كريتر نت – متابعات
تهيمن منظمات إجرامية من أوروبا الشرقية، تمتد نشاطاتها من دول البلطيق إلى دول البلقان، على سوق تهريب التبغ. وبعدما كانت المصانع السرية تتمركز في أوكرانيا ثمّ بولندا، اقتربت أكثر لأسواق التصريف. الأمر الذي بدأ يثير قلق الأجهزة الأمنية في فرنسا.
وقامت الجمارك الفرنسية في ديسمبر 2021 بتفكيك مصنع سري لإنتاج السجائر، في أول عمليّة من نوعها على الأراضي الفرنسية، في ضواحي باريس.
والمبنى يبدو عاديّا من النظرة الأولى، مجرّد مستودع بلا نوافذ، جدرانه مطلية جزئيّا وفيه آليّات ضخمة. إلا أن بعض أكياس التبغ والفلاتر تفضح الغاية من استخدامه، وهي صنع سجائر للتهريب.
ويرتبط هذا المبنى بمحاور الطرق الرئيسية بالقرب من العاصمة الفرنسية، حيث عثرت فرق الجمارك فيه على سلسلة آليات في حالة ممتازة لمعالجة التبغ وإنتاج السجائر.
وتتكدّس أكياس قمامة مليئة ببقايا التبغ ولفائف الورق ومجامع الغراء، لتدلل على نشاط الموقع سابقا. وعلى المنصّات المحطّمة وضعت ألواح من الكرتون طبعت عليها نماذج علب السجائر لتقطيعها وتحويلها إلى عبوات، دون أن ينسى مشغلو الموقع وضع عبارة “التدخين يقتل”. وقد اكتشفت الجمارك الفرنسية مصنعين سريّين آخرين، واحد للتعليب في لونغفيل، والثاني للتخزين في بوانسي نفسها.
284 طنا من تبغ التهريب تم ضبطها من قبل السلطات الفرنسية عام 2020، و402 طنا في 2021
ويشهد سوق تهريب السجائر ازدهارا كبيرا، فقد ضبطت السلطات الفرنسية أكثر من 284 طنا من تبغ التهريب عام 2020، و402 طنا في 2021، وأكثر من 600 طن أكثر من ثلثيها تبغ سجائر، خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام.
وتثير الأرباح التي يولدها هذا التهريب شهية عصابات إجراميّة غالبا ما تنشط في تهريب المخدرات وتسعى لتنويع عملها. وأوضح مدير جهاز التحقيقات القضائية في الشؤون المالية القاضي كريستوف بيروو المكلف بقضيتي بوانسي، أن “كلفة الصنع هي يورو واحد للعلبة، والباقي هامش ربح”.
المنظمات الإجرامية القادمة من أوروبا الشرقية، تهيمن على هذا السوق، حيث تمتد من دول البلطيق إلى دول البلقان، لتهريب التبغ. وبعدما كانت المصانع السرية تتمركز في أوكرانيا ثمّ بولندا، بدأت تقام مواقع أقرب إلى أسواق التصريف، ولاسيما في بلجيكا.
وتنتقل هذه المواقع الآن إلى فرنسا حيث تمثل السوق السوداء حوالي 30 في المئة من سوق التبغ، سعيا لتقليص المسافة بين الإنتاج والاستهلاك لادخار نفقات النقل.
وأوضح رئيس الاستخبارات الجمركية الفرنسية فلوريان كولا أن “المصنع السري يعمل لمدة أقصاها ثلاثة أشهر”، وينتج متوسط 700 علبة في الدقيقة و4200 عبوة في الساعة.
وتابع “بما أن ثمن الآلة يتراوح بين 50 و200 ألف يورو، فهذا يعني تغطية التكاليف خلال بضعة أيام، وتكون هوامش الربح مذهلة”. وتستقدم المنظمات الإجراميّة آلات قديمة سُحبت من الخدمة من بولندا وبلغاريا ومولدافيا، حيث الكثير من مصانع التبغ القانونيّة.
وبحسب تقديرات الاستخبارات الجمركيّة، فإن هذه المصانع تدرّ من 80 إلى 120 ألف يورو في ثماني ساعات تشغيل في اليوم، ما يعني سبعة ملايين يورو في ثلاثة أشهر.
وقد تم تفكيك مصنع ثان في بوينسي في سبتمبر عن معلومات استخباراتية جمركية حول إنزال شحنة في المنطقة الصناعية، وتحديدا في موقع شركة للعزل الحراري. وتوجهت فرق من الجمارك إلى الموقع عند الفجر فوجدت أربعة أشخاص ينزلون من شاحنة صناديق خشبية كبيرة عثرت الفرق في داخلها على آلات لصنع السجائر.
المنظمات تتعاطى إضافة إلى تهريب التبغ، الاتجار بالبشر وتهريب المخدّرات، ولديها قدرة كبيرة على بث الفساد
والمستودع الذي أعيد تأهيله مؤخرا، يتواجد في طريق مسدود، وهو عبارة عن جدران بلا نوافذ وسطح من الصفائح المعدنية. وقد علقت عميلة في الجمارك على ذلك بالقول “من الخارج، لا نرى شيئا مما يجري في داخله”.
وبحسب جهاز التحقيقات القضائية في الشؤون المالية، فقد أوقف سائقا الشاحنة وعاملان، وجميعهم مولدافيون، رهن التحقيق ووضعت أختام على الآلات التي تقدّر قيمتها ما بين 900 ألف و1.8 مليون يورو.
وتعتبر هذه خسائر تكبّدها المهربون الذين تمكنوا عند تفكيك المصنع من استعادة الآلات، في مؤشر إلى أهميّتها، قبل أن تضع الجمارك يدها عليها مجددا.
ويبيّن بيروو أن هذا يثبت قدرات المهربين على تعبئة عدة شاحنات ورافعات شوكيّة لاسترجاع هذه الآلات خلال بضع ساعات أو بضعة أيام. وفي كلّ مرّة تقبض السلطات على عمّال بسيطين غالبا ما يتحدرون من أوروبا الشرقية، دون أن تنجح في وضع يدها على قادة الشبكة.
وعلق كولا “التبغ أكثر ربحيّة من سواه، والعقوبات الصادرة في نطاقه أقل شدّة. وخلف ذلك، ثمة صعوبة كبرى في ارتقاء سلّم الشبكة إلى الرأس، فنقبض بصورة رئيسية على سائقين أو عمّال غير قانونيين”.
ولم يكن تهريب التبغ دائما أولوية، كما يقرّ رئيس جهاز التحقيقات القضائية في الشؤون المالية الذي يدعو إلى تعزيز التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة والجمارك والقضاء، مؤكدا على أن هذه المنظمات تتعاطى الاتجار بالبشر وتهريب المخدّرات، ولديها قدرة كبيرة على بث الفساد.
ونقلت هذه المنظمات ممارساتها ووسائلها إلى قطاع تهريب التبغ وحذر بيروو “تجري اليوم عمليات تسوية حسابات من أجل سوق التبغ المهرب، وعلى سبيل المثال في مرسيليا” بجنوب فرنسا.