القاهرة – أحمد جمال
أبدت مرجعية شيعية في إيران ترحيبا لافتا بالدعوة التي أطلقها شيخ الأزهر أحمد الطيب أخيرا للحوار، ووجهت له دعوة لزيارة إيران وسط تصاعد وتيرة صراع داخلي لا يخلو من أبعاد مذهبية حادة.
ودعا الأمين العام للمجمع الدولي للتقريب بين المذاهب الإسلامية حميد شهرياري، شيخ الأزهر أحمد الطيب لزيادة إيران لبحث أسس دعوته لانطلاق الحوار، وأشاد بالنداء الذي أطلقه لإقامة حوار إسلامي – إسلامي خلال حضوره ملتقى المنامة للحوار.
وقال في تصريحات له “نحن مستعدون للذهاب عبر وفد من مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية إلى القاهرة للقاء شيخ الأزهر ومناقشة موضوع الحوار”.
جاء موقف شهرياري في وقت تستمر فيه تظاهرات مناهضة لتغول دور رجال الدين في إيران، على خلفية مقتل الفتاة مهسا أميني التي احتجزت على أيدي شرطة الأخلاق وزعمت أنها لم تلتزم بالزي المفروض في البلاد.
ولم يأت موقف رجال الدين الشيعة عقب إطلاق شيخ الأزهر دعوته، وجاء متأخرا نسبيا، ما يعني أن الدعوة حظيت بنقاش في دوائر سياسية ودينية لدى الشيعة.
وأوضح الباحث السياسي في شؤون التنظيمات الإسلامية أحمد سلطان أن الترحيب الإيراني جاء وسط أزمات تلاحق المرجعيات الشيعية في إيران منذ انطلاق شرارة احتجاجات انطلقت من فكرة المطالبة بإسقاط العمائم الدينية في الشارع، ما شكل ضغطا على النافذين في المذهب الشيعي داخل إيران وخارجها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التجاوب مع دعوة شيخ الأزهر يحمل أبعادا سياسية تتعلق بصورة المرجعيات الشيعية في البلدان السنية التي تعمل طهران للتوسع فيها، وعملاً بمبدأ “التقية السياسية” وليست الدينية كي لا تظهر المرجعيات كطرف يرفض الحوار مع الجانب السني، وأن إيران تعمل في الوقت الحالي على تلميع سمعتها لتبدو في صورة تجعلها أكثر قبولا في المنطقة مع خططها التوسعية في الدول العربية.
وشدد على أن نجاح الحوار بين المذهبين السني والشيعي يتوقف على مدى استعداد نظام الملالي في طهران لتقديم تنازلات حقيقية لإنجاحه ولا بد من وجود رؤية حقيقية تؤكد تراجع إيران عن خططها للهيمنة، ويقبل المرشد الأعلى ورجال الدين التابعون له بالتنازل عن المفاهيم التوسعية، وهو أمر غير متوقع في الوقت الحالي.
ويقول متابعون إن الإرادة السياسية مازالت غائبة لنجاح الحوار بين المؤسسات الدينية، ويصعب التعويل على دعوات وعبارات رنانة من هنا أو هناك، لأنها لا تحمل نوايا جادة للحوار، وأن رجال الدين الشيعة اعتادوا في مواقف شبيهة سابقة لعب أدوار تشي بوجود رغبة في الحوار من دون تنفيذه أو إبداء رغبة للوصول إلى تفاهمات تؤسس لتقارب ملموس على المستويين الفقهي والسياسي للتقريب بين المذهبين.
نجاح الحوار بين المذهبين السني والشيعي يتوقف على مدى استعداد نظام الملالي في طهران لتقديم تنازلات حقيقية لإنجاحه
ويشير المتابعون إلى أن بعض رجال الدين الشيعة يؤمنون بفكرة الحوار وضرورتها ويسعون لإصلاح الخلافات المذهبية كسبيل للدخول في حوار سياسي مدعوم من الأنظمة العربية، لكن هؤلاء يشكلون قلة بين المرجعيات الشيعية التي تعتنق المذهب كأساس سياسي وليس دينيا ويسهمون في دعم مشاريع طهران التوسعية بالمنطقة.
