هشام النجار
تخلت العشائر الصومالية عن دعمها لحركة الشباب الجهادية المتطرفة واصطفت إلى جانب السلطات في حربها على المتمردين، فبدأت الكفة ترجح لصالح الحكومة الصومالية التي ظلت طوال سنوات عاجزة عن السيطرة على الحركة المسلحة التي مثلت عائقا كبيرا أمام أمن البلاد واستقرارها، وهو ما يمكن أن يضع حدا لهذه الحركة ووجودها.
وأثبتت الحالة الصومالية أنها استثناء في القارة الأفريقية على صعيد مكافحة الإرهاب بالنظر إلى سجل الغرب التاريخي المليء بالإخفاقات في مكافحة التمرد في القارة، وتوسع النفوذ الروسي والصيني ونمو معاداة الغرب.
وتُوقف الهزائم التي تلقتها حركة الشباب (فرع القاعدة في الصومال) على مدار الأشهر الماضية زخم تمدد التمرد الإرهابي في القارة السمراء، مقارنة بما يجري في دول الساحل الأفريقي ودول غرب القارة مصحوبا بتراجع النفوذ الغربي.
إذا أحسنت الحكومة استغلال ثورة سكان البلدات والعشائر ضد حركة الشباب ربما تتجه الحركة إلى الاضمحلال
واستطاع الجيش الصومالي المدرب على يد قوات أميركية توجيه ضربة جديدة لحركة الشباب الموالية للقاعدة، حيث طردها من مواقع إستراتيجية كانت تسيطر عليها وقتل خمسين مقاتلا من كوادرها.
وأتت العملية الناجحة التي نُفذت في قرية دار نعيم التي تمثل قاعدة عسكرية رئيسية للإرهابيين بمحافظة شبيلي الوسطى بعد تحرير بلدة إستراتيجية أخرى بنفس المحافظة وهي عدن يابال.
كما طردت الأجهزة الأمنية الصومالية مسلحي حركة الشباب من بلدة بصرة الإستراتيجية، وتقع على بعد 40 كيلومترا جنوب العاصمة مقديشو، التي تربط الأقاليم الوسطى بالأقاليم الجنوبية، ليصل عدد البلدات التي تفقد الحركة الموالية للقاعدة هيمنتها عليها إلى أكثر من 20 بلدة.
وتفوق هذه الإنجازات الانتصارات التي حققها الجيش الصومالي في الأشهر الثلاثة الماضية، خاصة أن المدن الإستراتيجية المحررة كانت بمثابة ساحة لتدريب عناصر حركة الشباب، وقاعدة تدير من خلالها المناطق الوسطى، فضلا عن كونها حلقة وصل بين المناطق التي تسيطر عليها الحركة في وسط الصومال وجنوبه.
فقدان الحاضنة
يعدّ دخول القوات الصومالية بلدات ومناطق إستراتيجية ظلت تحت سيطرة حركة الشباب لعشر سنوات وأكثر وتحريرها دلالة واضحة على نجاح خطة الحكومة الصومالية في ظل حكم الرئيس حسن شيخ محمود تحت شعار “الصومال متصالح مع نفسه”.
ويخوض الجيش المواجهة ضد حركة الشباب الموالية للقاعدة والتي تُعد أحد أقوى أفرع التنظيم بمؤازرة من القبائل وعبر تسليح عدد كبير من العشائر التي نحت خلافاتها جانبا للتفرغ والتصدي للخطر المشترك.
ويفقد انضمام القبائل والعشائر الصومالية للحرب ضد حركة الشباب في صف الحكومة والجيش الجماعة ملاذاتها الآمنة ويجعلها مكشوفة أمام القوات، ما يعني أن قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية لن تستمر طويلا.
وفي ضوء هذه المواجهة الشاملة والتعاون بين الحكومة والعشائر تشهد الولايات الفيدرالية المحلية، هيرشبيلي وجنوب غرب الصومال وغلمدغ، عمليات أمنية مكثفة ضد الحركة المتطرفة.
وتشير إحصائيات رسمية إلى أن الجماعة المتطرفة فقدت أكثر من 500 عنصر مسلح خلال الشهرين الماضيين فقط، كما يقود علماء الصومال حملات توعية دينية ضد مناهجها وأفكارها في جميع أنحاء الصومال.
