كريتر نت – متابعات
يحمل الإضراب المفاجئ الذي شهده قطاع النقل الاثنين في تونس رسالة واضحة من الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الرئيس قيس سعيد مفادها أن بداية 2023 ستكون محورا لتصعيد نقابي على أكثر من واجهة، في وقت تقول فيه أوساط سياسية تونسية إن كبرى النقابات في تونس تريد استثمار الأزمة التي تعيشها البلاد للضغط على السلطة من أجل الاعتراف بها كشريك سياسي قويّ ومؤثر.
وتشير الأوساط السياسية التونسية إلى أن الاتحاد سبق أن حدد موعدا لإضراب نقابات النقل نهاية يناير الحالي، وأن لجوءه إلى تنفيذ إضراب عشوائي ودون تفاوض مع الوزارة أو تحذير قبل تنفيذ الإضراب يظهر أن القيادة النقابية تستعجل التصعيد مع السلطة، خاصة أن خطوة مثل هذه تؤكد أن لا رغبة لها في الحوار ولو بشأن مطالب مالية دأب الاتحاد على التفاوض بشأنها لأسابيع قبل التلويح بالإضراب.
◙ الأزمة التي تعيشها الشركات العامة تؤكد حاجة البلاد إلى المضي في إصلاحات اقتصادية جدية وعاجلة
وتقول هذه الأوساط إن الاتحاد يريد زيادة منسوب الاحتجاجات بمناسبة شهر يناير، الذي يوصف في تونس بأنه شهر الإضرابات والاحتجاجات، منذ 26 يناير 1978، مرورا بثورة الخبز في 3 يناير 1984، وصولا إلى 14 يناير 2011 تاريخ الاحتجاجات التي قادت إلى تنحي الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عن الحكم.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قرر تمديد حالة الطوارئ في البلاد حتى الـ30 من يناير الحالي، في قرار وصفه مراقبون بأنه خطوة استباقية لمنع الاحتجاجات العشوائية.
وتمنح حالة الطوارئ وزارة الداخلية صلاحيات استثنائية تشمل منع الاجتماعات وحظر التجوال.
وتعتبر الأوساط السابقة أن اتحاد الشغل لا يخفي رغبته في أن يعود إلى الواجهة السياسية من جديد من بوابة “الحوار الوطني” الذي يتحرك لإحيائه بالتحالف مع بعض المنظمات الحقوقية وقوى مقربة منه. ويهدف هذا الحوار إلى استثمار النتائج المحدودة التي انتهى إليها الدور الأول من الانتخابات التشريعية من أجل الدفع نحو تسوية سياسية جديدة يكون من نتائجها إجراء انتخابات تشريعية جديدة وتشكيل “حكومة سياسية” يكون القرار المؤثر فيها للاتحاد، وفي نفس الوقت ممارسة ضغوط على الرئيس سعيد للتفاوض مع الأحزاب.
وتتوقع الأوساط نفسها زيادة الاحتجاجات في أكثر من قطاع خاصة قطاعات النقل والتعليم والصحة، وفي بعض الأحياء الشعبية المعروفة، لإظهار أن الوضع الاجتماعي غير مستقر، وأن دور الاتحاد مطلوب وضروري للمساعدة في الخروج من الأزمة كما جرى في 2013.
وشل إضراب حركة النقل البري بالعاصمة تونس وتوقفت حركة تسيير المترو والحافلات الاثنين بعد أن بدأ موظفو شركة “نقل تونس” المملوكة للدولة إضرابا للاحتجاج على التأخر في دفع المكافآت والأجور، وفق ما قالت النقابات.
ويلقي الإضراب الضوء على المشكلات المالية الصعبة التي تواجهها الشركات العامة التي توشك على الإفلاس بينما تعاني الحكومة أسوأ أزمة مالية. ويرفض اتحاد الشغل أيّ إصلاحات في الشركات الحكومية قد تطال المزايا التي يحصل عليها من ضخامة أعداد الموظفين والعمال بهذه الشركات والذين ينخرطون في النقابة ويدفعون مخصصاتهم لفائدتها.
وقالت حياة الشمتوري المتحدثة باسم شركة نقل تونس “النقابة تحتج على التأخير في دفع الأجور والمكافآت”. وأضافت “الوضع في الشركة صعب”.
ويرى مراقبون أن إضراب النقل هو استعراض قوة من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمتع بتأثير قوي وسبق أن تعهد بتنظيم سلسلة من الاحتجاجات.
وفي ساحة القصبة قرب مكتب رئيسة الوزراء نجلاء بودن، تجمع المئات من موظفي شركة نقل تونس للمطالبة بصرف مستحقاتهم. ورفعوا شعار “نريد حقوقنا.. لا نطلب مزية”.
وقال وجيه الزيدي الكاتب العام لجامعة النقل التابعة لاتحاد الشغل “الإضراب سيكون مفتوحا حتى تتحقق مطالب موظفي الشركة.. الموظفون لديهم التزامات والبعض يجد نفسه غير قادر على سداد قروضه”.
وأقر الاتحاد، الذي يضم أكثر من مليون عضو، الأسبوع الماضي إضرابا ليومين لعمال النقل الجوي والبري والبحري في 25 و26 يناير الحالي احتجاجا على ما وصفه “بتهميش الحكومة للشركات العامة”.
وفجّر إضراب النقل الاثنين غضبا عارما بين الآلاف من الأشخاص الذين لم يجدوا وسائل للتنقل في العاصمة.
◙ اتحاد الشغل لا يخفي رغبته في أن يعود إلى الواجهة السياسية من بوابة “الحوار الوطني” الذي يتحرك لإحيائه
وقالت امرأة اسمها نجيبة وهي تنتظر في محطة الحافلات “اليوم لا نجد حليبا ولا زيت ولا سكّر ولا قهوة في البلاد، اليوم لا نجد حافلات تقلنا إلى العمل. أصبحنا نعيش جحيما لا يطاق”.
وفي حي الانطلاقة بالعاصمة قطع محتجون الطريق تعبيرا عن الغضب من الإضراب.
ويقول المراقبون إن الأزمة التي تعيشها الشركات العامة تؤكد حاجة البلاد إلى المضي في إصلاحات اقتصادية جدية وعاجلة.
وتسعى تونس، التي تكافح من أجل معالجة ماليتها العامة، للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات غير شعبية تشمل خفض الإنفاق وإعادة هيكلة الشركات العامة وتجميد الرواتب وخفض دعم الطاقة والغذاء.
وقال وزير الاقتصاد سمير سعيد الشهر الماضي إن تونس ستواجه عاما صعبا مع معدل تضخم سيتجاوز 10 في المئة. وأضاف أن الحكومة لا بديل لها عن اتفاق مع صندوق النقد.