وبرهنت تصريحات شهرياري أخيرا على أن الجانب السياسي يطغى على الحوار الفقهي وأن حديثه عن “منع الحصار الاقتصادي على إيران وإشارته إلى الانفتاح العربي على قطر” يؤكدان أن الرغبة المهمة لدى طهران تتمثل في تطويع دعوة شيخ الأزهر لخدمة مصالحها السياسية وليس التقارب بين المذهبين السني والشيعي.
وذكر شهرياري أن “ساحة الحوار واسعة جدا، وتبتعد عن الجانب الفقهي. وموضوع التكفير هو موضوع سياسي أكثر مما هو موضوع فقهي”.
ولفت الخبير في شؤون الإسلام السياسي منير أديب إلى أن الواقع لا يحمل نوايا حسنة لإقامة حوار إيجابي، وأن الأزمة لا تتمثل في الجلوس على طاولة مشتركة من عدمه، فالعديد من جلسات الحوار السابقة لم تُفض إلى نتيجة ملموسة، وبعضها خرج بحصيلة لا تتعدى الغرف التي قيلت فيها، ولم تجد سبيلا للتنفيذ، فالأزمة تتمثل في ممارسات إيران العنف ضد الشعوب السنية في الدول التي تتوسع فيها.
موقف رجال الدين الشيعة لم يأت عقب إطلاق شيخ الأزهر دعوته، وجاء متأخرا نسبيا، ما يعني أن الدعوة حظيت بنقاش في دوائر سياسية ودينية لدى الشيعة
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن طهران قد تستجيب للحوار ظاهريا وتملك قدرة للاستمرار فيه سنوات طويلة من دون أن تصل إلى نتيجة محددة، فحل الخلافات يبدأ من توافق اللاعبين السياسيين، ثم يمكن تهيئة البيئة المناسبة للنخب الدينية، ولا يمكن إقامة حوار في وقت يعمل فيه الحرس الثوري على إنفاق الملايين من الدولارات لتجنيد أشخاص ومؤسسات في دول عربية عدة لاختراقها وتصدير الثورة إليها.
وأشار إلى أن إيران مازالت ترفع شعار “الإمامة” في مواجهة “الخلافة”، وتؤمن بضرورة أن يسود المذهب الشيعي في جميع الأقطار العربية، وترى أن العرب لم يقدموا شيئا للإسلام، وأن الإيرانيين يقفون في وجه المستعمرين وحدهم، وتعمل على نشر المذهب الشيعي برداء سياسي، في حين أن المسلمين السنة ليست لديهم ذات التوجهات والنزعات المذهبية الحادة.
وقالت مصادر لـ”العرب” إن خروج دعوة الحوار من الأزهر، وهو أكبر مؤسسة سنية في العالم، كان ينبغي أن يقابل برد واضح من المراجع الدينية الشيعية الكبيرة.
وطالما لم يصدر عن “المرشد الأعلى للثورة الإيرانية” تعليق إيجابي ومحدد سوف تبقى أي مواقف أخرى في عداد الاستهلاك الإعلامي ومحاولة لتحسين الصورة النمطية القاتمة عن الشيعة في غالبية الدول العربية.
ولدى دوائر سياسية مصرية قناعة بأن وضع حد للخلافات وتجاوز الحالة المرتبكة، كما جاء في دعوة الأزهر في الحوار، لا يتطلب حوارا فقهيا فقط، فالصراعات السياسية تحتاج إلى مقاربات واضحة ترمي إلى الميراث البغيض.
وقد جرى تجاوز الكثير من الصراعات المذهبية في أوروبا من قبل عندما تم التعامل معها عبر اتفاقيات سياسية بين الدول، والتوصل إلى قواسم مشتركة لا تزال تحافظ على قدر كبير من التعايش السلمي، على الرغم من استمرار الخلافات المذهبية.
المصدر العرب اللندنية