وأدى هذا الجهد بجانب الغضب الشعبي من ارتكاب حركة الشباب مذابح وحشية بحق المدنيين إلى توحد الشعب والجيش في الصومال ضد حركة الشباب التي كانت سببا في أن يتجاوز الصوماليون خلافاتهم من أجل التماسك والوحدة لإلحاق الهزيمة بها.
واتضحت فعالية الإستراتيجية الجديدة القائمة على تشكيل جبهة موحدة وعلى شمولية المواجهة عسكريا وفكريا بجانب تجفيف مصادر التمويل، في طبيعة ردود أفعال الحركة.
ونفذت الحركة المتمردة هجمات دموية غير مدروسة العواقب، ما عكس حالة الإحباط الذي تعيشه، في محاولة يائسة لتثبت أنها لا تزال صامدة.
وأفشلت القوات الصومالية مؤخرا هجوما للحركة التي تُعد أغنى فروع القاعدة في العالم وأقواها تسليحا على فندق فيلا روز القريب من القصر الرئاسي.
وقبل هذه العملية الأخيرة استهدفت الحركة من خلال عبوة متفجرة مقر وزارة التربية والتعليم العالي بالعاصمة مقديشو ما أوقع أكثر من 100 قتيل وإصابة 300 آخرين، وهو ما حشد رأيا عاما غاضبا ووحد صفوف الشعب الصومالي ضد الحركة وممارساتها الجنونية الدموية.
وهدمت الحركة الآبار المعدودة التي تشكل مصدر المياه الوحيد للقرويين، في ظل الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد، كما أقدمت على حرق قرى بأكملها وتفجير أبراج الاتصالات واستهداف الحافلات العمومية.
ولم تنجح محاولات قادة الحركة في امتصاص الغضب الشعبي بعد عملية وزارة التعليم الدموية وغيرها، وبات هناك إجماع شعبي على مواجهة الحركة التي استهانت بدماء وأرواح الأبرياء من الصوماليين العزل، فضلا عن استحلالها السطو على ممتلكاتهم وسرقة أموالهم.
صراع على القيادة
تعاني حركة الشباب جراء هذا النشاط متعدد الأوجه من أزمة مركبة، وتخسر في ميادين المواجهة بالتوازي مع نزيف الانشقاقات والانقسامات.
وتواجه الحركة خطر التشظي والانقسام منذ انشقاق القيادي مختار روبو عنها عام 2013، والذي عُين لاحقا وزيرا للشؤون الدينية في الحكومة الحالية، بعد أن شغل منصب نائب قائد الحركة والمتحدث باسمها، ما شجع الكثيرين على أن يحذوا حذوه.
وازداد زخم حركة الانشقاقات منذ العام 2017 عندما انشق نحو خمسمئة عنصر عقب خروج روبو من الجماعة، وهو السيناريو الذي قد يتكرر بالنظر للخلافات والصراعات المحتدمة حاليا على قيادة الحركة.
وبخلاف حالة روبو استقبلت الحكومة الصومالية العديد من المنشقين عن الحركة ووفرت لهم الرعاية، ومن ضمنهم قادة بارزين سابقين بالحركة مثل محمد سعيد وإسماعيل حرسي الذي كان يشغل منصب مسؤول الاستخبارات في الجماعة، وسلم نفسه للحكومة عام 2014، والشيخ حسن طاهر أويس زعيم الحزب الإسلامي سابقا.
ويتوزع ولاء مسلحي حركة الشباب بين زعيم الحركة أحمد ديري ونائبه مهاد كاراتي الذي ينافسه على زعامة الحركة والهيمنة على مقدراتها.
ومهاد كاراتي هو المسؤول عن الأمن والمخابرات والشؤون المالية داخل الحركة، ما مكنه من الهيمنة على إمبراطورية مالية كبيرة، وهو قيادي مثير للجدل تحوم حوله الكثير من الشبهات بشأن علاقاته مع أجهزة استخباراتية، فضلا عن تصفيته لقادة منافسين له داخل الحركة.
