر هم فوق سن الـ50 عاماً، وتتوقع التقديرات أن يرتفع عدد فاقدي البصر إلى 75 مليون شخص.
تمكين أصحاب الهمم
من ناحيتها أكدت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم في الإمارات حرصها على تعزيز نشر واستخدام نظام الكتابة المستخدمة للمكفوفين أو ضعاف البصر عن طريق لغة برايل في كافة مجالات الحياة، وذلك انطلاقا من التزامها بدعم جهود تمكين ودمج أصحاب الهمم في المجتمع، وبتقديم أرقى سبل الرعاية والتأهيل لكافة فئاتهم المشمولين برعايتها ولاسيما ذوي التحديات البصرية من المكفوفين وضعاف البصر .
كما أكدت بمناسبة اليوم العالمي للغة برايل أهمية تنظيم ورش عمل ودورات لتهيئة الموظفين في الدوائر والمؤسسات والشركات الحكومية والخاصة للتعامل مع المكفوفين، وتلبية الاحتياجات والتحديات التي تواجه فاقدي البصر للاندماج بصورة كاملة في المجتمع عبر توفير المزيد من الخدمات التسهيلية، والتهيئة البيئية لكافة المرافق والمنشآت والعمل لتعزيز النجاحات التي حققتها الدولة في هذا الإطار واستكمالها.
ومن ناحيتها أكدت ناعمة عبدالرحمن المنصوري عضو المجلس الوطني الاتحادي، مدير إدارة رعاية المكفوفين بمؤسّسة زايد العليا لأصحاب الهمم أن الاحتفال باليوم العالمي للغة برايل يهدف إلى إذكاء الوعي المجتمعي بأهمية اللغة في حياة الكفيف، كونها وسيلة القراءة للتزود بالعلم والمعرفة، وتشجيع فاقدي البصر أو من يعانون من ضعف حاد فيه على القراءة والكتابة، وتوطيد وجودهم الفعلي في مجتمعاتهم، فضلاً عن إتاحة المجال للتعرف على المشكلات التي قد يواجهونها، كما يهدف الاحتفال إلى العمل على إيجاد حلول فعلية للتغلب على مشكلاتهم من خلال تضافر جهود المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية.
الاحتفال باليوم العالمي للغة برايل يعزز الوعي المجتمعي بأهميتها في حياة الكفيف كوسيلة للقراءة والعلم والمعرفة
وأضافت في تصريح صحافي لها أن إدارة رعاية المكفوفين بمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم تقدم عددا من الخدمات ذات العلاقة بالمكفوفين في مراكز الرعاية والتأهيل الحكومية والخاصة، ومدارس الدمج على مستوى الدولة والجامعات، وتتمثل تلك الخدمات في طباعة الكتب والمناهج الدراسية ونماذج الامتحانات والملخصات الدراسية للراغبين بطريقة برايل، وطباعة الوسائل التعليمية البارزة، الكتب والقصص الثقافية وتوفير المنشورات واللوائح الإرشادية بلغة برايل للجهات الحكومية فضلاً عن إعداد نسخ إلكترونية من كافة الإصدارات للتسهيل على ذوي التحديات البصرية وكذلك تقديم خدمات التدريب للمكفوفين وتدريبهم على البرامج التدريبية التخصصية لذوي الإعاقة البصرية وتقديم خدمة الاستشارات في مجال المكفوفين للمتعاملين سواء من الطلبة أو أولياء أمورهم أو المعلمين.
وبلغ عدد الطلبة المستفيدين من خدمات إدارة رعاية المكفوفين لطباعة المناهج الدراسية في العام الدراسي الحالي 2022 – 2023 ، 35 طالباً ليصل إجمالي عدد الطلبة إلى 818 طالباً منذ العام 2006 بمختلف المراحل التعليمية، كما بلغ عدد النسخ المطبوعة بطريقة برايل من المناهج الدراسية 478 نسخة ورقية للفصل الدراسي الأول للعام الحالي ليصل إجمالي النسخ الورقية من المناهج الدراسية إلى 24514 نسخة، فيما بلغ مجموع عدد النسخ الإلكترونية للفصل الدراسي الأول للعام الحالي 551 نسخة من إجمالي 7656 نسخة منذ إطلاق الخدمة.
وارتفع عدد الجهات المستفيدة من المطبوعات والمنشورات والكتيبات التوعوية المكتوبة بلغة برايل ليصل إلى 180 جهة منها 15 جهة العام 2022 بواقع 1419 نسخة من المطبوعات والكتيبات التوعوية والثقافية والقصص بطريقة برايل منها 14190 نسخة العام الحالي، فيما بلغ عدد المستفيدين من خدمات التدريب في مجال المكفوفين منذ عام 2016 حتى وقتنا الحالي 187 مستفيداً كما بلغ أيضاً عدد المستفيدين من خدمة تقديم الاستشارات في مجال المكفوفين منذ عام 2021 إلى عام 2022، 435 استشارة.
يذكر أن لغة برايل هي عرض للرموز الأبجدية والرقمية باستخدام ست نقاط يمكن تحسسها باللمس لتمثيل كل حرف وعدد، بما في ذلك رموز الموسيقى و الرياضيات والعلوم. ويستخدم المكفوفون وضعاف البصر لغة برايل لقراءة نفس الكتب والنشرات الدورية المطبوعة بالخط المرئي، بما يكفل لهم الحصول على المعلومات المهمة، وهو ما يُعد مؤشرا على الكفاءة والاستقلال والمساواة.