وتكرست هيمنة كاراتي المدرج على قوائم الإرهاب الأميركية منذ العاشر من أبريل 2015 على حركة الشباب خاصة بعد فشل توغل الجماعة في شرق إثيوبيا يوليو الماضي، في عملية عسكرية فاشلة خسرت الحركة فيها المئات من مسلحيها، وهو ما أثبت ضعف القيادة ممثلة في أحمد ديري.
وزاد تعرض حركة الشباب لهزائم ونكسات متكررة من حظوظ مهاد كاراتي (عبدالرحيم محمد ورسام) في تولي القيادة بدلا من أحمد ديري، وهو السيناريو الذي يعجل بانشطار الحركة وتفككها بالنظر إلى وجود رافضين لتصعيد قيادة بديلة عن ديري رغم معاناته من المرض.
إستراتيجية ناجحة
دشن الرئيس الصومالي إستراتيجيته الحالية لمواجهة حركة الشباب وإلحاق الهزيمة بها بعد فشل مساعي الحوار مع قادة الحركة، والذي رهنه حسن شيخ شريف معها بتحرير المناطق التي تسيطر عليها وسط وجنوب البلاد، ما دفعها للإعلان على لسان نائب زعيمها مهاد كاراتي في يونيو الماضي رفض التفاوض مع الحكومة وسعيها للإطاحة بالنظام الحاكم.
وباتت هناك منذ ذلك التاريخ معادلة صفرية بين الطرفين، لذلك اتبعت الحكومة نهجا أكثر شمولية في المواجهة مستوعبة الجوانب العسكرية والفكرية والاقتصادية، مع الحرص على إشراك القبائل والعشائر والشعب الصومالي في الحرب ضد الحركة.
وبالتوازي مع الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات الصومالية على الحدود ضد نشاط حركة الشباب العابر للدول بالتعاون مع إثيوبيا وكينيا، حققت نجاحات كبيرة بالداخل الصومالي بالتعاون مع جبهة شعبية بدت متماسكة بعد أن طالبت الحكومة العشائر بتنحية خلافاتها والانخراط في القتال ضد عدو مشترك.
وتغير مشاركة العشائر في الحرب مجريات الأحداث بالنظر لما تمتلكه من قدرات وخبرات، حيث تستطيع الوصول إلى مناطق لا يمكن للقوات الحكومية الوصول إليها، ما يسهل استهداف مسلحي الشباب في عقر دارهم.
الحركة التي طمحت في تكرار سيناريو طالبان في أفغانستان وامتلكت في السابق القدرة على تنفيذ هجمات واسعة بالصومال ودول مجاورة، توقع الرئيس الصومالي أن القضاء عليها بات قريبا
ولعب الشق الفكري وبرامج إعادة التأهيل دورا ملحوظا في إحراز إستراتيجية الحكومة الصومالية نجاحات ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، إذ أدى احتواء المنشقين وتأهيلهم ودمجهم بالمجتمع إلى إضعاف الجماعة.
وخسرت حركة الشباب المئات من مقاتليها في المواجهات الميدانية العسكرية، كما خسرت المئات من عناصرها الذين تخرجوا من مراكز التأهيل الفكري والتربوي التي أنشأتها الحكومة.
وكمل النشاط الفكري وبرامج إعادة التأهيل التي تسببت في انشقاق أعداد كبيرة عن حركة الشباب النشاط العسكري والميداني، وبدت الإستراتيجية الجديدة أكثر شمولا وتماسكا من خلال التلاحم الشعبي مع الحكومة.
ويُعد المتغير الأهم في معادلة الصراع في الصومال هو انتفاضة العشائر وحملها السلاح ضد حركة الشباب بعدما كانت متحالفة معها، ما يرجح كفة القوات الحكومية وسط البلاد، ويمنحها فرصة ثمينة لهزيمة الحركة.
وإذا أحسنت الحكومة الصومالية استغلال ثورة سكان البلدات والعشائر ضد حركة الشباب ربما تفقد الحركة قدرتها على الصمود وتتجه للاضمحلال.
الحركة التي طمحت في تكرار سيناريو طالبان في أفغانستان وامتلكت في السابق القدرة على تنفيذ هجمات واسعة بالصومال ودول مجاورة، توقع الرئيس الصومالي أن القضاء عليها بات قريبا أكثر من أي وقت مضى.
المصدر العرب اللندنية